الناشرون يحللون قضاياهم الراهنة بمنهجية العلم واستقراء المستقبل

الناشرون يحللون قضاياهم الراهنة بمنهجية العلم واستقراء المستقبل

الناشرون يحللون قضاياهم الراهنة بمنهجية العلم واستقراء المستقبل

اتجهت أوراق العمل في اليوم الأول لمؤتمر الناشرين لمناقشة قضايا راهنة تشغل ساحة صناعة الكتاب ونشره وتوزيعه محاولين ربط الواقع الحالي مع المستجدات الزمنية التي طرأت بفعل الثورة التقنية والعولمة. وتناول المشاركون المحاور الرئيسة في عملية النشر والمتمثلة في قضايا الحرية والحقوق الفكرية والنشر الالكتروني وذلك من خلال قراءات آنية وأخرى مستقبلية تميزت جميعها بحداثة الأسلوب والمنهجية العلمية في تحديد المشكلات وتفكيك العوائق. وقد كان ذلك أمرا متوقعا بالنظر إلى الخبراء الذين استقطبهم المؤتمر من جميع أنحاء العالم والقائمين جميعا على مشاريع وتجارب مؤثرة في هذا الجانب.
ففي محور "حرية النشر في العالم العربي" تحدث كل من علي حرب ومحمد عدنان سالم والدكتور سعد طفلة العجمي مستعرضين أهمية فسح المزيد من الهامش الذي يمنح القارئ فرصة الاختيار لا سيما في وقت لم تعد الرقابة التقليدية فيه تجدي نفعا في الحيلولة دون الاطلاع على كتاب أو آخر. يشير محمد عدنان سالم إلى هذه المشكلة في العالم العربي تحديدا معتبرا أن القارئ يتضرر بالدرجة الأولى ويقول: مشكلة الرقابة المحلية، ربما كانت هي الأهون على الناشر العربي، فإذا ما تجاوزها، وطبع الكتاب ونشره في بلده، فإن عليه أن يحصل له على موافقات بعدد دول الجامعة العربية إلا قليلاً ممن أراح نفسه من عبء الرقابة المسبقة، لكلٍّ منها مزاجه ومعاييره وآلياته الخاصة به لممارسة هوايته في مراقبة المطبوعات الواردة إليه، وهي مدانة كلها مسبقاً حتى تثبت براءتها. وإثبات البراءة- فضلاً عن الزمن الطويل الذي يستغرقه- سيكون متعذراً جداً في بلدان متباينة الأنظمة والاتجاهات، ويندر جداً أن ينجو كتاب من منع هنا أو حجر هناك، فإذا ما فتح له باب في بلد، أوصدت دونه أبواب في بلدان أخرى بذرائع شتى. والضحية دائماً هو القارئ المحروم من حقه في الاطلاع، ومن ورائه الثقافة العربية المحرومة من حقها في الإبداع، إذ لا يزكو الإبداع إلا في مناخ التعدد، وحرية التعبير، واحتكاك الأفكار، وتصادم الآراء،واحتدام النقد.
في عصر المعلومات وثورة الاتصالات التي نعيش، أفلتت الكلمة من سلاسل الرقيب، وانطلقت حرةً تصل إلى الإنسان في كل مكان، وتنهمر عليه من السماء عبر الفضائيات، وتنبع بين يديه في الأرض عبر الشبكات.. لم يعد الإنسان أسير الكلمة الواحدة والخطاب الواحد والرأي الواحد، فقد تعددت أمامه الخيارات إلى درجة الطوفان، وعليه أن يتقن السباحة في خضم المعلومات ليطفو على السطح ظافراً بخيراتها ناجياً من أحاييلها وآثامها.
لم يعد للرقابة معنى في عصر المعلومات، ولن تجديها وصايتها نفعاً، إذا لم تكن مسؤولية الكلمة التزاماً مشتركاً يضطلع بها الكاتب والناشر والقارئ جميعا".
