"فولت" واستهلاكها للبنزين: تدخل حكومي وتضليل إعلامي
شركة رأسمالية، في نظام رأسمالي، ولكن الحكومة تملك نحو 60 في المائة منها! لقد حقق غلاة الديمقراطيون وحماة البيئة حلماً لا يمكن أن يتحقق لولا الأزمة المالية وهو إجبار أكبر شركة سيارات في العالم على إنتاج السيارات التي يريدونها هم، وليس السيارات التي يتطلبها المستهلك وقوى السوق. ديكتاتوريتهم هذه لا تختلف عن أي ديكتاتورية أخرى في العالم، إلا أنهم فعلوها بطريقة "فنية" ومقبولة قانونيا!
قبل الأزمة أعلنت شركة جي إم عن مخططها لإنتاج سيارة كهربائية سمتها "فولت"، ثم أعلنت فيما بعد أنها قررت إلغاء السيارة تماما لعدم جدواها الاقتصادية. ثم تفلس الشركة، وتسيطر عليها الحكومة، وبعد ثلاثة أشهر، تعلن الشركة أنها ستنتج سيارة "فولت" بأعداد كبيرة. فجأة، وبدون سابق إنذار، أعلنت الشركة أنها ستنتج سيارة تسير بمعدل 230 ميلا لكل جالون من البنزين (نحو 90 كيلو مترا لكل لتر من البنزين)، وهو رقم خيالي بكل المقاييس. كيف يمكن لشركة مفلسة أعلنت منذ أشهر أن السيارة غير مجدية اقتصاديا، أن تعلن عن هذه السيارة الخيالية؟ وما هو التقدم التقني الرهيب الذي حصل أثناء الإفلاس؟ الجواب يكمن في أن حكومة أوباما، وبطريقة حكومات العالم الثالث، تحاول أن "تلمع" صورتها عن طريق التضليل الإعلامي بطريقة سمجة... ولكن "الكذبة" كبيرة جداً، وستنعكس على جي إم وداعميها. في الوقت نفسه فإن الشركة ومسؤوليها استغلوا الرأي العام بالإعلان عن السيارة، بدلا من أن تظل أخبار الإفلاس ومتعلقاته في الأخبار.
لم تكن صدفة، ولكن سياسة
سيطرة حكومة أوباما على شركة جي إم، أكبر شركة سيارات في العالم، لم تكن صدفة تطلبتها ظروف الأزمة، وإنما جاء كجزء من سياسة مرسومة لتخفيف الاعتماد على النفط، مهما كان الثمن....نعم...مهما كان الثمن.
لقد صرح الرئيس الأمريكي أوباما، حتى عندما كان مرشحا، أن هدفه هو تنمية الاقتصاد وإنعاشه عن طريق تنمية قطاع طاقة صديق للبيئة وخلق "وظائف خضراء" تمهيداً "لاقتصاد أخضر" بعيدا عن النفط. حكومة أوباما، رغم كل ادعاءاتها الإعلامية، تعرف تماماً أن تنمية تكنولوجيا طاقة الرياح والطاقة الشمسية لن تحل المشكلة كما يرونها هم بسبب اعتماد قطاع المواصلات شبه الكلي على النفط ومشتقاته، وبسبب اعتماد أغلب إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة الأمريكية على مصادر طاقة غير نفطية. كما يعلمون تماما أن الوقود الحيوي لن يحل المشكلة أيضا لأنه سيظل نسبة صغيرة من إجمالي الاستهلاك الكلي للوقود. لذلك لابد من السيطرة على قطاع السيارات لإجبار الشركات على إنتاج سيارات تسير على الكهرباء. وكما ذكر سابقا، فإن أغلب الكهرباء تأتي من مصادر غير نفطية، وأغلبها مصادر محلية مثل الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية (وهي أرخص من النفط) والرياح والطاقة الشمسية وأنواع أخرى من الطاقة المتجددة. لهذا فإن سيارة "فولت" أتت من صميم السياسات الأوبامية.
ادعاءات جي إم وداعمو فكرة "فولت"
قبل الحديث عن الادعاءات وتفنيدها لابد من ذكر أمر مهم وهو أن ما أذكره في هذا المجال عن سيارة "فولت" ما هو إلا تجميع ونقل وترجمة، ثم صياغة وتنسيق.
شركة جي إم تدّعي أن السيارة، والتي ستنزل إلى الأسواق في عام 2011، تستطيع أن تسير 230 ميلا لكل جالون بنزين وذلك لأنها تستطيع السير ببطارية يمكن شحنها بطريقتين: شحنها عن طريق توصيلها بالكهرباء مباشرة أو كلما تم استخدام الفرامل. هذا يعني أن سيارة "فولت"، ستكون أحسن من أفضل سيارة كهربائية في العالم، تويوتا برياس، بنحو أربع مرات.
المهللون لهذا الخبر ذكروا أشياء كثيرة عن السيارة وناتج استخدامها منها:
طالما أن الشخص يقودها في المدينة لمسافة أقل من 40 ميلاً فإنه ليس بحاجة إلى البنزين على الإطلاق.
سيحقق المالك وفورات ضخمة لأن تكلفة الكهرباء لقيادة السيارة ستكون نحو ثمن تكاليف سيارة مماثلة تسير على البنزين.
بناء على ما سبق فإنه لو تم تحويل كل السيارات في الولايات المتحدة إلى "فولت" فإن الولايات المتحدة ستستهلك ثمن ما تستهلكه حاليا في سيارات مماثلة. وإذا تم تحويل نصف عدد السيارات إلى "فولت" فإن الولايات المتحدة تستطيع أن تخفض استهلاك البنزين فيها إلى النصف، وبالتالي تستطيع وقف واردات النفط من الشرق الأوسط وفنزويلا بالكامل.
بما أن "فولت" مصنوعة في الولايات المتحدة فإن فاتورة الواردات ستنخفض بمقدار ترليوني دولار سنوياً.
الواقع... بعيداً عن الخيال والتضليل الإعلامي
حتى إذا افترضنا أن كل ما قالته جي إم صحيح فإن هناك مشكلة كبير تجابه "فولت" وهي أن سعرها أعلى من سعر منافستها "برياس" بنحو 18 ألف دولار، وهو مبلغ كاف لشراء سيارة إضافية.
السيارة المنافسة لها والتي تسير على البنزين هي "كورولا"، سعر سيارة "فولت" أعلى من سعر "كورولا" بنحو 25 ألف دولار. وحتى لو تمت إضافة كل الإعانات الحكومية التي قد تصل إلى 7500 دولار لكل من يشتري "فولت"، فإن سعرها لا يزال أعلى من "كورولا" بنحو 17 ألف دولار.
حتى تصبح "فولت" اقتصادية وتوفر تكاليف البنزين على مشتريها فإن المشتري لن يحصل على أي منافع إلا إذا قاد السيارة لأكثر من عشرة سنوات، أو 158 ألف ميل (253 ألف كيلومتر). أما إذا أوقفت الحكومة الإعانات فإن الشخص لن يحصل على أي وفورات مقارنة بـ "كورولا" تسير على البنزين إلا إذا قاد سيارة "فولت" أكثر من 229 ألف ميل (366 ألف كيلومتر)، إذا اشترى الشخص "كورولا" ثم أخذ الفرق بين سعر الكورولا و"فولت" واستثمره فإن عائد الاستثمار السنوي يغطي تكاليف البنزين لسيارة الكورولا، وزيادة!
الأرقام التي ذكرتها جي إم هي داخل المدينة فقط، ولكنها أقل من ذلك بكثير إذا كانت خارج المدينة ولمسافة تتجاوز 40 ميلا وذلك لأنها تحتاج إلى السير على البنزين بعد أربعين ميلا، كما أنها تخسر توليد الكهرباء من استخدام المكابح داخل المدينة.
جي إم لم تذكر أن شحن البطارية لكي تسير 40 ميلا يستغرق ثماني ساعات.
وكما هي المشكلة في "برياس" فإن الضمان على البطارية ينتهي بعد فترة معينة. عندها يكون سعر البطارية مساويا لسعر السيارة تقريباً. أي أنه إذا عطبت البطارية بعد انتهاء الضمان فإن سعرها سيكون مساويا أو أعلى من سعر السيارة كلها. بعبارة أخرى، في حالة عطل البطارية بعد انتهاء الضمان فإنه قد يكون من الأوفر أن يترك الشخص سيارته في الطريق ويعود إلى بيته بدونها.
وكما هي المشكلة في كل السيارات الكهربائية فإن الكفاءة في استخدام الوقود يعتمد على حمولة السيارة والإضافات عليها، وإذا ما كان المكيف مستخدما أولا، لهذا فإن هناك مبالغة كبيرة من قبل جي إم.
باختصار، سوق "فولت" لن يعتمد على اقتصاديات البنزين والكهرباء كما يتوقع البعض. فلن يشتر هذه السيارة إلا طبقة معينة من الناس لا يقل دخلها عن حد معين، ولهم ميول سياسية وبيئية معينة. كل ما علينا أن ننظر إلى من اشترى سيارة "برياس" في الولايات المتحدة لندرك أنهم اشتروها تعبيرا عن ميول لوجهات نظر معينة، وليس لتوفير البنزين، وبالتالي المال، خاصة أنها كانت السيارة الثانية أو الثالثة في كثير من الحالات. لقد اختارت قوى السوق النفط ليكون مصدر الطاقة الأمثل في وقتنا الحالي، بينما تأتي "فولت" بدعم حكومي، وعكس قوى السوق. لقد أثبت التاريخ أن تكاليف معارضة قوى السوق هائلة جداً، ستجبر حتى الولايات المتحدة على تغيير موقفها.