للنهوض بأعمال الهيئات الشرعية لابد من مأسسة أعمالها

للنهوض بأعمال الهيئات الشرعية لابد من مأسسة أعمالها

كشف الدكتور كمال خطاب لمجلة «المصرفية الإسلامية» النقاب عن أن التوسع في عمليات التمويل الإسلامي يحتاج إلى المزيد من الجودة والاتقان في الجوانب الفنية والشرعية، وقال خطاب: إن التحرر من شباك الاقتصاد العالمي ممكن من الناحية الفنية حال وجود وكالات تصنيف ائتمانية إسلامية، وبيّن أن الخلافات الشرعية مسألة ممكنة لكنه طالب باجتهاد فقهي سليم يواكب متطلبات المرحلة ولايتأخر عنها. وأكد خطاب على أن عملية الإبداع والتجديد ما زالت بطيئة في المؤسسات المصرفية الإسلامية موضحاً أنها مازالت تعتمد في معظمها على التقليد والمحاكاة للمنتجات المالية الربوية.

كيف يمكن للصكوك الإسلامية أن تستقل عن الأجهزة المالية العالمية وكيف يتم تحريرها وهناك تشابك اقتصادي عالمي؟
- يمكن للصكوك الإسلامية أن تتحرر من التبعية الفنية للأجهزة المالية العالمية إذا ما وجدت وكالات تصنيف ائتمانية إسلامية تتمتع بسمعة عالمية بحيث تكون قادرة على أن تفرض نفسها على السوق المالية العالمية، ويمكن للبنك الإسلامي للتنمية الإسهام في مسألة المشورات الفنية اللازمة لإصدار الصكوك وتسويقها.
< هناك خلاف بين العلماء حول شرعية الصكوك ومطابقتها للشريعة ألا يؤثر ذلك سلباً على الصناعة المالية الإسلامية وكيف يمكن تحقيق توحيد آراء العلماء؟
- الخلاف الشرعي بين العلماء مُركّز حول مدى الأخذ بالضوابط الشرعية التي تحكم إصدار الصكوك وتداولها، وهذا أمر طبيعي باعتبار أن التطبيق البشري للضوابط الشرعية ليس واحداً، ومع ذلك يمكن للعلماء وللمجالس الشرعية المختصة أن تتواصى بالحق كما تتواصى بالالتزام الكامل بالضوابط الشرعية الصادرة عن المجالس الشرعية والمجامع الفقهية المعتبرة .
أما مسألة توحيد آراء العلماء فهذا أمر غير ممكن وليس مطلباً شرعياً، فالمطلوب هو الاجتهاد الفقهي السليم بما ينسجم مع الظروف والمستجدات في كل بلد، وبما لا يخالف الأحكام والأصول الشرعية المتفق عليها، وقديما رفض الإمام مالك (رضي الله عنه) أن يعمم اجتهاده في جميع الأمصار.
< هناك اتهام للمصرفية الإسلامية بأنها تقليدية من حيث الشكل ألا يتطلب ذلك إيجاد هيئات ومؤسسات إبداعية لتطوير المنتجات؟
- هذا كلام صحيح، فمعظم الصيغ المطبقة في الصيرفة الإسلامية المعاصرة تقوم على المرابحة أو المشاركة المتناقصة أو الإجارة المنتهية بالتمليك، وعلى الرغم من وجود عدد من الهيئات العلمية والفنية الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي مثل المجلس العام ومجلس الخدمات المالية الإسلامية ومركز إدارة السيولة وغيرها .. إلا أن عملية الإبداع والتجديد ما زالت بطيئة وتعتمد في معظمها على التقليد والمحاكاة للمنتجات المالية الربوية، وهذا يستلزم من الغيورين على المصرفية الإسلامية من أصحاب رؤوس الأموال التدخل من أجل التطوير والتجديد المستمد من الأصول الشرعية والمنضبط بالضوابط الشرعية والمواكب للتطورات الاقتصادية المعاصرة .
