تناحر فكري حول عمل النساء في مهنة «التعقيب»
فتح النقاش حول عمل النساء في مهنة «التعقيب» في الدوائر الحكومية الباب على مصراعيه لمعركة فكرية دارت رحاها بين متصفحي «الاقتصادية الإلكترونية»، النقاش جاء على خلفية قيام بعض النساء في إحدى المناطق بامتهان العمل في مكاتب الخدمات العامة والقيام بالتعقيب في الأقسام النسائية في الدوائر الحكومية.
ظهر عمق الخلاف واضحا بين طرفي الحوار حيث لم يصلا إلى أي حلول وسطى، أو تقارب في وجهات النظر، نظرا لما يحمله هذا الموضوع ــ وما يدور في فلكه ــ من حساسية خاصة لدى المجتمع المحافظ بطبعه، حسبما وصّفه جمعٌ من القراء الذين أصرّوا أن تعميم فكرة كهذه يعتبر خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه، فضلا عن تخطيه.
آخرون مثلوا الجبهة الأخرى رفضوا ما اعتبروه وصاية المجتمع على حقهم في التعبير عن رأيهم والعمل بأطروحاتهم، والتحرك قُدما لمواكبة العالم، والذي يرون أنهم سائرون في ركبه مهما طالت المدة بعدًا، فكل آت قريب. وهم في الوقت ذاته يستنكرون تجاهلهم كلاعب أساسي في المجتمع وأحد مكوناته، فلماذا يتكلم أحد بلسانهم ونيابة عنهم! والأدهى والأمرّ بما يرفضونه ولا يمثل قناعتهم.
استهل الحديث كل من القارئتين أروى جادي ونوال المطلق اللتين سارعتا لنصرة بنات جنسهن فقالت المطلق مؤيدة: إنها تشكر لطف الله بهن معشر النساء حيث لا يحتجن لوكيل شرعي للكتابة في الصحف وعبر الإنترنت، وكأنها ترى فيهما متنفسا وحيدا لطرح ما ضاق به الصدر وعجز عن قوله اللسان. فيما رأت «أروى جادي» أن لا حرج في أن تعمل المرأة في أي عمل يتوافق مع طبيعة المرأة دون أن يلحق بها الضرر، وخاصة إذا وُجدت الحاجة لهذا، ووفق ضوابط شرعية.
المعارضون تساءلوا عن جدوى عمل المرأة في هذا المجال مع توافر الكم الكبير من المعقبين والعاملين في مجال الخدمات العامة، وفي ظل أن هؤلاء يقومون بما تحتاج إليه المرأة لإنجاز معاملتها على أكمل وجه. وهذا الرأي تناوله القارئ «عادل الخالدي» فقال: كيف لنا أن نعمل على توظيف النساء، ورجالنا يكتوون بنار البطالة، وانعدام الفرص الوظيفية، وهم المسؤولون عن أسرهم وإعالتها، مبينا أن كل رجل يعمل يكفل معه امرأة هي زوجته، وهذا هو الأصل الذي تقوم عليه الحياة، والعكس ليس صحيحا.
وأضاف المعارضون أن هذا بلا شك يفتحا بابا لا يغلق من الأضرار الاجتماعية والاقتصادية كاستقدام للعمالة الوافدة من سائقين وخدم، فهذا سائق يوصل ربة بيته لعملها وينتقل بها من مكان لآخر لإنجاز معاملات عملائها، وتلك خادمة تحل مكانها في بيتها للقيام بأعمال المنزل، فأي جدوى اقتصادية أن تعمل المرأة ليحل مكانها شخصان في بيتها، وأي داء أدوى للمجتمع من إيفاد المزيد من العمالة المنزلية للخدمة في البيوت وتولي تربية الأطفال.
«أبو عبد العزيز» أعاد كفة الميزان، واتفق مع مؤيدي الفكرة، وهاجم المعارضين مطالبا إياهم بالعقلانية في الطرح، مؤكدا أن أكثرهم يتكلم من باب التنظير فقط دون أن يعلم حقيقة الظروف الأسرية التي تجبر المرأة على الخروج من بيتها وتكبد المشاق لكسب الرزق الحلال.
القارئة «إبداع» قالت إنها ليست من المملكة وأن ما تعانيه وغيرها من النساء في بلادها من مشكلات الاختلاط لا يمكن تصوره، وأضافت قائلة:النساء في بلاد الحرمين يعشن في نعمة «البُعد عن الاختلاط»، فأعظم حقوق المرأة أن ترعى أسرتها فيما يتكفل الرجل بمعيشتها.
هذا الطرح وجد أصداء طيبة وثناء كبيرا لدى المعارضين لما وافقه من هوى في أنفسهم. وعلى المنوال نفسه نقل «عبد الرحمن الراشد» عن نساء غربيات إعجابهن بـ «نوعية» حياة المرأة السعودية كمسؤولة عن منزلها وأسرتها، تاركة خضم الحياة وصراعاتها للرجل ليباشرها، وتعجّب في الوقت ذاته أن يكون بين ظهرانينا من يلهث وراء حضارة الغرب مغترا بالوجه الحسن منها.
النقاش كما تبين أخذ منحىً آخر، حيث نقل المعارضون المعركة بعيدا عن مهنة «التعقيب» ليرفضوا عمل المرأة بشكل عام، وهذا الطرح انبرى له القارئ «حازم فارس» فتساءل عن المكيال الذي يكيل به رافضو مبدأ عمل المرأة، في حين أننا نحتاج إلى المعلمات لتعليم بناتنا، والعاملات في الحقل الصحي لتطبيب نسائنا، وسأل إن كان هؤلاء سيقبلون تعليم بناتهم وأخواتهم لدى الرجال، أو إن كانوا يفضلون الأطباء لعلاج نسائهم. وهذا وإن كان وضع مصداقية الكثير على المحك، فهو بلا شك أعاد الموضوع لمساره الصحيح.
«رمضان العيسى» بيّن قائلا: إن من السطحية أن يعتقد البعض أن عمل المرأة يعني أنها ستحل محل الرجل وتأخذ مكانه، فما الضير أن تصل المرأة لأعلى المراتب إذا بلغت درجة عليا في تعليمها وثقافتها. ثم أن للمرأة مجالاتها التي تطرقها، وللرجال كذلك، دون أن يزاحم بعضهم بعضا.
ختاما، مجلس «الاقتصادية الإلكترونية» كشف أن الاختلاف نتيجة لازمة وحتمية لاختلاف الأرضية الفكرية والدينية والثقافية التي يقف عليها كل طرف، ولعل نتيجة لا غالب ولا مغلوب التي انتهى إليها قراؤنا أسهمت في ألا يفسد هذا البون الشاسع بينهم للود قضية.