درس مبسط في اقتصاديات النفط: أسئلة وأجوبة
ما الذي رفع أسعار النفط في السنوات الأخيرة؟
إذا نظرنا إلى بيانات الإنتاج والطلب في السنوات الماضية نجد فعلا أن قوى السوق هي التي رفعت أسعار النفط، ففي السنوات الأخيرة بقي الإنتاج العالمي ثابتا نوعا ما، بينما استمر الطلب على النفط في الزيادة. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: من أين جاءت كميات النفط الإضافية لمقابلة هذا الطلب المتزايد على النفط؟ الجواب هو أن هذه الكميات جاءت من الطاقة الإنتاجية الفائضة التي كانت تملكها ''أوبك'' ومن المخزون التجاري الموجود في الدول المستهلكة. مع تلاشي الطاقة الإنتاجية الفائضة وانخفاض مستويات المخزون، ارتفعت أسعار النفط ارتفاعها الصاروخي. باختصار، سبب ارتفاع الأسعار هو عدم قدرة المعروض على مقابلة الطلب المتزايد على النفط.
ما الأسباب التي أدت إلى ارتفاع مستويات الطلب على النفط في السنوات الأخيرة؟
تعد السنوات الأخيرة مميزة بشكل كبير عن الماضي لأنها الفترة الوحيدة في التاريخ التي ارتفعت فيها أسعار النفط ومعدلات النمو الاقتصادي ومعدلات الإنفاق الحكومي والإنفاق العسكري والدخول والاستهلاك، في الوقت نفسه الذي انخفضت فيه قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى وانخفضت فيه أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية، وانخفضت فيه الضرائب في بعض الدول، خاصة الولايات المتحدة. اجتماع هذه الأمور معا لم يحصل في السابق على الإطلاق، ونتج عنه أن الأثر الإيجابي للإنفاق الحكومي وانخفاض الدولار وانخفاض أسعار الفائدة على النمو الاقتصادي كان أكبر بكثير من التأثير السلبي للارتفاع المستمر في أسعار النفط. باختصار، الاعتقاد التاريخي بأن ارتفاع أسعار النفط مضر بالاقتصاد مازال صحيحا، ولكن ضمن فروض معينة منها انخفاض الإنفاق الحكومي وارتفاع أسعار الفائدة كما حصل في السبعينيات.
لماذا أسهم الإنفاق الحكومي وانخفاض أسعار الفائدة في نمو الطلب على النفط في الماضي بينما فشل في ذلك في الوقت الحالي؟
السبب هو انفصال العلاقة بين السياسات الحكومية المتمثلة في زيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب والاستهلاك من جهة، وانفصال العلاقة بين سياسات البنك المركزي المتمثلة في تخفيض أسعار الفائدة وقيمة الدولار والاستهلاك من جهة أخرى. ويعود انفصال العلاقة هذا إلى أمرين: الارتفاع الكبير في معدلات البطالة الذي نتج عنه انخفاض كبير في الدخول، وجفاف مصادر الائتمان وعدم القدرة على تمويل الاستهلاك من خلال القروض. كلا الأمرين أسهما في تخفيض الاستهلاك، فانهارت الأسعار.
ما دور المضاربين في رفع أسعار النفط؟
تؤثر المضاربات في أسواق النفط وذلك عن طريق زيادة الطلب، ولكن هناك شرطا أساسيا لهذا وهو شراء النفط وتخزينه. أما بالنسبة إلى المضاربة في الأسواق المستقبلية التي لا تتضمن تخزين النفط فأثر المضاربات يقتصر على زيادة تذبذب أسعار النفط في المدى القصير، ولكن لا يمكن لهذه المضاربات أن تحدد اتجاه أسعار النفط على المديين المتوسط والطويل. فدور المضاربات يقتصر على زيادة ذبذبة أسعار النفط حول متوسط معين، ولكنها لا ترفع هذا المتوسط. هذا المتوسط قد يرتفع أو ينخفض بناء على عوامل عدة يسهم مجموعها في تغيير الطلب أو الطاقة الإنتاجية، والمضاربون لا يؤثرون في أي منهما. وقد تم شرح هذا الموضوع بالتفصيل في عدة مقالات سابقة.
هل أشرف النفط على النضوب؟
الحديث الآن ليس عن النضوب ولكن عن بلوغ إنتاج النفط ذروته ثم انخفاضه الأبدي بعد ذلك. الحقيقة أن الحديث في الوقت الحالي عن موضوع النضوب وبلوغ الذروة سابق لأوانه لسبب بسيط هو أننا مقبلون على أزمة طاقة عالمية سببها عجز كبير في الاستثمار في عمليات الاستكشاف والتنقيب، وعدم قدرة دول ''أوبك'' على إنتاج الكميات التي تتوقعها ''أوبك'' ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. بعبارة أخرى، لن تكون ندرة الموارد النفطية هي سبب الأزمة، وإنما ضعف الاستثمار في هذه الموارد.
لماذا لم تنخفض تكاليف الإنتاج بشكل كبير يتلاءم مع حالة الكساد الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط التي يشهدها العالم الآن؟
انخفضت تكاليف الإنتاج بنحو 15 في المائة إلى 20 في المائة، وهو انخفاض ضئيل إذا ما قارنا ذلك بانخفاض أسعار النفط بأكثر من 50 في المائة، وحالة الكساد التي تشهدها أغلبية الدول الصناعية الآن. هناك عدة أسباب لعدم انخفاض التكاليف بشكل كبير أهمها سيطرة الشركات الحكومية على احتياطيات النفط المنخفضة التكاليف, حيث إن نحو ثلاثة أرباع إنتاج النفط العالمي تنتجه شركات حكومية. وقد شهدت السنوات الأخيرة حملة إعلامية ضخمة في الدول الغربية ضد موجة ''الوطنية'' في الدول المنتجة التي أدت إلى طرد شركات النفط العالمية من بعض الدول، وإصرار عدد من الدول النفطية على منع شركات النفط العالمية من الاستثمار في الاحتياطيات والمشاركة فيها. بشكل عام فإن هناك أثرين مختلفين لسيطرة شركات النفط الوطنية على احتياطيات النفط. الأول، الأثر الإيجابي أو الجيد، هو أن سيطرة شركات النفط الوطنية تضمن استمرار الإمدادات النفطية للعالم وتخفف من الذبذبة في المعروض. فإذا نظرنا إلى أغلبية البلاد النفطية التي تعاني قلاقل سياسية وانقطاعا في الإمدادات نجد أن هناك عاملا مشتركا فيها وهو سيطرة الشركات الأجنبية على القطاع النفطي. الثاني، الأثر السلبي أو السيئ، هو أن سيطرة الشركات الوطنية لا تضمن زيادة مستمرة في الإنتاج. لهذا فإن مقابلة الطلب المتزايد على النفط تتطلب استثمار الشركات العالمية، التي لا يمكنها الاستثمار إلا في المناطق عالية التكاليف بسبب سيطرة الشركات الوطنية على المناطق منخفضة التكاليف.