إطلاق مسار لاجتثاث الفقر في تايلاند

إطلاق مسار لاجتثاث الفقر في تايلاند

شرعت إحدى المنظمات غير الحكومية في تايلاند في مواجهة قضية استفحال الفقر بشكل مباشر، ورأت عدم التغاضي عن هذا الموضوع، بل مواجهته بصورة مباشرة، ووجهاً لوجه. ونظراً لعدم وجود تخطيط لحجم الأسرة في تايلاند في السبعينيات من القرن الماضي، حيث كان لدى الأسرة الواحدة ما يصل إلى سبعة أطفال، رأت جمعية تطوير السكان والمجتمع أن هنالك حاجة ملحة إلى التدخل والعمل على إكمال جهود حكومة تايلاند في سبيل تشجيع التخطيط الأسري في جميع أنحاء البلاد.
وأسس ميشاي فيرفايديا، هذه المنظمة في عام 1974، حيث كان ينظر إليه على أساس أنه الطائر الخارج عن السرب، بل تمت السخرية العلنية منه بسبب ما كان يدعو إليه قبل نحو 35 سنة. وتقول ابانان كوالا بونجسي، مديرة أحد المشاريع في هذه المنظمة (حين تترجم ''الواقيات الذكرية'' إلى اللغة التايلاندية يصبح المعنى مضحكاً للغاية. وكذلك هي الحال حين تترجم عبارة ''كلما زاد عدد أطفالك اشتد فقرك''). وتضيف ''كانت هنالك مقاومة شديدة لهذا البرنامج ولكننا استطعنا المحافظة على حيويته، وكنا نتعامل بجو من الألفة مع السكان المستهدفين، حتى تحسن قبولهم به في نهاية الأمر''.

القليل هو الكثير
تضمنت الأساليب المبتكرة لهذه المنظمة برنامجاً للقروض متناهية الصغر التي استهدف الأمهات. وبدلاً من الحث المباشر للنساء على عدم الإنجاب، فقد تم إبلاغهن أن بإمكان كل واحدة منهن الحصول على هدية هي عبارة عن خنزير إذا امتنعت عن الحمل. ونجحت هذه الحملات في الحد من معدل حمل النساء، بل قمن بتربية الخنازير لمدة ستة أشهر، وبيعها، حيث حصلن على أرباح نتيجة ذلك. وتقول هذه المسؤولة عن البرنامج ''هكذا وصلت الرسالة، واقتنعت النساء بأن زيادة فقرهن مرتبطة بزيادة عدد أطفالهن''. وتضيف إننا نحاول أن نجعلهن يركزن طاقاتهن وجهودهن على توليد مزيد من الدخل، بدلاً من مزيد من الأطفال.
وتقول كذلك إن معدل عدد الأطفال في كل أسرة تراجع منذ ذلك الحين إلى 1.2، بدلاً من 0.7 وترى في ذلك إنجازاً هائلاً للبلاد ككل، حيث تراجع المعدل السنوي للزيادة السكانية من 3.3 في المائة إلى 0.3 في المائة فقط.
انتقلت هذه المنظمة بعد ذلك إلى معركة محاربة الإيدز، والتثقيف المتعلق بذلك منذ عام 1985، من خلال تزويد سكان الريف بالواقيات الذكرية، وأساليب منع الحمل الأخرى، حيث وصلت إلى مناطق في تايلاند لم تكن تصل إليها في الماضي.
لقد تولت هذه المنظمة عدداً من الحملات التثقيفية الموجهة إلى الأطفال، وإلى الشباب في تلك المناطق الريفية، حيث يتم شرح فاعلية الواقيات الذكرية، ويخبرون آباءهم بأهمية ذلك. وقد أصبح أولئك الأطفال الآن في سن الأربعين، حيث إن لديهم أسرهم الخاصة بهم، الأمر الذي لا يدعونا إلى إعادة العملية مرة أخرى. وقررت هذه المنظمة بعد نجاح برنامجها في الحد من النسل، وفي مكافحة الإيدز، التحول إلى قضية التخلص من الفقر في ريف البلاد، حيث أدركت أن الفقر هو أساس كثير من المشكلات الاجتماعية، ومنها انتشار الأوبئة، مثل الإيدز.

بنك الشعب
اقتناعاً من جانب هذه المنظمة بأن الناس هم الأقدر على تشكيل وإدامة تنميتهم، أنشأت بنك الشعب التنموي، وذلك كجزء من مبادرة تنموية تستهدف القضاء على الفقر من خلال تقديم تمويل على نطاق صغير للغاية، حيث لا يمكن الحصول عليه من مصادر أخرى، حتى تتمكن القرى من إنشاء المشاريع الخاصة بها.
تعتقد هذه المنظمة أن استمرار الفقر يعود إلى افتقار الناس إلى أمرين هما الحصول على الائتمان لإنشاء المشاريع، وكذلك التدريب على إتقان المهارات. ويتمكن أبناء الريف من الحصول على قروض بمبالغ بسيطة من هذا البنك التنموي بفوائد مخفضة يستطيعون تحملها. ويتم تزويدهم كذلك بمهارات إدارة هذه الأموال، والقيام بما يتطلبه ذلك من عمليات مسك الدفاتر. وتتولى المنظمة كذلك توجيههم لتخصيص جانب من أرباح هذه المشاريع لدعم الأنشطة التنموية لقراهم، حتى تكون المشاريع مستدامة وناجحة.
تم تطوير هذه التجربة التنموية بناء على خلفية اجتماعية لدى هذه المنظمة في مجال التنمية الريفية امتدت لأكثر من 25 عاماً. وهي بالفعل عملية طويلة الأجل، حيث تتطلب كثيرا من مساهمات أبناء الريف لضمان سير عمل مشاريع التنمية، إذ أثبتت أن لها نتائج مثمرة بالفعل في المناطق التي تعرضت لإعصار تسونامي على سبيل المثال. وقد تنامت موارد هذا البنك بصورة ملحوظة، كما أنه عمل على تغيير طريقة تفكير أبناء الريف، وبالذات النساء من خلال المراقبة المستمرة وتعزيز المهارات. وظهر تغير إيجابي على السلوك العملي للنساء والشباب في الريف التايلاندي.
وما زالت المنظمة تعمل بنشاط في مجال مكافحة الفقر، وكذلك في مكافحة الإيدز، حيث تعمل على زيادة وعي الناس بمخاطره، وهي تمزج في ذلك بين أهداف هذين النشاطين. وعليك أن تثبت أنه ليس لديك مرض الإيدز كأحد شروط الحصول على قرض استثماري من هذا البنك. وعليك كذلك أن تعرب عن نيتك بخصوص إنشاء نشاط عمل استثماري، وأن تتعهد كذلك بسداد القرض في الأوقات المحددة للأقساط. وترى المنظمة أن بإمكان هذه الفئة من الناس توليد الدخل، والمحافظة على إنتاجيتهم، وفائدتهم للمجتمع الذي يعيشون فيه.
وتغطي برامج الدعم والتنمية التي تتولاها هذه المنظمة أكثر من ثلث الأراضي التايلاندية في الوقت الراهن، وتوظف لهذا الغرض أكثر من 800 شخص، حيث يعملون بدعم من 12 ألف متطوع. ولدى المنظمة 18 مركزاً تنموياً منتشرة في مختلف أنحاء البلاد. وعلى الرغم من أنها عززت وضعها كواحدة من أكبر المنظمات غير الحكومية على صعيد البلاد، فإنها تسعى على الدوام إلى الإبقاء على مركزها الريادي في مناطق الريف التايلاندي.

الأكثر قراءة