280 مليار ريال مشاريع تنموية تشهدها 19 محافظة في منطقة الرياض
تسير التنمية في منطقة الرياض، وفق مسارات متوازية تتفق جميعها في تحقيق هدف نشر التنمية وتوزيعها بشكل متوازن في مختلف أنحاء المنطقة، بما ينسجم مع التوزيع السكاني، وبما يسهم في الحد من هجرة سكانها إلى مدينة الرياض، وهذه المسارات تتجسد في مسار تنفيذي، ومسار تنسيقي وآخر تخطيطي، حيث يتجسد المسار التنفيذي في المشاريع المختلفة التي تشهدها أجزاء منطقة الرياض، والتي توجت بجملة من المشاريع التنموية الكبرى التي دشنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما وضع حجر الأساس لأكثر من 1800 مشروع بتكلفة إجمالية تبلغ 120 مليار ريال غطت مختلف المجالات.
ومنذ ذلك الحين حتى الآن تضاعفت أعداد هذه المشاريع التي تشهدها المنطقة، حتى بلغت قيمتها أكثر من 280 مليار ريال، تغطي معظم أرجاء مساحة منطقة الرياض البالغة نحو 375 ألف كيلو متر مربع، وتشمل جميع محافظاتها الـ 19، ومعظم المراكز الإدارية التي تتبع لها والبالغة 455 مركزا.
وتشمل المشاريع التي يجري تشييدها حاليا قطاعات التعليم العام، التعليم العالي، الصحة، الإسكان، الطرق، البيئة، المياه والكهرباء، الصرف الصحي، الاتصالات، الخدمات العامة، ومشاريع التنمية والاقتصاد الحكومية والخاصة، ستمول من موازنات الأجهزة الحكومية المعنية والصناديق العامة والقطاع الخاص، وستشكل ركيزة أساسية لإحداث تنمية مستقبلية كبيرة ومتوازنة في مدن المنطقة ومحافظاتها على أساس مبني على التكامل فيما بينها، وسيكون لها دور كبير في تلبية احتياجات المنطقة المستقبلية، وتوفير وتوزيع الخدمات والمرافق العامة في جميع مدنها ومحافظاتها، إلى جانب ما تمثله من توظيف متوازن لمقومات المنطقة من حيث موقعها الجغرافي وعدد سكانها ومواردها الطبيعية وثرواتها المعدنية وإمكاناتها الزراعية، فضلا عما تحدثه من خلق فرص عمل واسعة للمواطنين في شتى القطاعات، وما تمثله من أساس متين لتشكيل قاعدة اقتصادية منتجة ومتنوعة في المنطقة.
على الصعيد التنسيقي، فقد وضعت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض آلية لعقد اجتماعات مشتركة لأعضاء مجلس إدارة الهيئة، مع أعضاء مجلس منطقة الرياض والمجلس البلدي لمدينة الرياض ومجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، ونخبة من رجال الأعمال والإعلاميين، لطرح قضايا المنطقة واحتياجاتها، ومتابعة سير العمل في الخطط والبرامج والمشاريع التي يجري العمل على تنفيذها في كل من الرياض مدينة ومنطقة.
وتتابع هذه الآلية التنسيقية أعمالها وفق برنامج زمني محدد، يرصد ويتابع سير العمل في مختلف المشاريع التنموية التي تتعدد القطاعات التي تتبع لها من الجهات الحكومية أو الخاصة، ما يسهم في تذليل ما يواجه هذه المشاريع من عقبات، ويوحد جهود هذه الجهات ويجنبها الازدواجية، في الوقت الذي توفر فيه هذه الآلية معلومات فورية عن هذه المشاريع تدعم اتخاذ القرارات على مستوى المدينة والمنطقة، إلى جانب ما تسهله من وضع الخطط والبرامج التي تقوم بها كل جهة، وما تحققه من كفاءة في تنفيذ المشاريع عبر التنسيق المتبادل بين الجهات ذات العلاقة المسؤولة عن المشاريع المشتركة، مثل: مشاريع الطرق ومشاريع المرافق العامة.
أما المسار التخطيطي، فيتمثل في ''المخطط الاستراتيجي الإقليمي لمنطقة الرياض''، الذي تعده الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بالتنسيق مع مجلس المنطقة، وبالشراكة مع مختلف الجهات الحكومية والأهلية والخاصة، ويعمل على صياغة التوجهات المستقبلية للمنطقة في القطاعات كافة، ونشر التنمية وتوزيعها بشكل متوازن في مختلف أنحاء المنطقة، وذلك عبر تكثيف انتشار مرافق التعليم العام والعالي والخدمات الصحية عالية المستوى في المنطقة، وتعزيز قطاعات المياه والصرف الصحي والطاقة الكهربائية والاتصالات بما يؤدي إلى تغطية جميع مكونات المنطقة، وإيصال الخدمة إلى سكانها كافة بحلول عام 1445هـ.
ولتوها انتهت الهيئة من إعداد المرحلة الثانية من المخطط الإقليمي، والتي شملت عددا من الاستراتيجيات التي تتناول قطاعات التنمية المختلفة، في المنطقة، متضمنة الحلول المناسبة لقضاياها التنموية وفق رؤية مستقبلية لتطوير المحافظات بشكل متواز مع تنمية تطوير مدينة الرياض.
أما ما يتعلق بالخريطة السكانية في المنطقة، فقد عالج المخطط الإقليمي هذه الخريطة بالتأكيد على مبدأ محاور التنمية في المنطقة، من خلال إيجاد تجمعات لهذه المحاور تساند المحور الذي تمثله العاصمة، بحيث تضم هذه المحاور تجمعات سكانية مختلفة الأحجام في نطاق عدة محافظات، تتميز بالترابط فيما بينها، وبتنوع اقتصادها ومواردها الطبيعية والمائية، ويتفرد كل منها بخصائصه الاجتماعية والتاريخية.
هذه المحاور تتجزأ إلى مراكز لتجمعات السكانية أصغر متدرجة بشكل هرمي لتحقيق قدر أكبر من اللامركزية في التنمية، مشيرا إلى أن ذلك يتم وفقاً لمعايير إدارية واقتصادية وطبيعية واجتماعية، بحيث تتشكل المنطقة في نهاية الأمر من العاصمة الوطنية، وستة مراكز نمو وطنية، تتكون من أربعة مراكز نمو إقليمية، تحتضن 14 مركز نمو محلي، يتبعها عديد من مراكز النمو الريفية.
أما في جانب البنية التحتية للمنطقة، فاعتمدت استراتيجية المخطط ضمن قطاع النقل على سبيل المثال، تطوير وتحسين ورفع مستوى أجزاء كبيرة من شبكة الطرق القائمة، ابتداء بإنشاء عدد من الطرق الإقليمية الرئيسة لربط أجزاء المنطقة بشكل أكبر، ومروراً بإنشاء طرق ''حلقية'' تربط تجمعات المراكز فيما بينها، ووصولاً إلى إنشاء نظام نقل فعال داخل مراكز النمو الكبيرة وفيما بينها، في الوقت الذي يتم فيه الاستفادة من خطوط شبكة السكك الحديدية المعتمدة، والمتمثلة في خطي (الشمال – الجنوب) و(الجسر البري (شرق – غرب) من خلال إضافة محطات للقطار تخدم نقل البضائع والركاب في مراكز النمو التي تمر من خلالها هذه الخطوط.
وفي الإطار ذاته، اتجه المخطط نحو تعزيز النقل الجوي في المنطقة عبر إضافة مطارات إقليمية لخدمة التجمعات السكانية في الشمال و الجنوب والشرق، إضافة إلى إمكانية إقامة مطارات محلية صغيرة في أرجاء المنطقة وفقاً لاحتياجات التنمية.
ودعم المخطط تكثيف انتشار مرافق التعليم العام والعالي، والخدمات الصحية عالية المستوى، في جميع التجمعات السكانية في المنطقة، وركز على تعزيز قطاعات المياه والصرف الصحي والطاقة الكهربائية والاتصالات في المحافظات، عبر وضع استراتيجية لإدارة هذه القطاعات، بشكل يؤدي إلى تغطية جميع مكونات المنطقة، وإيصال الخدمة إلى سكانها كافة بحلول عام 1445هـ.
ولم يغفل المخطط الاعتناء بالجانب البيئي على المستوى الإقليمي للرياض، إذ حدد 25 محمية و 14 منطقة طبيعية تنتشر في أرجاء المنطقة، على اعتبارها مناطق ذات حساسية بيئية تتطلب حماية وعناية خاصة، فيما وضع المخطط أنظمة للإدارة المستدامة لموارد المياه ومكافحة التصحر، وأخرى لإدارة النفايات الصلبة والأنشطة التعدينية واستغلال الثروات الطبيعية في المنطقة.
كما يعتزم المخطط تطبيق فكرة ما يعرف بـ ''الحزام الأخضر'' والذي تتمثل في تخصيص مساحات مفتوحة لحماية البيئة تكون متعددة الوظائف بحيث تحتضن مسطحات خضراء وأنشطة ترفيهية في مواقع مجاورة للتجمعات السكانية أو المرافق العامة، مع التركيز على مواقع التنمية السياحية والمواقع التراثية على مستوى المحافظات بما يتماشى مع ''الخطة الوطنية للسياحة'' و''مخطط التنمية السياحية المستدامة لمنطقة الرياض''.
وتبرز الأهمية الاجتماعية والاقتصادية للقطاع الزراعي في منطقة الرياض، من خلال حجم القطاع وأعداد المؤسسات والعاملين فيه ضمن حدود المنطقة، فمنطقة الرياض تضم 51 في المائة من المؤسسات العاملة في قطاع الأنشطة الزراعية داخل المملكة، و36 في المائة من حجم قوى عمل القطاع على مستوى البلاد.
وفي الوقت الذي يعمل فيه المخطط الإقليمي لتحقيق على تحويل الإنتاج الزراعي نحو الاستدامة عبر التركيز على زراعة الخضراوات والزراعة العضوية، وإدارة الأراضي المخصصة للإنتاج الزراعي غير المستدام، يسعى إلى تخصيص الأراضي الملائمة للاستعمالات الزراعية مثل الوديان، لزراعة أشجار النخيل والخضراوات اليومية.
أما المناطق المخصصة لإنتاج الأعلاف والحبوب، فإما أن يتم تجديدها وتحويلها إلى مناطق زراعية تحت إدارة صارمة أو تحويلها إلى إنتاج المحاصيل ذات القيمة العالية كالخضراوات والفواكه باستخدام جميع أساليب الحفاظ على مصادر المياه.
كما يهدف المخطط إلى تبني إدارة مراع مستدامة، ووضع استراتيجية لإعادة الزراعة في المناطق الملائمة للرعي، بالتعاون مع ملاك الأراضي وأصحاب الماشية والسكان المحليين.
وفي جانب آخر، يعمل المخطط على تحسين القدرة التنافسية الاقتصادية لمحافظات المنطقة، عبر اعتماد مبدأ اللامركزية في توزيع الفرص الاقتصادية، من خلال وضع برامج عمل إقليمية يتم تنفيذها بالمشاركة بين القطاع العام والخاص، تغطي جوانب البيئة الإنتاجية لمختلف القطاعات في المنطقة، حيث من المقدر أن تخلق هذه البرامج فرصا وظيفية تزيد على 630 ألف وظيفة جديدة بحلول عام 1445هـ، 60 في المائة من بينها يوفرها القطاع الخاص.
وتعتمد استراتيجية المخطط الاقتصادية على حجم الإنفاق المالي بغرض تحسين البيئة الإنتاجية، وتطوير الموارد البشرية والبنية التحتية الأساسية.
ومن بين أهم ما تستند إليه برامج العمل الإقليمية، الخطط لتنمية مواقع المدن الصناعية، ابتداء بمدينتي سدير والخرج الصناعيتين اللتين اتخذت أخيرا خطوات متتابعة للإسراع في تأسيسهما على اعتبارهما أحد عناصر برامج العمل الإقليمية العاجلة من أجل تفعيل التنمية الاقتصادية في المنطقة، واستيعاب الطلب المتزايد على المدن الصناعية فيها، والحد من تركَز الأنشطة الصناعية في العاصمة ومحيطها، فضلاً عما تخلقه هذه المدن من تدريب وتأهيل عال وعوائد اقتصادية واجتماعية لأبناء المنطقة.
وفي الوقت الذي يجري فيه العمل في المخطط بالتنسيق مع جميع الجهات ذات العلاقة وعلى جميع المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية، يسير على ضوء الخطط والاستراتيجيات الوطنية والمحلية كافة، ومن أبرزها الاستراتيجية العمرانية الوطنية، والخطط الخمسية للدولة، والمخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض وغيرها من الخطط العامة والقطاعية على المستويات كافة.
واستمرارا لتأكيد المخطط على مبدأ اللامركزية، وضع إطاراً لتعزيز دور مجلس المنطقة والإدارات الإقليمية، بما يعطيها صلاحيات إدارية ومالية وتنفيذية أوسع لقيادة التنمية في المنطقة ضمن منظومة إدارية متكاملة فيما بينها، وبما يضمن مشاركة جميع المعنيين بالتنمية في المراحل المختلفة لإدارة المنطقة تخطيطاً وتنفيذاً ومتابعة.
ويتجزأ العمل في المخطط الإقليمي إلى ثلاث مراحل، حيث أنجزت الهيئة المرحلة الأولى من مراحل العمل في المخطط، حيث اشتملت تلك المرحلة من المشروع على جمع وتحليل المعلومات وإعداد تسعة تقارير فنية تناولت جميع قطاعات التنمية في المنطقة، وشخصت الوضع الحالي للمنطقة في جميع القطاعات التنموية، وعملت على إيجاد مرجعية فنية تحليلية تتناول الأوضاع الراهنة والتوجه المستقبلي على مستوى المنطقة تغطي كل القطاعات، وإعداد ''تصور أولي'' لمستقبل منطقة الرياض، لغرض النقاش مع الجهات ذات العلاقة بالمنطقة.
ومن أبرز نواتج المرحلة الأولى من مشروع المخطط بناء ''نظام المعلومات الإقليمي لمنطقة الرياض'' الذي يتكون من نظام للمعلومات المكانية ''الجغرافية'' بواسطة نظم المعلومات الجغرافية GIS ، ونظام المعلومات غير المكانية، وذلك من أجل تكوين قاعدة معلومات متكاملة تخدم مراحل العمل بالمشروع ونواتجه المختلفة، ولتؤدي دور المصدر الرئيسي للمعلومات الجغرافية والحضرية لمنطقة الرياض ضمن نطاق معين. ومبكراً تم الاستفادة من النظام، حيث تم إنتاج جميع خرائط المشروع وإجراء التحليل عليها.
أما المرحلة الثانية، فتم من خلالها مناقشة التصور الأولي مع الجهات المختلفة على المستوى الوطني والإقليمي وعلى مستوى المحافظات ورؤساء اللجان في مجلس المنطقة، وعقد عديد من ورش العمل مع اللجان الفنية في المشروع، وبناء عليه تمت صياغة ''التصور النهائي'' للمنطقة، وجرت مناقشة وعرض هذا التصور على جميع اللجان المشاركة في المشروع ومنها اللجنة المنبثقة عن مجلس المنطقة والمكونة من رؤساء اللجان بالمجلس.
وفي نهاية المرحلة الثانية تم إعداد ''الإطار الاستراتيجي للتنمية المستقبلية لمنطقة الرياض''، والذي اشتمل على عددٍ من الاستراتيجيات التي تتناول قطاعات التنمية المختلفة ابتداء بـ''استراتيجية اقتصادية'' و''استراتيجية لاستعمالات الأراضي الإقليمية'' و''استراتيجية المراكز'' و''استراتيجية البنية التحتية'' و''استراتيجية الإدارة الحضرية''.
فيما بدأت الهيئة أخيرا في المرحلة الثالثة والنهائية للمشروع وعلى ضوء ما تحقق في المرحلتين الأولى والثانية من المخطط، في أعمال المرحلة والتي تستغرق مدتها عشرة أشهر، حيث سيتم خلالها تفصيل مخرجات الإطار الاستراتيجي للتنمية المستقبلية لمنطقة الرياض، ليتضمن مخططات تطويرية على مستوى المنطقة، ومستوى تجمعات مراكز التنمية، إضافةً إلى اقتراح برامج تنفيذية للمخطط الإقليمي تشمل خططا وبرامج تنفيذية تحدد المشاريع والبرامج المطلوبة وأولويات تنفيذها، وأساليب تمويل برامج التنمية، والإجراءات التنظيمية والتخطيطية.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا المخطط عند اكتماله إلى وجود منهجية متكاملة في صناعة القرار التخطيطي وتسهيل فرص التنمية وتوجيه الخطط المستقبلية بشكل يحقق الكفاءة في استعمالات الأراضي وشبكة النقل وتجهيزات المرافق والخدمات العامة للمنطقة، فالمخطط الإقليمي يضع جميع محافظات المنطقة في مستوى واحد، ويعتمد موجهات علمية وفنية بحتة دون وجود أية محاباة لمحافظة دون أخرى، منطلقاً من هدفه المتمثل في تحقيق أعلى قدر من الاستفادة من الفرص والإمكانات المتاحة في المنطقة واستغلالها الاستغلال الأمثل.