في حين اتجهت الندوة الثانية لدراسة محور "تسويق وتوزيع الكتاب" والذي تحدث فيه كل من الدكتور أحمد طاهر والدكتور جيرهارد داست والناشر بشار شبارو، حيث تناول طاهر ماسماه بالحلقة المفقودة في سلسلة القيمة للكتب في العالم العربي، وهي السلسلة التي تبدأ من المؤلف متجهة إلى الناشر أو المطبعة قبل أن تصل للجمهور دون أن يغفل دور وكلاء المؤلفين والموزعين والدعم اللوجستي في هذا الجانب. وتضمنت ورقة الدكتور طاهر عروضا بيانية تشرح العلاقة والمهام بين كل من الموزع والناشر وشركاء الدعم اللوجستي وصولا إلى دور التسويق والاتجاهات الحالية في توزيع الكتب. ورقة الدكتور جيرهارد تضمنت رؤية استراتيجية للوسائل التي يمكن اتباعها لتسويق الكتاب في العالم العربي اعتمادا على عوامل ثفافية وجغرافية كما تطرق العرض البياني الذي قدمه إلى تقسيم المناطق تبعا لانتشار حركة النشر والتوزيع مع توقع مستقبل صناعة الكتاب في العالم العربي.
وجاءت الندوة الثالثة بعنوان "حقوق الملكية الفكرية" وهو المبحث الذي اقامت له جمعية الناشرين مؤتمرا خاصا متزامنا مع معرض الكتاب في الرياض لعام 2008 م. وقد تحدث في الندوة كل من العربي جكطة وأحمد الحمدان رئيس جمعية الناشرين السعوديين إضافة إلى الدكتور يونس عرب، وقد اتجهت في مجملها إلى تأكيد الالتزام بصيغة عمل مشتركة من أجل الدفاع عن حقوق المؤلفين ، وقد تم استعراض جوانب تشريعية عدة مرتبطة بأنظمة الحماية والتعامل مع حالات القرصنة التي تحدث على نطاق واسع لاسيما في الدول النامية وأثر ذلك في المستوى الاقتصادي إجمالا.
من ناحية أخرى في الندوة المسائية التي مثلت أحد أهم المحاور الرئيسة المرتبطة بالتطور الثقافي الذي جاءت به الثورة التقنية، فتحت عنوان "النشر الالكتروني قراءة في الواقع والمستقبل" تحدث فيها الدكتور عادل خليفة والمهندس جابر النقيب إضافة إلى محمد عليوة، وذلك بإدارة محمد مولودي. وقد تضمنت ورقة الدكتور خليفة دراسة منهجية مهمة حول النشر الالكتروني من حيث مفهومه وتطوره ومزاياه ومشكلاته، كما احتوت أرقاما مهمة حول معدلات انتشاره والاستثمارات المتعلقة به ، حيث يقول الدكتور خليفة في ورقته التي عنونها بـ"التحول إلى النشر الإلكتروني" : وفي الوقت الذي دخلت فيه دور النشر العالمية منذ 20 عامًا العالم الرقمي، ومعها دخلت كل هذه الثقافات والحضارات عالم الحاسوب والإنترنت في صورة رقمية، إلا أن حجم التواجد الرقمي للثقافة العربية والإسلامية ما زال يشكل نسبة ضئيلة ولا يتعدى 1 في المائة من حجم المحتوى العالمى على الإنترنت. إن هذه النسبه لا يمكن مقارنتها بنسبة تعداد سكان العالم الإسلامي (الذي تخطى عدده مليار نسمة)، ويشكل نحو 25 في المائة من إجمالي سكان العالم.
ولا يخفى على أحد حجم الاستثمارات الضخمه على مستوى العالم في مجال المحتوى الإلكتروني؛ فعلى سبيل المثال، بلغ حجم تجارة التعليم الإلكتروني على مستوى العالم (2-3 تريليون) دولار، عام (2001م).
في حين يطرح عليوة في ورقته المعنونة بـ"تحديات المحتوى العربي عبر شبكة الانترنت"فكرة إشكاليات توفير المعلومة الرقمية مستعرضا بعض العوائق المتمثلة في تحديات صناعة النشر الرقمي والفجوة الهائلة بينها وبين الشكل التقليدي إضافة إلى مشكلات الاستثمارات وقناعات الجهات المانحة والتحديات القانونية والتقنية.

الأكثر قراءة