شكراً .. أحمد الشقيري

أحمد الشقيري .. شاب عربي مسلم سعودي .. سطع نجمه من سنوات .. ولكن في هذا العام فهو نجم الفضائيات العربية بلا منازع، ليس لأنه بطل المسلسل الأكاديمي عاش ما عاش، وليس لأنه النجم الثلاثي في مسلسل بينهم وبين بعض، وليس لأنه الشيخ المبدع الذي لا يشق له غبار .. ولكن لأنه الشاب الذي تحدث بعفوية وبمقارنات إبداعية في خواطره هذا العام .. لقد كان البرنامج الصغير القصير، ولكنه الدسم للغاية، أقصر برنامج يومي وأكثر برنامج تأثيراً وإيجابيةً في رمضان 1430هـ.
لقد عشنا رمضان مليئا بالمتناقضات، رمضان اختلف كثيراً عن الأعوام السابقة، نصوم النهار ونقوم الليل ونصلي التراويح، وفي الوقت نفسه الذي نتابع فيه الفضائيات بما يعرض في بعضها من تفسخ واستهزاء بالدين، بل إن بعض القنوات تجدها صائمة بالنهار عن المحرمات مليئة بكل مفيد، ومع مدفع الإفطار يتحول الصيام إلى مجون وسخف وقمار واستخفاف بالعقول.
أعود إلى المبدع أحمد الشقيري وخواطره .. التي كانت حديث الشارع طوال رمضان، فالكبير والصغير يتحدث عنها، والرجال يتداولون أفكارها، والنساء يتناقشن في أزياء الشقيري اليومية، والصحفيون الكتاب يتجادلون حول الشقيري وخواطره حتى وصل الجدال إلى الضرب تحت الحزام، ولم يسلم الشقيري من الهمز واللمز، حتى أنا ومن معي أعجبني كثير مما عرض واختلفنا حول بعضه، ولكنه اختلاف لا يخفي الحقيقة واعتراض لا يحجب الشمس. عندما يحظى برنامج بكل هذا الاهتمام لن يختلف حول نجاحه إلا صاحب هوى أو حاسد.
البرنامج ببساطة يعقد المقارنات بين مجتمعنا العربي (بكل مساوئه) وبين المجتمع الياباني (بكل إيجابياته)، وقد دار كثير من الجدل حول البرنامج، خاصة من حيث مثالية المقارن به، وأنه يقدم الياباني في أحسن حاله، في حين يحضر المواطن العربي بحالته المزرية. وفي رأيي أن ما قدمه البرنامج هو الصحيح، وهذه المقارنة هي الإيجابية، حيث يجب أن يكون طموحنا هو الأعلى وهمتنا هي الأرفع، فعندما يكون تقدير ابنك في الدراسة ''راسب''، فأنت لا تحفزه مقارنة بابن عمه الذي حصل على تقدير ''مقبول'' ولكن تمثل له مقارنة بابن خالته الذي حصل على تقدير ''ممتاز''، وهكذا كانت خواطر.
من أجمل مقومات البرنامج التركيز على نوعين من المقارنات الثقافية الكلية مع المجتمع الياباني، الأولى خاصة بالمؤسسات مثل حلقة القمامة وحلقة المدارس وحلقة التوعية وحلقة هيروشيما، والنوع الثاني خاصة بالأفراد بمعنى أنها تعود إلى ثقافة الفرد التي تكوّنت من خلال ثقافة المجتمع التي لا تخرج عن كونها عادات تكوّنت بفعل التربية داخل الأسرة أو التعليم داخل المدرسة أو النظام والعقاب من قبل المجتمع أو الدولة مثل حلقة النظافة وحلقة النظام وحلقة الإبداع وحلقة احترام الآخرين وحلقة الأمانة .. إلخ.
برنامج خواطر مثله مثل أي برنامج أو كتاب أو فيلم وثائقي أو مقال، فهو برنامج انتقائي بمعنى أن القائمين عليه اختاروا بعض العادات وبعض الأماكن وبعض الأوقات سواء في المجتمع الياباني أو المجتمع العربي وعقدوا عليها المقارنة التي شاهدناها واستمتعنا بها طوال شهر رمضان، ومعنى ذلك أن هذه المثالية لا تنطبق على كل المجتمع الياباني، كما أن المجتمع العربي ليس كله بذلك السوء، فليس كل الخليجيين يرمون الأكل في النفايات، وليس كل السعوديين يرمون أحذيتهم أمام المساجد وليس كل سائقي التاكسي في الوطن العربي متخلفين، كما أن اليابانيين لا تنطبق عليهم جميعاً هذه المثالية، فهم في النهاية بشر فيهم الصالح والطالح وفيهم الخير والشر، ولكنه الفرق بين الأغلبية والأقلية وبين العموم والخصوص وبين القاعدة والشواذ، والقياس عادة ما يكون أقوى والمعنى أعمق عندما تقارن أقصى اليمين بأقصى الشمال، وتقارن الأبيض بالأسود، وتقارن النار بالجليد.
أما عائلتي الصغيرة فقد تغيرت بالفعل فعند الأكل يتم تنظيف الصحن ويسمونه الصحن الياباني، وعند المسجد توضع الأحذية في مكانها ويسمونه الحذاء الياباني، وعندما يقف الناس في الصف يسمونه الصف الياباني .. إنها عشر دقائق يوميا لمدة ثلاثين يوما غيّرت البرمجة العقلية لهم !! فكيف لو كان مثلها يوميا في البيت من خلال القدوة !! ومثلها يوميا في المدرسة عبر التعلم والمقارنة والتطبيق والقدوة !! لو تم ذلك أزعم بأن المجتمع سيتغير للأفضل بإذن الله.
ختاما .. شكراً أحمد الشقيري .. شكراً لفريق العمل الذي أسهم معك في هذا الإنتاج الرائع، وكانوا الجنود المجهولين خلف هذا الإبداع.. وأخيرا شكراً لمجموعة الفوزان لرعايتها هذا البرنامج المتميز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي