شركات الأدوية الكبيرة تتبنى الأدوية الجنسية

شركات الأدوية الكبيرة تتبنى الأدوية الجنسية
شركات الأدوية الكبيرة تتبنى الأدوية الجنسية

في إحدى الأمسيات أخيرا، طرح أقوى رجل في العالم سؤالا وجوديا على أولئك المحيطين به، حيث قال: «إذا كان هناك حبة دواء زرقاء وحبة دواء حمراء، وسعر الحبة الزرقاء نصف سعر حبة الدواء الحمراء ولهما التأثير نفسه، فلِمَ لا ندفع نصف السعر للحبة التي ستجعلك تشعر بتحسن؟» هكذا فهم باراك أوباما أحد أقوى اتجاهين عالميين يجبران شركات الأدوية العملاقة على البحث عن نماذج عمل جديدة.
وتنتقد الحكومات الواعية للتكاليف في كل مكان الأدوية المكلفة الحاصلة على براءات اختراع. وفي الأسابيع القليلة الماضية، أعلن المنظمون في أمريكا والاتحاد الأوروبي عن حملات منفصلة على الممارسات التي تمنع التنافسية، بما في ذلك صفقات «دفع المال مقابل التأجيل»، التي تدفع شركات تصنيع الأدوية الكبيرة بموجبها المال لشركات الأدوية الجنسية لتأجيل إطلاق أدوية منافسة للأدوية الحاصلة على براءات الاختراع. وتعمل الحكومات، من اليابان إلى ألمانيا، على تحرير أسواق الأدوية، وإزالة الحواجز أمام الأدوية الجنسية.
وتأتي هذه الضغوط من الأعلى في الوقت الذي تسود فيه الخلافات في الأسفل. فهناك عدد كبير جدا من الأدوية التي ستنتهي براءات اختراعها خلال السنوات القليلة المقبلة، ما سيؤدي إلى منافسة حادة من الأدوية الجنسية وإلى انهيار الأسعار. وتشير تقديرات شركة Evaluate Pharma الاستشارية إلى أن نحو نصف الأدوية الحاصلة على براءات اختراع والبالغة قيمتها 383 مليار دولار، والتي سيتم بيعها في العالم هذا العام ستفقد حماية براءة الاختراع في غضون خمس سنوات. وفي عام 2010 فقط، ستشهد الصناعة تعرض 15 في المائة من إيراداتها من الأدوية الحاصلة على براءات اختراع للخطر. ففي الأماكن التي تكون فيها المنافسة من الأدوية الجنسية التي لا تحمل علامات تجارية هي الأشد، مثل أمريكا، ينخفض سعر دواء معين بنسبة تزيد على 85 في المائة خلال عام من انتهاء براءة الاختراع. وكانت شركات الأدوية الكبيرة تنظر بازدراء إلى مجال الأدوية الجنسية، إلا أن الهجوم على أرباحها أجبرها على إعادة النظر فيها. وفي كثير من الدول المتقدمة ومعظم الدول الفقيرة، تتجنب تلك الشركات بالكاد انخفاضات كارثية في الإيرادات عن طريق بيع النسخ «ذات العلامات التجارية» (ولكن غير الحاصلة على براءات اختراع) من أدويتها الأصلية بأسعار أعلى من نظيراتها الجنسية التي لا تحمل علامات تجارية. وعلى الرغم من أن هذا غير منطقي، فإن قوة الولاء للعلامة التجارية ومقاومة التغيير بين الأطباء والمرضى كبيرة جدا، بحيث إن هذه الأدوية الجنسية غالبا ما تساعد الشركة التي فقدت براءة الاختراع على الاحتفاظ بنصف السوق أو أكثر من النصف، من حيث القيمة، حتى بعد السماح قانونيا بمنافسة الأدوية الجنسية.

#2#

وذهب عديد من شركات الأدوية إلى أبعد من ذلك واشترت شركات منافسة تصنّع الأدوية الجنسية. وقد يسهم هذا في تسريع التحرك نحو الأدوية الجنسية التي تحمل علامات تجارية. ولكن الأهم من ذلك هو أنه يساعد شركات الأدوية العملاقة على زيادة فرصها لدخول الأسواق الناشئة- إحدى النقاط المضيئة القليلة في التوقعات الكئيبة بالنسبة للصناعة. وJeff George، رئيس شركة Sandoz، شركة الأدوية الجنسية الكبيرة التي تمتلكها شركة Novartis السويسرية للأدوية، مقتنع أن جاذبية هذه الأسواق النامية تساعد على إطلاق العنان «لديناميكية جديدة تماما». ووفقا لشركة IMS Health الاستشارية، فإن أكبر سبع أسواق ناشئة ستسهم بأكثر من نصف نمو المبيعات الإجمالية للصناعة هذا العام. وبحلول عام 2012، ستكون تسع أسواق من بين أكبر 20 سوقا هي الاقتصادات الناشئة. وأبلغت Sandoz أخيرا أن مبيعاتها في أكبر ست أسواق من هذه الأسواق كانت أعلى بنسبة 14 في المائة في النصف الأول عما كانت عليه قبل عام، في حين أن مبيعاتها في أوروبا ارتفعت بنسبة 3 في المائة فقط. ومعظم الشركات الغربية الكبرى موجودة بالفعل في هذه الدول، حيث تبيع منتجاتها الحاصلة على براءات اختراع. إلا أن هذا ليس كافيا، كما يقول Satish Reddy، رئيس العمليات في Dr Reddy>s Laboratories، شركة الأدوية الجنسية الهندية. فالعمل الحقيقي الآن يكمن في الأدوية الجنسية ذات العلامات التجارية، المهيمنة في عديد من الأسواق الناشئة، وأحد أسباب ذلك هو الخوف من أن تكون المنتجات غير المعروفة مزيفة أو ذات جودة مشكوك فيها. ويقول إنه عن طريق الانضمام إلى الشركات المحلية للأدوية الجنسية، يمكن للشركات متعددة الجنسيات «الوصول بتكلفة زهيدة إلى الطبقة الوسطى» في تلك الأسواق. وقد لاقت تعليقاته قبولا حسنا من قبل GlaxoSmithline، شركة الأدوية البريطانية العملاقة، التي عقدت صفقة في حزيران (يونيو) لكي تصنّع Dr Reddy>s مجموعة من الأدوية غير المكلفة التي ستبيعها GlaxoSmithline بوصفها أدوية جنسية تحمل علامة تجارية في عديد من الدول التي لديها فيها مبيعات قوية. وقبل شهر فقط اشترت GlaxoSmithline حصة بنسبة 16 في المائة من شركة Aspen، وهي شركة تصنع الأدوية الجنسية من جنوب إفريقيا. ويقول عباس حسين من GlaxoSmithline إن هذه الاستراتيجية الجديدة تهدف إلى «بناء مجموعات من المنتجات الجديدة من الأدوية عالية الجودة التي تحمل علامات تجارية والتي يمكن جمعها مع مبيعات وتسويق GlaxoSmithline واسع النطاق».
واتخذت شركات أدوية عملاقة أخرى خطوات مماثلة. ففي وقت سابق من هذا العام، اشترت شركة Sanofi-Aventis الفرنسية كلا من Medley، أكبر شركة للأدوية الجنسية في البرازيل، وشركة Zentiva، شركة التزويد الكبيرة بالأدوية الجنسية في أوروبا الشرقية. وشملت أبرز الصفقات شركة Pfizer، الشركة العملاقة المحافظة التي لا تشتهر بعلاقاتها الحميمة مع شركات الأدوية الجنسية الجديدة. وفي أيار (مايو)، قالت إنها ستدخل في صفقات مصرّحة مع Claris LifeSciences وAurobindo، شركتان للأدوية الجنسية في الهند. وقال David Simmons، رئيس Pfizer، إن «الأدوية الجنسية لم تعد عدو الابتكار الصيدلاني». ويصر على القول إنه يجب النظر إلى الشركات التي كان تتم السخرية منها ووصفها بالتقليد وانتهاك القوانين في السابق باعتبارها حلفاء أساسيين للدخول إلى الأسواق الجديدة.
هل ستدوم حقا مثل هذه التحالفات؟ إحدى الصعوبات التي تواجهها هي التصادم المحتوم بين الثقافات. ويقول Sigurdur Olafsson، الرئيس التنفيذي لشركة Actavis، الشركة الأيسلندية لتصنيع الأدوية الجنسية، إنه لا يزال متشككا في ذلك، باعتباره كان يعمل في Pfizer في السابق. ويضيف: «يجب على شركات الأدوية الجنسية أن تكون حذرة وعدوانية». ويعلق بالقول: «هل ستكون إحدى هذه الشركات الهجينة على استعداد فعلي لتحدي براءات الاختراع لشركات الأدوية المنافسة؟» ويصر George من Sandoz بالقول على أنه لا يوجد صدام ثقافي، بل «جدل صحي بين الإخوة» بين شركته ومالكتها، Novartis. ويشير إلى الدخول القوي لشركته إلى السوق الناشئة «للأدوية المتشابهة حيويا»، التي تمثل البديل الجنسي للأدوية الحيوية، وذلك كدليل على أن الشركات مثل شركته ليس بالضرورة أن تكون عاجزة.
ويقدم Atul Sobti، رئيس Ranbaxy، شركة الأدوية الجنسية الهندية التي اشترتها العام الماضي شركة Daiichi Sankyo اليابانية العملاقة للأدوية، سببا مختلفا لهذا التشكك. فمصدر قلقه ليس الثقافة بل الأزمة النقدية المقبلة. وتواجه صناعة الأدوية الجنسية «ضغوط تكلفة عالية للغاية»، كما يشرح، خاصة لأن «بعض الحكومات ستكون مستعدة دائما لتخفيض الأسعار».
ولا شك أن الحكومات ستستمر في الضغط على أسعار الأدوية. ومع ذلك، كما يقول Charles-Andre Brouwers من مجموعة بوسطن الاستشارية، ينبغي ألا تشعر شركات الأدوية باليأس. ففي كثير من أنحاء العالم، يدفع المستهلكون المال للحصول على الأدوية، من أموالهم الخاصة جزئيا على الأقل، بدلا من أن تكون مدعومة من قبل الدولة أو أن تتحمّل شركة التأمين التكلفة. ويعتقد أن الولاء لعلامتهم التجارية - أو الكسل - هو شيء يمكن لشركات تسويق الأدوية استغلاله للحفاظ على أسعارها. وكما يقول، فإن «سر الصناعة هو أن المرضى الذين يتناولون الحبة الحمراء لا يحبون حقا التحوّل إلى الحبة الزرقاء».

الأكثر قراءة