مطالب بتوحيد الجهود والاختلاف يسيء لسمعة المصرفية الإسلامية
نظمت مجموعة البركة المصرفية ندوتها الثلاثين للاقتصاد الإسلامي، وذلك يومي الأربعاء والخميس، السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر آب(أغسطس) الماضي، في فندق هيلتون جدة، حيث ألقى رئيس مجموعة البركة المصرفية الشيخ صالح كامل كلمة رحب فيها بضيوف الندوة والباحثين والعلماء والخبراء المشاركين في الندوة وجميع الحضور، وقال: إن الأمل كان يحدوه لأن تنعقد الندوة الثلاثين في المدينة المنورة التي شهدت انطلاقتها الأولى قبل 26 عاماً، إلا أن ظروفه الصحية والإجراءات الوقائية بسبب انتشار الأوبئة في هذه الأيام حالت دون ذلك، ودعا المولى سبحانه أن يوفق البنوك الإسلامية حتى يتسنى لها أداء رسالتها على الوجه الأكمل، وجدد كامل مطالبته البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بالالتزام التام بتطبيق الاقتصاد الإسلامي وعدم تغيير الألفاظ فقط، مشدداً على أهمية تنقية المصرفية الإسلامية مما شابها من شوائب في السنوات الأخيرة، وحمّل الشيخ صالح كامل البنوك الإسلامية مسؤولية الإخفاقات المتكررة في النظام المصرفي الإسلامي، واصفاً التعاون فيما بينها بـ «المعدوم» ، ويعود السبب في ذلك إلى الأنانية والفردية التي تتعامل بها هذه البنوك، وقال «لو كنا نعمل للإسلام لعملنا كجماعة واحدة وأمة واحدة، لكن مع الأسف نحن أفراد مشتتون كل واحد نفسي نفسي، ولا يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وفي ختام كلمته قدم زميله النائب الأول لرئيس مجموعة دله البركة السابق الأستاذ محمود جميل حسوبة لإدارة جلسات الندوة نيابة عنه نظراً لظروفه الصحية، وبدأ الحديث بعد ذلك الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية، الأستاذ عدنان أحمد يوسف فقال: إن عقد ندوة البركة يأتي هذا العام في ظل الأزمة المالية، التي مازالت تراوح مكانها رغم الجهود المبذولة لمعالجة آثارها السالبة، وأشار إلى أن المصرفية الإسلامية لم تنجح بعد في تقديم البديل العملي للنظام المالي العالمي السائد حالياً رغم توفر العوامل المساعدة، وعزا ذلك إلى غياب التنظيم المؤسساتي اللازم لإدارة الجهود الفكرية وتقديمها في قالب مهني.
وبيّن الرئيس التنفيذي أن معالم هذا الفشل تجلت في نتائج توصيات وقرارات الدورة الـ 19 لمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقدة في الشارقة في نيسان (أبريل) الماضي وما نتج عنها من اختلافات كبيرة بين أهل الصناعة ورفض البعض تلك القرارات، بل سارع البعض الآخر إلى انتقاد القرارات بصورة علنية أضرت بسمعة المؤسسات المالية الإسلامية في بعض الدول، بل خسرت كثيراً من عملائها، وقال «إذا كنا نحن المعنيين بالأمر غير متفقين أو متوحدين في رؤيتنا وفي سبل العلاج فكيف لنا بيع بضاعتنا للآخرين»
#2#
ونوّه إلى أن مجموعة البركة المصرفية قد حققت رغم هذه الظروف نتائج مشجعة في النصف الأول من عام 2009م، حيث بلغ إجمالي الدخل التشغيلي 302،3 مليون دولار، وصافي الدخل 92 مليون دولار، كما ارتفع مجموع الأصول إلى 11،5 مليار دولار، وانعكست هذه الزيادة في نمو الأصول التشغيلية بنسبة 5.1 في المئة لتبلغ 8.5 مليار دولار والأصول السائلة بنسبة 4.6 في المئة لتبلغ 3.03 مليار دولار وودائع العملاء وحسابات الاستثمار بنسبة 6.4 في المئة لتبلغ 9.44 مليار دولار مقارنة بالفترة المنتهية في 31/12/2008م، كما ارتفع مجموع الحقوق بنسبة 1.7 في المئة ليصل إلى 1.58 مليار دولار.