< المؤسسات المصرفية الإسلامية تنحصر أعمالها تحديداً في القروض وقليل من التعاملات الإسلامية الأخرى..لماذا تغيب قضية المشاركة وهي أصل الاقتصاد الإسلامي؟
- تؤثر المؤسسات المصرفية الإسلامية الصيغ التمويلية الأكثر أماناً والأقل خطرا وكذلك جمهور المتعاملين مع هذه المؤسسات يؤثرون الصيغ التي تمكنهم من الحصول على النقد في الغالب، وهذا ما يجعل هذه المؤسسات تبتعد عن صيغ المضاربة أو المشاركة، فالانحراف الحاصل هو انحراف مجتمعات قبل أن يكون انحراف مؤسسات مالية إسلامية فقط .
ولعلاج هذه الانحراف لا بد من تغيير في الأنماط الاستهلاكية والسلوك الاجتماعي التفاخري والمعادلة الاجتماعية بشكل عام التي تقوم عليها المجتمعات الإسلامية، ولا بد من إيجاد الإرادة الحضارية اللازمة للتغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
< بعد انتشار ظاهرة المرابحات الصورية في كثير من البورصات الغربية هناك من يتهم مصارف إسلامية بالقيام بهذه الطريقة رغم وجود الهيئات الشرعية؟
- المصارف الإسلامية مؤسسات بشرية يديرها بشر ويتعامل معها بشر وبالتالي يمكن أن يتصور الخطأ والمعصية من قبل هذه المؤسسات، ولكن تفعيل دور الهيئات الشرعية ومنحها صلاحيات أكبر يمكن أن يقلل من هذه الأخطاء والانحرافات بشكل كبير .
< ما الاختلاف بين التصكيك بالمفهوم الإسلامي وتصكيك الديون بالمفهوم الغربي وما أهمية التصكيك في العمليات الاستثمارية الإسلامية؟
- التصكيك بالمفهوم الإسلامي يتم من خلال قيام مؤسسة ما بتجميع أصولها غير السائلة وتحويل ملكيتها إلى صندوق أو مؤسسة أخرى تقوم بإصدار صكوك تساندها تلك الأصول، ومن ثم تقوم بإتاحتها للتداول في الأسواق المالية بعد أن يتم تصنيفها ائتمانيا . أما تصكيك أو توريق الديون فهو ما تقوم به المؤسسات المالية الغربية وهو أشبه بالمقامرات وقد كان السبب الأول في الأزمة المالية العالمية، فالديون غالبا ليست موجودة وليست مضمونة ومع ذلك يتم تصكيكها وطرح هذه الصكوك للتداول مما يؤدي إلى تفاقم الوهم والمقامرات، وعندما تنكشف الحقائق، وتنفجر الفقاعات تحدث الكارثة وهو ما حدث في ظل الأزمة المالية المعاصرة .
أما أهمية التصكيك بضوابطه الشرعية فهو الوسيلة الأكثر أماناً للحصول على رأس مال كاف وبكلف مناسبة، كما أنه من الممكن إشراك أكبر عدد ممكن من الأفراد والمؤسسات في العملية الاستثمارية، كذلك المواءمة بين آجال الموجودات والمطلوبات تحسينا لإدارة السيولة، والتوازن في توزيع المخاطر قطاعيا وجغرافيا .
< أصدرت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلسها الشرعي توصيات بعدد من المعايير يجب الالتزام بها، لكن الشيخ تقي عثماني قال إن 85في المئة منها ليست شرعية؟
- أثارت تصريحات الشيخ عثماني أزمة في سوق الصكوك الإسلامية، وقد كانت تصريحاته موجهة للصكوك الصادرة في دول الخليج، وكانت مركزة حول بند التعهد بشراء الصك حسب قيمته الاسمية، ومثل هذه التصريحات تستلزم زيادة دور الرقابة الشرعية في التطبيق العملي قبل إصدار الصكوك وأثناء الاكتتاب وبعد التداول، وقد رد عدد كبير من العلماء على تصريحات الشيخ عثماني وتبين أن هذه النسبة كان مبالغا فيها بشكل كبير.
< ما هي أبرز أنواع الصكوك التي أشارت إليها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وما مدى التزام المؤسسات المالية بهذه التوصيات؟
- أشارت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية إلى وجود أكثر من أربعة عشر نوعاً من الصكوك الإسلامية، من أشهرها صكوك المضاربة حيث أصدرت نحو 37 شركة ومصرفاً إسلامياً شهادات مضاربة، وكذلك صكوك الاستصناع وصكوك الإجارة وصكوك المرابحة والسلم.. الخ, وفيما يتعلق بمدى التزام المؤسسات المالية الإسلامية بالضوابط والمعايير الشرعية فإن ذلك يعتمد على قوة وفعالية هيئات الرقابة الشرعية المسؤولة عن تلك المؤسسات ومدى الصلاحيات المنوطة بها . ويشير الواقع العملي إلى وجود تفاوت بين هذه المؤسسات في مدى الالتزام بالمعايير، مما يشير إلى التفاوت في مستويات الرقابة الشرعية، وهذا ما يعزز الدعوة إلى إيجاد اتحاد أو نقابة للتنسيق بين هيئات الرقابة الشرعية بحيث يكون لقراراتها قوة إلزامية على كافة المؤسسات المالية الإسلامية.
< لماذا تغيب المصرفية الإسلامية عن الاستثمار في هذه المجالات كالاستثمار في الأسهم الخاصة في مجالات شركات التقنية المتخصصة بالسليكون في أمريكا والمتماشية مع استثمارات الشريعة الإسلامية رغم عدم وجود مصطلح إسلامي في هذا المجال؟
- في رأيي أن العالم الآن غدا قرية صغيرة، وسوقاً واحدة ، وبالتالي فإن المعلوما ت متاحة للجميع، وهناك شفافية في معظم البلدان عملا باتفاقيات منظمة التجارة الدولية، ومعنى ذلك أنه لا توجد سوق مغلقة على أي مستثمر، ولكن عمليات الاستثمار تفضل المناطق الأكثر أماناً والأقل خطراً والأكبر والأسرع عائداً، وبالتالي يمكن أن تكون هذه العوامل هي السبب .
< يقول كبير الاقتصاديين في مركز دبي المالي العالمي (ناصر السعيدي): إن الفقه الإسلامي ليس جامدا، كما أن الفتاوى ليست محددة أو مقيدة بالسوابق ولذلك هناك حالة عدم يقين تحوم حول صلاحية بعض العقود أو صور الصكوك تعطل وضع المعايير اللازمة ما رأيك؟
- يمتاز الفقه الإسلامي بالمرونة والصلاحية والقدرة على مواكبة التطورات في كل زمان ومكان، ومعنى ذلك أن هناك إمكانية دائمة لإعادة النظر بصيغ التمويل والعقود الإسلامية والصكوك الإسلامية في ضوء الواقع والمستجدات، بحيث تكون منسجمة بشكل دائم مع الأصول والمقاصد الشرعية التي تقوم على العدل ومراعاة المصالح ودرء المفاسد.
وهذا لا يعني عدم إمكانية إيجاد معايير شرعية وإنما يعني أن هذه المعايير قابلة للتطوير والتجديد في ضوء الظروف والمستجدات المعاصرة.
< حجم الاستثمارات العالمية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أكثر من 1,5 تريليون دولار وهناك أكثر من 500 صندوق استثماري تعمل وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية .. ألا يتطلب ذلك وضع معايير وضوابط ومقاييس واضحة للاستثمار الإسلامي لتعزيز هذه الصناعة؟
- مما لا شك فيه أن التمويل والاستثمار المالي الإسلامي يتطور بشكل كبير، وهذا يتطلب المزيد من الجهود فيما يتعلق بعمليات التنظير والتأصيل، والضوابط والمقاييس الواضحة المواكبة للتطورات المعاصرة، كما يتطلب أن يقوم أصحاب رؤوس الأموال المسلمين بتبني قضايا التمويل والاستثمار الإسلامي ودعمه بكافة الوسائل العلمية والفنية من أجل إظهاره عالميا، وكذلك يطلب من الحكومات الإسلامية تعزيز الأساليب الاستثمارية الإسلامية في تعاملاتها الخارجية تجنباً للأزمات المالية، وحفظاً لحقوقها، وإظهاراً للنظام المالي والاقتصادي الإسلامي الذي يمكنه إصلاح ما أفسدته المؤسسات المالية الغربية المقامرة.

الأكثر قراءة