التوقيت للاستثمار العقاري ومشكلة التضخم

قد يعتقد عدد من أصحاب الرساميل والاستثمارات الكبيرة من لديهم كمية من السيولة أو الكاش أنهم في مأمن من الخسائر، بينما في الحقيقة هم أكثر من ستصيبهم خيبة الأمل.
تلك الأموال إذا لم تحرك وتستثمر في المجال الصحيح فإن قيمتها تتلاشى تدريجياً، حيث إن السيولة لديهم على المدى الطويل ستنخفض قيمتها الشرائية (القيمة السوقية). كما أن هناك مجهودات دولية لحل الأزمة الاقتصادية ومن خلال مجهودات تلك الدول لتحسين الأوضاع الاقتصادية ستضطر تلك الدول إلى الرفع من معدلات التضخم لدرجة أن تلك الأموال لدى المستثمرين مما سيضاعف من المشكلة لتصبح تلك المدخرات أقل من قيمتها بكثير.
ولعل القلق لدى المستثمرين في نهاية الربع الأخير من هذا العام يختلف تماماً عما كان في منتصف ونهاية العام الماضي، أو حتى خلال الأشهر الستة الأخيرة الماضية. ومما يتضح لي، ومن إطلاعي على الأسواق الأوروبية والأمريكية، أن الأوضاع بدأت في الوضوح لدرجة يمكن منها أن نستشف الأوضاع المستقبلية على الأقل للسنتين القادمتين.
ويبدو أنه من الممكن أن نقول ونحن مطمئنون إن السوق وصل إلى القاع، فالإشارات كثيرة حتى ولو كانت متضاربة، ولكن يبدو أن الإشارات أو المؤشرات التي تؤكد أن السوق أو الأزمة وصلت إلى مستوى القاع أكثر من الآراء أو المؤشرات المعاكسة، فأسعار البورصات العالمية بدأت في الارتفاع واستقرت إلى حد ما.ومحلياَ وخليجياَ نشهد ارتفاعا ملحوظا في المؤشرات الاقتصادية والعقارية (إن وجدت). والدول النامية مثل الصين والهند والبرازيل متوقع أن ترى نموا في الاقتصاد وخاصة الاستثمار العقاري للعام القادم. والولايات المتحدة متوقع أن تنتعش بسرعة أكثر من أسواق اليابان وأوروبا. وكما تعودنا أن ننسى هذه الأزمة كما نسينا التي قبلها وسنعود إلى سابقتنا. ولكن المستثمرين ما زال لديهم نوعان من القلق الأول هو أن لديهم أموالا أو سيولة مجمدة وإذا لم تستثمر على المديين القصير والبعيد فإنها بالطبع لن تنمو بل أن قيمتها السوقية أو الفرص الضائعة عليها تجعلها أقل قيمة.
ومن ناحية أخرى فإن القلق الآخر هو موضوع التوقيت للاستثمار لتلك الأموال قبل أن تأكلها آثار التضخم وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، والذي متوقع أن يكون ظاهرة طبيعية ومؤكدة كسلبية للحلول الاقتصادية الحالية للأزمة.
لذلك فإن قيمة تلك السيولة حتماَ سيجعلها أقل قيمة. وبذلك وفي نهاية المطاف فإن الخسارة لا مفر منها. إلا إذا استطاع هؤلاء المستثمرون اختيار خبراء استثمار موثوق بهم ولديهم الخبرة الكافية لتفادي المخاطر.
لذلك فإن التوقيت للاستثمار واختيار الفرص واقتناصها بسرعة يعتبر اليوم أكبر عامل للنجاح. وقد يكون التوقيت مجدولا بحيث يتم وضع نسبة معينة في كل وقت أو فرصة استثمارية تلوح في الأفق ومن ثم الانتظار قليلا لضخ بقية الأموال للاستثمار.