وأرجع الأستاذ عدنان يوسف هذا النجاح المتميز إلى الالتزام باستراتيجية العمل الطموحة التي وضعتها المجموعة ومواصلة التوسع في الأسواق وتقديم المنتجات الإسلامية المبتكرة، فقد قامت المجموعة مؤخراً في إطار تطبيقها لهذه الاستراتيجية بإطلاق هويتها الموحدة في احتفالية صاحبتها حملة ترويجية بالمركز الرئيسي في البحرين.
أما الخطط المستقبلية التي تسعى المجموعة إلى تنفيذها في المستقبل فتتمثل في الانتهاء من الأعمال التحضيرية الخاصة بتدشين بنك البركة السوري برأس مال مقداره مئة مليون دولار، ويجري حاليا تنفيذ خطط التدريب للموظفين في كافة المستويات بالتعاون مع شركة دولية متخصصة إلى جانب العمل في تحديث البنية التحتية التشغيلية وتطوير القدرات الرقابية والفنية في مختلف وحدات المجموعة، وأن المجموعة تعتزم افتتاح 54 فرعاً جديداً في كل من مصر والجزائر والسودان وتركيا وباكستان.
وفي ختام كلمته وضع يوسف بعض الرؤى والأفكار أمام المؤتمرين، من أجل دراستها والتباحث في أهميتها وجدواها، ومن أهمها: تأكيد دور المرجعيات التنظيمية والتشريعية الرسمية لصناعة المال الإسلامية مثل هيئة المحاسبة والمراجعة، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية بما يعينها على أداء الدور المناط بها وإيجاد حلول عملية للقضايا الآنية والمستقبلية التي تخص المجتمعات الإسلامية، وأن تبادر الهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة البركة المصرفية لصياغة مقترح بإنشاء آلية للتنسيق فيما بين مجمع الفقه الإسلامي الدولي من ناحية ومنظمات الصناعة الرسمية مثل هيئة المحاسبة والمراجعة (المجلس الشرعي)، والبنك الإسلامي للتنمية بغرض تنسيق الآراء قبل إصدار الفتاوى والمعايير، وكذلك لمراجعة ما هو قائم من فتاوى ومعايير بما يتوافق مع المستجدات.
#3##4##5##6#
كما تحدث في جلسة الافتتاح رئيس الهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة البركة المصرفية، الدكتور عبد الستار أبو غدة، الذي استهل كلمته مشيراً إلى أن هذه الندوة قد انطلقت من المدينة المنورة قبل نحو 26 عاماً، حيث عقدت أولى دوراتها في 17 رمضان 1402 هـ الموافق 27/6/1983م، وأكد على أنها أصبحت اليوم مرجعاً في التطبيقات المصرفية، وأن ما يصدر عنها من فتاوى وحلول ومنتجات يعتبر مورداً، ينهل منه الباحثون وبه يستشهدون في المحافل العلمية، وأشار في هذا الصدد إلى الصناديق الاستثمارية والإصدارات المالية المتنوعة باعتبارها من المنتجات الاستثمارية التي اهتمت الندوة بدراسة الأحكامها الشرعية المتعلقة بها، وقال: إن من أهم ما صدر عن الندوة خلال دوراتها المتتابعة فتاوى التمويل المصرفي، وضوابط التخارج من الحسابات والصناديق الاستثمارية وحق التملك الزمني وفتاوى التأمين وبطاقات الائتمان والإجارة الموصوفة في الذمة والفتاوى المتعلقة بتحول الشركات والبنوك التقليدية إلى إسلامية ونوّه أبو غدة إلى أن ما يصدر عن الندوة من فتاوى وآراء يتم نشره في مطبوعة متسلسلة باسم (قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي) لتكون في متناول الراغبين للإفادة منها والاطلاع عليها.
المشتقات المالية آلية لفشل النظرية الرأسمالية
بعد جلسة الافتتاح بدأت جلسات الندوة بمناقشة بعض القضايا الراهنة التي تخص الاقتصاد الإسلامي ومشكلاته الملحة، وما يعانيه من التأخر عن مجاراة التسارع في النظام المالي العالمي، ووقعت تلك القضايا في أربعة محاور، الأول بعنوان: «المشتقات ودورها في الأزمة المالية العالمية»، وقد شارك في هذا الموضوع كل من المدير التنفيذي لـ «هيرش المحدودة للأصول» ومؤلف كتاب «الانهيار الأخير» الدكتور توبي بيرش، حيث أشار إلى أن الصناديق الاستثمارية المتخصصة، التي صممت لتقليل المخاطر وتعزيز عائدات الأثرياء أصبحت قنابل موقوتة للأسواق المالية، كما أكد على أن تراكم الديون المعتمد على نظام الفائدة لا يعد سرقة وسلباً من هذا الجيل، ولكنه اعتداء على الأجيال المقبلة، وأن المشتقات توفر آلية سريعة لفشل النظرية الرأسمالية، ولكنها ليست في نفسها سبباً للفشل، فهي ببساطة تعمل على تضخيم وتسريع وتفاقم الوضع القائم أصلاً، وخلص إلى أن المشتقات والروافع المالية أسهمت إسهاماً كبيراً في تسريع أسعار الأصول وتعقيدها وترابطها، ومن ثم فاقمت من اهتزاز الأسواق المالية ثم الاقتصاد الحقيقي، كما أن صناديق التحوط فاقمت أيضا المخاطر المنتظمة، وأن الديون والمشتقات قد سحبتا رأس المال من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية، وعملتا على توجيهه إلى أدوات خفية مدمرة، وأن المبادئ الإسلامية هي الحل الوحيد الذي من شأنه مقاومة الضعف والاجتهادات البشرية الخاص بالعمل على جلب المال وتوليده بدون بذل جهد ومشقة.
وبعد ذلك تحدث خبير التمويل الإسلامي من إسبانيا الدكتور إغناسيو دي لاتور، الذي شدد على ضرورة إنشاء غرفة مقاصة لتبادل أو مقايضة الائتمانات الافتراضية لتحقيق الاستقرار في الأسواق من أجل حل مشكلة وضع تركيز المشتقات في عدد قليل من البنوك الكبرى، وقال: إن من شأن ذلك الإجراء أن يؤدي إلى التقليل من المخاطر النظامية، كما ستكون الأسعار خاضعة لعملية تثبيت واستقرار، وبذلك تكون أكثر تمثيلا، وأقرب إلى الحقيقة، كما أن توحيد العقود ينبغي أن يحدث نتيجة للحركة نحو مركزية التبادل، ولذا فإننا سنصل بالتالي إلى خفض المخاطر النظامية، وتخفيض عدد المؤسسات النظامية التي يكون مطلوبا إنقاذها عند حدوث الأزمات، ثم أشار إلى دور المشتقات في أزمة الائتمان، موضحاً أن التوريق لعب دوراً حاسماً في المعلومات عن فقاعة الإسكان والأزمة الائتمانية التي شهدها العالم في العامين الماضيين.
