«كراب» العطشى في الأزقة منظر إنساني يتلاشى في المغرب

«كراب» العطشى في الأزقة منظر إنساني يتلاشى في المغرب
«كراب» العطشى في الأزقة منظر إنساني يتلاشى في المغرب

بملابسه الزاهية المزركشة وناقوسه النحاسي الذي يتردد صداه في الأماكن المزدحمة التي يمر بها اعتاد عمر ورادي (67 عاما)، أن يجوب الشوارع والأزقة ليسقي الناس شربة ماء خاصة في الحر القائظ.
يقنع عمر بدريهمات قليلة يظفر بها أو بمجرد دعاء الترحم على والديه مما يشعره بالزهو لممارسة مهنة مغربية قديمة هي اليوم في طريقها للانقراض.
يتذكر عمر مهنة «الكراب» أو الساقي المغربي بين الأمس واليوم حين كان لا غنى عنه في أي بيت مغربي حيث يكلف في المدن بجلب الماء إلى البيوت والحفلات والأعراس بينما يتولى في الأسواق الشعبية والقرى مد الناس بالماء من قربته الجلدية المتميزة التي يحملها على ظهره.
ويقول عمر الذي يمارس هذه المهنة منذ 52 عاما دون كلل أو ملل «
بالأمس كانت مهنة مطلوبة جدا قبل أن تزود جميع المنازل بمياه الحنفيات «الصنابير» وتظهر قنينات الماء المعدنية».
ويضيف «الرزق بيد الله أشتغل في ذروة الحر وفي الشتاء أبقى عاطلا عن العمل أنتظر الطقس المشمس والحار».

#2#

ويقول عمر «في السابق كانت لنا قيمة أفضل أما اليوم فزبائننا في الغالب من جيل الأمس، الذين يقبلون على ماء القربة المبارك».
وقد تجاوزت شهرة «الكراب» المغربي الحدود وأصبح رمزا فلكلوريا بملابسه التقليدية العتيقة والغريبة أحيانا. كما رسم بريشة فنانين كبار خاصة الفرنسيين الذين كانوا في المغرب في فترة الحماية بين عامي 1912 و1956 .
وصور» الكراب» مطبوعة على ملصقات المغرب السياحية الإعلانية وفي ردهات الفنادق السياحية الكبرى. كما قد يظفر الكراب بصورة تلتقط له مع سائح أجنبي تعود عليه بدراهم أكثر من تلك التي يجنيها من وراء سقاية الناس.
ويتكون لباسه التقليدي الذي يكون عادة أحمر اللون من قطعة من الصوف أو القماش الأحمر المزركش ومجموعة من الأقداح مصنوعة من النحاس الخالص يعلقها على صدره إضافة الى القربة الشهيرة المصنوعة من جلد الماعز بعد أن يتولى تنظيفها جيدا بواسطة الملح ومواد الدباغة.
أما قبعته المكسيكية الشكل فتقيه حر الشمس اللافح وتضفي بألوانها الزاهية رونقا وأناقة محلية فلكلورية على لباسه التقليدي.
ويتهافت أصحاب البازارات المتخصصة في بيع التحف القديمة على اقتناء أقداح الكراب وناقوسه النحاسي لجودة معدنها وندرته.
ويقول عمر وقد علقت على صدره قدح أو «طاسة»، كما يسميها نقشت بداخلها آية الكرسي إن عمرها يزيد على 30 عاما ولم تعد موجودة في السوق.
رغم هرمه وتعبه الجسدي يشعر عمر بالواجب يناديه كلما اشتد الحر حتى إن علم أنه لن يجني سوى دريهمات معدودة لا تكفي لسد متطلبات حياته اليومية.
وأغلب «الكرابة» المغاربة المتبقين - وهم قلة بالمقارنة بالسابق - تفوق سنهم الخامسة والخمسين في مهنة لا تكفل لهم سبل العيش الكريم وليس فيها لا تقاعد ولا أي ضمان اجتماعي. ويتحول أغلب «الكرابة» في الشتاء إلى أشباه متسولين بلباسهم التقليدي يستجدون المارة.
ويتذكر عمر «هذه مهنة الخير والبركة من يمتهنها لا يرجو الغنى وإنما أجرها أكبر من الدريهمات التي لا تسد الرمق». إلا أن المخاوف الصحية ربما تمنع الناس من التعامل مع «الكراب» مما يهدد مستقبل هذه المهنة.
يذكر شاب قدم نفسه باسم حسن (23 عاما)، وهو طالب جامعي «من الصعب أن تصمد هذه المهنة ليس فقط لأن مصادر مياه الشرب أصبحت متوافرة، لكن الناس أصبح لهم وعي وهاجس صحي من مغبة مشاركة الآخرين الشرب من الكأس نفسها حتى ولو نظفت. «أصبحنا نسمع عن أمراض لم يعرفها أجدادنا في السابق».

الأكثر قراءة