قمة الراحة والفرصة
يتوقع أن تسهم قمة مجموعة العشرين التي تقعد في مدينة بيتسبيرج في ولاية بنسيلفانيا الأمريكية غدا في تعزيز الجهود الدولية الرامية لإخراج الاقتصاد العالمي من حالة الكساد. ويمكن وصف الاجتماع بقمة الفرصة المتاحة كونها تعقد على هامش اجتماعات الأمم المتحدة. كما أنها المرة الأولى التي سوف يرأس الرئيس الأمريكي باراك أوباما قمة مجموعة العشرين، وكانت واشنطن قد استضافت القمة الأولى لمعالجة تداعيات الأزمة المالية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 أي قبل مغادرة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش سدة الحكم. كما استضافت لندن القمة الثانية للمجموعة في شهر نيسان (أبريل) الماضي.
وربما اختارت إدارة أوباما مدينة بيتسبيرج القريبة من العاصمة واشنطن مقرا للقمة بالنظر لنجاحها في تغيير نمط اقتصادها على مدى عقود من الزمن. فقد المدنية تقليديا بصناعة الفولاذ لكنها اليوم تركز على التعليم والتقنية والخدمات المالية والخدمات الصحية. وقد حصلت بيتسبيرج في عام 2009 على وسام أفضل مدينة للمعيشة فيها في الولايات المتحدة نظرا لتنوعها الثقافي وتمتعها بالحيوية وقدرتها على تغيير وجهة اقتصادها.
وتضم مجموعة العشرين كبرى الاقتصاديات العالمية، حيث تضم في عضويتها 19 بلدا وهي 1) الأرجنتين 2) أستراليا 3) البرازيل 4) كندا 5) الصين 6) فرنسا 7) ألمانيا 8) الهند 9) إندونيسيا 10) إيطاليا 11) اليابان 12) المكسيك 13) روسيا 14) السعودية 15) جنوب إفريقيا 16) كوريا الجنوبية 17) تركيا 18) بريطانيا 19) الولايات المتحدة 20) إضافة إلى المفوضية الأوروبية ما يعني عمليا وجود تمثل لبقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ويتوقع أن تعلن القمة عن مبادرات جديدة تسمح بموجبها للمصارف المركزية بتشديد الرقابة على المؤسسات المالية بمختلف أنواعها. وليس من المستبعد أن يتم الإعلان عن توجه لوضع سقف لمكافآت مديري البنوك نزولا عند رغبة فرنسا والتي هدد رئيسها نيكولاي ساركوزي بالانسحاب من القمة في حال فشلها ووضع حد لإيرادات كبار موظفي المصارف. وتصر باريس التي تتمتع بدعم من الاتحاد الأوروبي بربط المكافآت بأداء المؤسسات على المدى الطويل. ويرغب ساركوزي في إنهاء ثقافة المكافآت المالية الكبيرة أثناء قمة بيتسبيرج.
وكانت الأزمة المالية قد كشفت عن أنيابها في صيف 2007 عندما تبين قيام مؤسسات وبنوك استثمارية أمريكية بتقديم قروض لأفراد لا يتمتعون بملاءة مالية حسنة لكن لديهم الاستعداد لدفع نسب فوائد عالية وتحمل رسوم إدارية مكلفة. في المقابل، قدم الزبائن مساكنهم على شكل رهون عقارية مقابل القروض الممنوحة. بدورها قامت المؤسسات المالية المقدمة للقروض بتوريق (إصدار سندات مقابل القروض العقارية) وبيعها على المستثمرين المحليين والدوليين لغرض مضاعفة العائد وربطها بإيرادات القروض العقارية. كما قامت بعض الجهات المالكة لهذه السندات برهنها لدى جهات أخرى من أجل الحصول على تسهيلات مصرفية وعليه تورطت عدة جهات دولية عند حدوث المشكلة. ومن هنا عرفت الأزمة بأزمة الرهن العقاري. وتبين لاحقا بتورط مديري بعض البنوك في الأزمة بسبب جشعهم ورغبتهم في الحصول على مكافآت إضافية عن طريق إعادة طرح المستندات في إطار منتجات مالية جديدة.
وما زاد من عمق المعضلة تورط بعض المؤسسات المالية العملاقة في الأزمة وفي مقدمتها شركة (ليمن براذر) التي تعد بدورها رابع أكبر بنك استثماري عقاري في أمريكا فضلا عن شركتي (فاني ماي) و(فريدي ماك) اللتان كانتا تمتلكان نصف القروض العقارية في الولايات المتحدة.
كما يتوقع أن تعلن القمة عن استعداد دول المجموعة لضخ أموال جديدة في الاقتصاديات العالمية لغرض تعزيز الثقة. بيد أنه تعد ألمانيا من بين الدول القليلة الرافضة لفكرة مساعدة المؤسسات المالية المتورطة في الأزمة وإلزامها بدفع ثمن أخطائها. وأنه ليس أمام غالبية الحكومات وبينها الولايات المتحدة وبريطانيا من مفر سوى التدخل لأن تكلفة ترك الأمور قد تزيد مرات عن تكلفة توظيف أموال عامة لإنقاذ الوضع من الانهيار. بل يمكن الزعم بأن تكلفة معالجة الأزمة كانت أقل فيما لو تدخلت الجهات الرسمية بشكل سريع في صيف العام 2007 عندما ظهرت مؤشرات قوية على حدوث اضطرابات في أسواق المال.
اللافت في هذا الجانب ما ذكره رئيس ماليزيا السابق (د.مهاتير محمد) على مدونته بأنه تعرض لانتقادات لاذعة عندما اتخذ خطوات مشابهة لمعالجة الأزمة المالية التي عصفت بشرق آسيا ومنها ماليزيا في التسعينيات بدعوى خطأ عدم استخدام أموال عامة لحل مشكلات تورط تسببت فيها مؤسسات مالية. ويلاحظ هنا قيام الولايات المتحدة رائدة الفكر الرأسمالي بالتدخل الحكومي للحد من تداعيات الأزمة بسبب عدم وجود البديل. بل يمكن الزعم بأنه لا من سبيل أمام إدارة أوباما ومن قبلها إدارة بوش سوى توظيف أموال دافعي الضرائب لإنقاذ الموقف خوفا من حدوث مزيد من التدهور وبالتالي ارتفاع تكلفة المعالجة.