#7#
وكشف أغناسيو عن حقيقة خطيرة ومؤلمة، وهي أن كثيراً من أعضاء مجالس إدارة المؤسسات المالية، لا يملكون العلم الكافي الذي يمكنهم من أن يديروا المؤسسات المالية بكفاءة واقتدار، حيث إنهم كانوا غير قادرين على فهم الرافعة المالية أو المخاطر الضمنية الكامنة وراء المشتقات، مشيراً إلى أن أحد البنوك السويسرية المعروفة قد واجه صعوبات خطيرة جداً، مما دفع الحكومة لمساعدته، فلم يكن لديه إلا عضو واحد في مجلس إدارته، وله خبرة في مجال المشتقات. وختمت الجلسة بتعقيب رئيس معهد البحوث والتدريب التابع لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية الدكتور سامي السويلم، حيث قرر أن (الغرر) هو من أهم أسباب نشوء الأزمة المالية العالمية، وقد أفاض في الحديث عن الغرر مبتدئاً بالإشارة إلى تعريفه عند علماء الاقتصاد فقال: إن التعريف المتفق عليه هو «ما تردد بين أمرين أغلبهما أخوهما»، والمثال عليه أنه إذا كان لديك مشروع تريد القيام به وبعد الدراسة تبين أن احتمالات الفشل أكبر من احتمالات النجاح فهذا بحسب التعريف الفقهي يعد (غرراً)، وإن من أهم عناصر الأزمة المالية هو منح القروض للفئات الأقل جدارة من الناحية الائتمانية؛ لأن احتمالات عجزهم عن السداد أكبر من احتمالات قدرتهم على السداد، وهم الذين تنطبق عليهم قاعدة الغرر. وأوضح السويلم أن خبراء الاقتصاد والأكاديميين الغربيين أنفسهم اعترفوا بمدى الخطر الكبير، والآثار المدمرة الذي تمثلها المشتقات المالية، وقال: « إن أحد مؤسسي علم التمويل الحديث وهو فيشر بلاك يقول ما نصه «الاختيارات طريقة رائعة للمقامرة، فبورصة شيكاغو للاختيارات تريد أن تكون بيتاً للقمار ولا مانع من ذلك، لكن إذا كنا سنسمح بهذا النوع من القمار فمن المنطقي أن يتم فرض ضرائب كبيرة عليه كما تفعل الحكومة على سباق الخيل».
الجلسة الثانية كانت بعنوان «التطبيقات العملية للإجارة الموصوفة في الذمة» حيث كان المتحدث الأول هو رئيس وأمين الهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة البركة المصرفية، الدكتور عبد الستار أبوغدة والدكتور أحمد محيي الدين أحمد من دلة البركة المصرفية، ثم عقّب على الموضوع عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية معالي الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، وفي نهاية الجلسة تم عرض مجموعة من الأبحاث لكل من الدكتور عبد الستار أبو غدة والأستاذ أحمد محمد محمود نصار.
تأمين الدَين ضرورة لتنشيط حركة التجارة
وفي اليوم الثاني من الندوة عقدت الجلسة الأولى بعنوان (تأمين الضمان والدَين)، حيث شارك فيها أستاذ الفقه الإسلامي ورئيس عدد من البنوك الإسلامية في قطر، الدكتور علي محيي الدين القرة داغي، الذي أكد على أن بعض موضوعات التأمين ما زالت بحاجة إلى مزيد من الدراسات والتأصيل والبحث على الرغم من كثرة الكتابات والبحوث فيه، ثم تناول تعريف التأمين والمراد به وتعريف الدَين لغة واصطلاحاً وحكم التأمين على الدَين وبيان الإشكالات المثارة حوله، ومدى إمكانية دفعها وبيان دواعي التأمين على الدَين وكيفية التغطية وآلية عمل التأمين وطالبي تأمين الدَين ونحو ذلك، وتابع الحديث العضو المنتدب لشركة شيكان للتأمين وإعادة التأمين المحدودة، عثمان الهادي إبراهيم، الذي أشار في ورقته إلى أهمية تأمين الدَين وضرورة التعامل به في الوقت الحاضر، ذلك أنه أصبح من ضروريات حركة التمويل للتنمية والمشروعات التجارية، وأن نظام التجارة في هذا العصر يقتضي تسهيلات في البيع لتنشيط حركة التجارة وترغيب المشتري في الشراء، ومقابلة متطلبات التنافس في الأسواق، وتمكين أصحاب الدخل المحدود من شراء احتياجاتهم وكذلك تحريك المال المدخر في عملية الاقتصاد، وعقّب على الموضوع كل من الدكتور عبد الرحمن الطيب طه، والدكتور حسين حامد حسان.
#8##9##10##11#
أما الجلسة الثانية في ثاني أيام ندوة البركة فتميزت بأهمية خاصة؛ لأنها ناقشت موضوعاً راهناً وحيوياً، حيث جاءت بعنوان: «مدى قبول القوانين الوضعية مرجعاً لاتفاقيات وعقود تكون المؤسسات المالية الإسلامية طرفاً فيها»، وتحدث فيها كل من الدكتور عبد الستار الخويلدي، الذي أكد في ورقته على العديد من النقاط المهمة، منها: أن طرح موضوع مضمون وصيغة القانون الواجب التطبيق في عقود المؤسسات المالية الإسلامية يدل على الاهتمام بالمسائل القانونية، وهذا مؤشر إيجابي؛ لأن المؤسسات المالية الإسلامية تعمل في إطار قانوني عام، صيغت بنوده لتحكم القطاع المالي في عمومه، ولو وجدت هنا وهناك بعض النصوص الخاصة، فليس هناك مسؤولية مدنية خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية وليس هناك مضمون خاص للعربون أو للوكالة تنفرد به المؤسسات المالية الإسلامية مع عدم إهمال الكيفية ومجال الاستخدام حيث تظهر الفروق، وأضاف الخويلدي أن ممارسة المؤسسات المالية الإسلامية بنشاطها في محيط قانوني يطبق فيه أحكام الشريعة كما تطبق فيه القوانين الوضعية، أو تطبق فيه أساساً أحكام القانون الوضعي مع قبول جزئي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وتعامل المؤسسات المالية الإسلامية مع المؤسسات التقليدية التي تتمسك عادة بتطبيق القانون الوضعي في معاملاتها، مما جعل من الضروري النظر في الحلول الممكنة للتعاون بين مؤسسات لها مرجعيات قانونية مختلفة، وبخاصة أن التمويلات الكبرى تحتاج إلى تمويلات مشتركة.
أما الدكتور أحمد علي عبد الله، الأمين العام للهيئة العليا للرقابة الشرعية للجهاز المصرفي والمؤسسات المالية ببنك السودان المركزي، فقد أشار في ورقته إلى أن القبول بحكم الشريعة في المعاملات المصرفية والمالية ليس بدعاً عن المجالات الأخرى، بل هي مظنة النزاعات وارتكاب أكبر وأعظم المخالفات الاقتصادية مثل الربا والقمار والسرقة والغرر وسائر وجوه أكل أموال الناس بالباطل، كما أكد على أن المعاملات المالية ليست محل استثناء وربما كانت أولى من غيرها في الرعاية والاحتياط والخضوع لحكم الشريعة الإسلامية، ويمكن للإنسان أن يقرر بلا تردد أن الحاجة لالتزام المسلمين بحكم الشريعة في هذا المنعطف التاريخي أعظم وأوجب ما يكون، وهي في كل حين واجبة؛ لأن العالم شهد في الثلاث سنوات الأخيرة أعظم وأوسع وأخطر أزمة مالية في تاريخه، ولم يهتد الغرب بعد لأسبابها الحقيقية على وجه اليقين، ولم يدرك بعد عمق هذه الأزمة ولا متى تنتهي، ومازالت تأخذ هذه الأزمة بخناقه وشككته في النظام الرأسمالي، وأرغمته على أن يقبل طواعية العمل وفق مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية باعتبار أن المؤسسات المالية الإسلامية كانت - بعد الدراسة ـ هي أقل استجابة للأزمة الراهنة، وأكثر تحملاً لها من المؤسسات التقليدية، والشريعة الإسلامية كلٌ لا يتجزأ، فما دام العالم قد أقبل عليها لزمه أن يحتكم عند النزاع إلى شريعة الإسلام التي وضعت الاتفاقيات والعقود على منوالها، واختتمت الجلسة بتعقيب الشيخ محمد المختار .