عيد بدون سلمان .. ما هو عيد

بدون سلمان بن عبد العزيز أعياد الرياض تبقى ناقصة. سلمان بن عبد العزيز هو أسطورة لم يعرف الرياض شبها لها فقد تداخل معهم حتى أصبح عميدا لكل أسرة، يأسرهم بخصاله الاستثنائية، يحتوي صغيرهم وكبيرهم بلا تكلف. يعرف عن العائلات أكثر مما يعرف أبناؤها عنها ويروي من نتف أخبارهم ما يجهلون. يعزيهم ويحضر أفراحهم بكل حبور، ولا يغيب حتى وهو مسافر. حاضر في كل الأوقات وفي كل الأماكن؛ أجزم أنه لا يدور حديث في أي بيت إلا ولا بد أن يمر ذكر سلمان بن عبد العزيز يوما ما بشكل يدعو للاعتزاز والفخر. لم يفاجئني أن هذا الشعور ليس شعور أهالي الرياض فقط؛ بل هي أحاسيس تطغى حتى على من سكن الرياض وارتحل عنها، ولكن لم تغب ذكريات الرياض وأميرها عن ذاكرته. ففي حديث عابر تجاذبت أطرافه مع أحد الحضارم المقيمين في المملكة، التقيته صدفة في المنطقة الشرقية، تجاذبنا أطراف الحديث، وبعفوية روى لي حدثين قديمين كان وجود الأمير سلمان فيهما مهيبا، كعادة وجوده في أي مكان.
يقول لي هذا الحضرمي المخضرم، قبل أكثر من ثلاثين عاما حدث انفجار مدو في شارع العطايف.... شخص ربما كان يُهرِّب الديناميت ويخزنه في منزله لبيعه على شركات تعمل في الهدم والحفر. وكان انفجارا مدويا. يقول محدثي إنهم سمعوا الصوت بعد أدائهم صلاة الفجر وأثناء طريقهم لشراء الخبز، فانطلق الشباب ركضا من شارع الشميسي إلى شارع العطايف، تبعا للدخان المتطاير. يقول ما إن وصلنا إلا والأمير سلمان بن عبد العزيز كان قبلنا في المكان يشرف على ما يحدث بنفسه، يتحدث مع هذا، ويوجه ذاك، عاصبا شماغه على رأسه وكأن الانفجار في بيته (وهل الرياض كلها إلا بيت لسلمان). سلم صاحب المنزل من الانفجار، فقد كان أعزب وفي المسجد يصلي، وأثناء التجمع كان يبكي قائلا والله حسبتها إسرائيل قصفت شارع العطايف! الحادث الثاني الذي رواه صاحبي كان حادثا مأسويا، فقد كان أحد أعمامه يسكن في منزل مكون من طابقين، طابق للتخزين وطابق آخر للسكنى. حدث التماسا كهربائيا، بعد منتصف الليل والناس نيام، فاشتعلت النيران في طابق التخزين الممتلئ بالبضائع، وصعدت النيران إلى الطابق الأعلى، فاستشهد سبعة أشخاص في ذلك الحادث المؤلم. كانت النيران قوية جدا، ولكن أمكن حصارها. يقول لم يتم إطفاء الحريق بعد منتصف الليل، إلا والأمير سلمان كان موجودا يتفقد المكان ويوجه بنقل المصابين بأسرع ما يمكن. استثنائي في كل شيء هذا الأمير، فلا يحدث في الرياض شيء إلا وتجده متابعا متفقدا لا تفوته شاردة. لا يمكن في هذه السطور حصر معالم خريطة سلمان بن عبد العزيز الاستثنائية، لا في روعة إدارته ولا في إعلائه لقيمة النظام وكلمة الشريعة ولا في رعاية أعمال الخير ولا في سعيه الدؤوب للتنمية والتطور، ولا في تواصله المكثف مع المثقفين، ولا في دقة مواعيده التي لا يمكن المراهنة على اختلالها... وما هذه القصص العفوية إلا مسحة عشوائية لطيف ذي بريق يرهق العيون المتفقدة. شهادتي مجروحة؛ فهو الأب الروحي لأهالي الرياض وكل بيت من بيت أهالي الرياض مدين له بكمية حب هائلة لا يمكن وصفها وتقديرها، ومهما قلنا وكتبنا فمحبته - سلمه الله - لا يمكن أن نعبر عنها في بضعة أسطر، وفي هذا العيد الذي يغيب عنا سلمان بن عبد العزيز بصحبة شقيقه سلطان الخير، شفاه المولى ورده معافى إلى ديار العز والمجد، تبدو نجد أقل بهجة فعامود خيمتها ومركز شموخها وقامتها الشاهقة مسافر؛ وهو وإن كان مسافرا جسدا، فهو روحا يتنفس الرياض ليلا نهارا، وهو القائل ذات يوم: "أفديها برقبتي".
افتقدتك الرياض يا أبا فهد من غير شر. وكل عام وأنت بألف خير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي