متى نرى هيئة ونظاما للتثمين العقاري؟
أشرت في عدة مقالات إلى أهمية التثمين العقاري وإلى ضرورة الحد من الممارسات الخاطئة التي تدور حاليا في السوق، حتى لا نقع في مشكلة الرهن العقاري التي وقع فيها غيرنا وسببت الانهيار الاقتصادي لدول كثيرة. إنه موضوع يحتاج إلى قرار على مستوى الدولة لتنظيمه وحمايته وألا يترك لاجتهادات شخصية قد تكون وراءها استفادات شخصية. وقد طلبت أن تكون هناك هيئة تضع أسسها ومعاييرها وقوانين تطبيقها وعقوبات لمن يتلاعبون بها. لنسير كما يسير العالم كله في هذا المجال، فالتثمين والتقييم العقاري يعدان أهم الأسس التي تقوم عليها اقتصادات الدول وجميعها تضرب له ألف حساب. وبالطبع تلك الدول يهمها الأمر لأنها أساس تقدير الضرائب على الممتلكات لمواطني تك الدول. كما أنها أساس نظام الرهن العقاري والإقراض لتملك العقار وعلى أساسها تتم معرفة أو حساب القروض. ولكنها فوق ذلك هي أساس علم الضرائب (تاكسومني) وهو علم مهم في دراسة الاقتصاد ومنه تشتق الدول معظم أرقامها الاقتصادية, فهو قاعدة معلومات يعتمد عليها للتخطيط المستقبلي ولمعرفة قيمة أو حصة القطاع العقاري ودوره في اقتصاد الدولة والناتج الوطني لها. ونحن وإن لم يكن لدينا ضرائب إلا أن لدينا نظام الزكاة وهو أقرب ما يكون من نظام الضرائب إلا أنه بطريقة إسلامية.
تهتم معظم الدول بنظام التقييم فيقوم مجلس مؤهلات المثمن في الولايات المتحدة The Appraiser Qualifications Board AQB بتنظيم المهنة. وهو مجلس مستقل من مؤسسة المثمنين الأمريكية. ومكون من خمسة إلى سبعة مثمنين يتم تعيينهم من قبل القائمين على المجلس. ومن مهام المجلس أن يقوم بوضع أقل المؤهلات التي لا بد للمثمن أن يحصل عليها. وذلك بعد حصوله على تعليم وخبرة تؤهله للمهنة واجتياز امتحان شامل وهو:
أن يجتاز امتحان النظرية العامة للتثمين والمقايسات الموحدة لمهنة المثمنين المهنيين. Uniform Standards of Professional Appraisal
Practice (USPAP).
والمثمن يجب أن يجتاز ما مجموعه 120 ساعة من المحاضرات وتشمل مواد مثل نظرية نظرية التقييم، ومواد في المحاسبة والاستثمار وقوانين البناء واشتراطات الأمانات، وأن يلم بتطبيقات الحاسوب التي لها علاقة بالحسابات والاستثمار، وأن يعد تقريرا متكاملا عن طريقة الحسابات التي اعتمد عليها في تقييم العقار.
ويطلب منه أن تكون لديه معرفة بطريقة قراءة المخططات المعمارية، وأيضا معرفة ودراية بأنواع مواد البناء والتقييم العقاري له دور أكبر في خلق قاعدة بيانات لقيم الأراضي وخواصها وأبعادها وموقعها الجغرافي ضمن شبكة متكاملة. ثم يتم وضع الأسعار له. وكلما كانت تلك المعلومات مؤرخة يصبح من الممكن الاستفادة منها مستقبلا في معرفة معدلات التضخم وغيرها من الأبحاث. فهي توثيق للأسعار في فترات يمكن الاستفادة منها مستقبلا, خاصة إذا تم ربطها بنظام السجل العقاري ونظام المعلومات الجغرافية GIS لتصبح الفائدة منها أكبر لتحديد قيم العقارات ومواقعها والمساحة والارتفاع القانوني, ما يساعد البلديات على تطبيق الأنظمة, كما يساعد الجهات الخدمية على توصيل الخدمات ومعرفة النمو المستقبلي ومدى الحاجة المستقبلية إلى النمو.
وقاعدة البيانات والمعلومات يجب أن تكون مشروعا وطنيا يسهم فيه الجميع، المواطن والدولة. فنحن في حاجة إلى استراتيجية عمل متكاملة لوضع الأسس لنظام التقييم والتثمين العقاري لمعرفة قيم الأراضي والعقارات التي بدورها تساعدنا على معرفة توجهات النمو وكذا توجهات العقار كجزء مهم في المنظومة الاقتصادية.
من جهة أخرى, فإن تفعيل نظام كود البناء سيكون له دوره في نظام التقييم العقاري. بل إنه سيساعد كثيرا على توحيد المعلومات ويخفف من أعباء العمل على المثمنين. فكلما كانت المواصفات متساوية أو متقاربة كان الجهد للمثمن أقل وأخف تكلفة. فنظام التقييم بمفرده لن يكون فاعلا دون انتشاره وتوعية المواطن وأبناء المهنة لأهميته.
إننا في حاجة اليوم إلى النظر في نظام التقييم العقاري ولمنع الممارسات غير المسؤولة حاليا، حيث ظهرت مجموعة تدعي أنها خبيرة في التقييم بينما هي ليس لها أي فهم للموضوع ولا تستطيع حتى قراءة أو فهم مخطط المبنى وأبعاده. لقد أصبح لدينا نشاط جديد وصناعة مهمة في السوق تتمثل في مهنة التثمين العقاري، لكنها أصبحت تمنح لأشخاص غير مؤهلين ولم يمروا بدورات في التقييم للحصول على شهادات تؤهلهم لذلك. كان يمنح تصريح من قبل وزارة التجارة لممارسة المهنة تحت مسمى مثمّن عقاري.
التثمين العقاري علم خاص ومهم لوضع نوع من التوازن في العرض والطلب في السوق العقارية وللقضاء على الممارسات الوهمية والسلبية والحد من المضاربات الوهمية. التثمين العقاري مربوط بأسعار العقارات ومواد البناء وتكلفة العمالة وكذلك أسعار المكاتب الهندسية والإشراف والصيانة. وخلال فترات معينة يمكن الرجوع إليها في أي وقت لمعرفة تكلفة العقار في وقت بنائه. التثمين العقاري مهنة متخصصة ومستقلة في حد ذاتها في القطاع العقاري وتلعب دورا أهم في عملية الاقتراض من البنوك والمؤسسات المالية وشركات التمويل العقاري, إضافة إلى دوره في معرفة قيم أصول الشركات وفض المنازعات في المحاكم الشرعية وديوان المظالم، وتحديد رسوم الزكاة وحصر الإرث ومعرفة قيمة التركة للورثة.
الممارسات الحالية يجب أن توقف وأن يعاقب كل من يدعي أنه مقيم أو مثمن عقاري دون تأهيل ودراية تامة وإلمام بالموضوع. فهو يقترف إثما كبيرا وخطأ جسيما يترك أثره في الجميع. بل قد يكون فيه ظلم للآخرين. وأن يتم وضع أسس للتأهيل وفق نظام وهيئة وطنية للتثمين العقاري, وسبق أن أشرت إلى تلك الأسس في مقالات سابقة.