فالجميع ينتظر متى تصل السوق إلى القاع ويبدو لي - كما ذكرت - أنها وصلت، وخاصة للمستثمرين في القطاع العقاري محلياً أو دولياً. ولكن بشرط اختيار الخبير والمشورة الجيدة والمواقع التي فعلاَ تبدو مجدية، فالسوق العقارية وصلت إلى القاع ولكن لمواقع عن مواقع أخرى، كما أن الاستثمار أصبح مختلفاً في نوعه حسب الأنشطة العقارية.
فسوق العقارات السكنية، على سبيل المثال، أصبحت أكثر جدوى من المكتبية والصناعية، ولكن مشكلة الاستثمار العقاري تكمن في طبيعته كسوق من الصعب على المستثمر عندما يعرف أنه وصل القاع أن يجد وبسرعة العقار الذي يريده ولكن بعكس سوق الأسهم.
المشكلة أو الطبيعة الأخرى للعقار أنه يحتاج إلى رساميل كبيرة بالملايين من الريالات (مع استثناء صناديق العقار) بعكس سوق الأسهم الذي يمكن تجزئته وشراء أسهم بآلاف الريالات. لذلك فإن مشكلة وجود السيولة ستبقى معنا لفترة. وهذا يعنى أنه ستكون هناك سوق عقارية وحركة فقط لبعض العقارات وفي مواقع معينة ولكنها ليست كثيرة.
بالطبع لن نتوقع أنه بوصول السوق إلى القاع أننا سنرى الأسعار السابقة نفسها للشراء أو الإيجار، بل إنها حتماً ستكون أقل من السابق، ولكن تلك الأسعار هي التي ستحدد قيمة شراء أو بيع العقار كما هي العادة. وبذلك فإن حجم السوق العقارية وحجم الصفقات فيها سيكون نوعاً ما أقل من السابق كمقارنة نسبية بالعقارات وأسعارها بعد الوصول إلى القاع، ولكننا قد نبدأ وخلال أشهر لنعود إلى سابق عهدنا بالمضاربات وملاحظة بعض الارتفاعات ولكنها ستكون مدروسة أكثر هذه المرة ولها أسسها ومحدداتها.. فقد تعلمنا كثيراً وأصبح المستثمر لديه بعض الخبرة التي قد تحميه.
ومن هذا المنطلق فإنني أرى أن السوق ستعود إلى سابقها ولكن لن تكون بالقوة نفسها والحجم بل أقل بكثير، كما أن الداخلين للسوق سيقل عددهم وسيبقى الأفضل كما هو الحال دائماً. ويعود السبب في ذلك إلى الأسباب التي ذكرتها، ولكن السبب النفسي هو المهم وهو أننا دائماً ننسى الفاجعة ونعود إلى سابق عهدنا. فنحن نسرع في الطريق السريع وما إن نرى حادثا مروعا نتوب ونخفف السرعة ولكننا بعد ساعات نعود إلى سابقتنا. والنظرية نفسها تنطبق على نفسيات وتصرفات المستثمرين، فهم لا يتوبون ودائماَ يعودون إلى المشكلة أو الورطة نفسها، ويكفينا دليلاً سوق الأسهم وكبواتها التي لم يتب منها أحد أو يتعلم درساً.
على أي حال، فإنني ومن منظوري الخاص أرى أن الاستثمار العقاري للسنتين القادمتين سيكون مجدياً، بل سنرى حركة جيدة ولكنها عاقلة ومعقولة. قد تختفي بعض الأسماء وتظهر غيرها ولكن الحذر مطلوب، فالموضوع سيصبح أن من لديه الكاش فهو الهامور الجديد لسوق العقار. وفي غياب سوق أو نظام الرهن العقاري وعدم تدخل وزارة المالية ومؤسسة النقد لإجبار البنوك على المساهمة في حل مشكلة السيولة أو اعتماد نظام الرهن العقاري وشركات للتمويل، فإن مشكلة السيولة ستكون أكبر. وستبقى الفرص لمن لديه السيولة فقط. وطبعاَ عندما يخفق في قراره فإن أمواله تتوزع على الآخرين ليعود إلى استثمارها مرة أخرى في السوق وهي دورة رأس المال المعهودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي