هل ترى الأبراج الدوّارة النور مع تقنية الهندسة المعمارية؟

هل ترى الأبراج الدوّارة النور مع تقنية الهندسة المعمارية؟

على مدار العامين الماضيين، تمكن ديفيد فيشر من إشهار اسمه عن طريق بناء أبراج في السماء. وحرفياً، وبرغم الرموز الداعمة العالمية التي تلقاها بسبب فكرته المعمارية (جائزة أفضل اختراع لعام 2008 من مجلة تايم، والإشادة بأفضل مهندس معماري في عام 2008 من قبل تحالف المطورين والبنّائين بدعم من ترمب ومقره في فلوريدا)، فإن البرج الذي يتألف من 80 طابقاً، على ارتفاع 1.300 قدم، لا يوجد سوى في خياله المتغطرس. وقد كان هنالك منذ فترة.
«أعتقد أن الأمر برمته بدأ عندما كنت أبلغ خمسة أعوام من العمر»، كما يقول الرجل الذي يتجاوز 60 عاماً من العمر، والمولود في إسرائيل، والمهندس المعماري المقيم في فلوريدا. «اعتادت والدتي على أخذي لرؤية غروب الشمس كل مساء عند البحر المتوسط، وكنت أجلس هناك، وأتناول عشائي، وأرى الشمس الحمراء تنزل رويدا رويداً في المياه. وعندها بدأت أفكر بشأن الحركة: هنالك يوم يزول، وآخر يبدأ، وبدأت أفكر بالوقت. وبدأت أفكر لاحقاً، كمهندس معماري، بأن الحياة تتغير، وكل شيء يتغير... ولكن المباني لا تتغير؛ والمنازل لا تتغير».
وألق نظرة على سيرته الشخصية، وسترى أن فيشر تخرج من جامعة فلورنسا في عام 1976، وألقى محاضرات هناك في الهندسة المعمارية، والهندسة الهيكلية، ونصب الآثار التذكارية، وصمم المباني، وأدار شركة عائلية متخصصة في مواد الانشاءات الماسونية، ومسبقة التجهيز قبل التوجه إلى نيويورك في أوائل فترة الثمانينيات من القرن الماضي. وفي يومٍ ما في برج الأولمبياد في وسط مانهاتن، تشكلت فكرة برجه الديناميكي فعلاً.
«كنت أنظر إلى إطلالة مدينة نيويورك الخلابة، وقال مالك الشقة لي : «يمكنك أن ترى جانبي مانهاتن. ولا يمتلك أي شخص آخر مثل هذه الإطلالة»، وخرجت بمعتقداتي الاجتماعية، واعتقدت أن الجميع يمكن أن يحظى بمثل هذه الإطلالة إذا تمكنا من إحداث دوران للبناية. ولكن لم يتحقق الأمر فعلاً إلى أن عدت إلى منزلي في فلورنسا، وجسّدت الفكرة على الكمبيوتر، عندها بدأت أفهم أنه إذا قمنا بعمل دورين كل طابق بصورة مستقلة، فإن شكل البناية سيتغير بصورة مستمرة».
وبالفعل، بدا البرج على برنامج الرسوم المتحركة كقطب ثلاثي الأبعاد، يتموج دون توقف من الأرض إلى الغمام. وتدور الطوابق حول محور الوسط، وتغطي مسافة عمودية تعادل نحو خمسة كيلو مترات يومياً، أو إلى نحو ألفي كيلومتر سنوياً. وتقنياً، فإن نشاط وسرعة كل طابق يمكن التحكم فيها من قبل مالك الشقة عن طريق كلمة سر مفعّلة صوتياً. أو في حالة ما يزيد على وحدة لكل طابق، وذلك عن طريق المهندس المعماري، أو مدير البناية.
وإن ذلك يفتح حيزاً كاملاً على اللولبة الجمالية: من يتحكم بشكل البناية بينما تقف في العالم الحقيقة؟ وهل هذه مسألة كروية؟ أم بند على أجندة التخطيط للمدينة؟ أم معضلة سياسية؟ أم ممارسة ديمقراطية؟
«وستتشكل البناية بفعل الحياة، والزمن»، كما يقول فيشر. «إنه قرار كل شخص بأن يكون قادراً على تشكيل البناية، حيث سيكون هنالك مهندس معماري بعد 300 سنة من الآن سيكون قادراً على إعادة تشكيلها بالطريقة التي يريد».
كلمات متغطرسة من شخص يعترف بأنه لم يمارس الهندسة المعمارية طوال الأعوام الـ 20 الماضية، وأنه لم يبن أي ناطحة سحاب قبل تصميم هذا البرج. ولقد كانت تلك أسس تدافع وسائل الإعلام في شهر حزيران (يونيو) العام الماضي في نيويورك عندما قدّم فيشر لأول مرة برجه الديناميكي إلى العالم. وبرزت الأسئلة حول كفاءته، والفاعلية الحقيقية للمبنى، والتكلفة.
فعلى سبيل المثال، كيف ستتم هندسة أنابيب المياه لمبنى في حركة مستمرة، ومعلّقاً بعمود مركزي؟»، إن الأمر أشبه بإعادة شحن طائرة في الجو»، كما أجاب فيشر. «حيث سيتم إغلاق المراحيض، وأنظمة المياه على نحوٍ دوري بينما تكون الطائرة (الشقة) في حالة حركة».
حسناً، ما الذي يزود البناية بالطاقة، ويجعل الطوابق تدور؟»، محركات توربينية أفقية»، كما يقول. ولكن حتى الآن فإن مثل المحركات التوربينية تلك غير موجودة أصلاً، وإن ممارسة النشاط العملي الماضي تشير إلى أن البحوث الهندسية لمثل هذه المسألة محدودة إذا أريد لها أن تتم بسعر معقول.
وإن ذلك يطرح مسألة تكلفة إنشائية بقيمة 700 مليون دولار. وإن محفظة فيشر ليست عميقة، وقد أشار إلى أن ودائع الزبائن ستشكل جزءا كبيراً من تمويله التشغيلي. إذن، من هم الموجودون على قائمة زبائنه المقتدرين؟ «الناس الأثرياء للغاية»، كما يقول فيشر، بكل ثقة. «وما يزال هنالك الكثير منهم حولنا. وستكون هذه بناية فاخرة». وكم تبلغ تكلفة كل وحدة؟ «من ثلاثة ملايين إلى 30 مليون دولار، كما يقول. وإن ذلك يعادل نحو تراجعاً قدره مليون دولار في السعر مقارنة بالحد الأعلى من إعلانه المبدئي العام الماضي، قبل أن تضرب الأزمة الاقتصادية، عندما قال لاجتماع صحافي إنه كان متأكداً من الإنشاءات الوشيكة للأبراج الديناميكية، أولاً في دبي، ومن ثم في موسكو. والآن من المفترض أن تبدأ الإنشاءات في الإمارات في الخريف، في موقع مصنع في باري في جنوب إيطاليا.
وبينما سيكون البرج الأول باهظ الثمن، فمن حيث أسلوب كل النماذج الأولية، فإن الأجيال المقبلة منها يمكن أن تكون أقل تكلفة بكثير، لأن البرج الديناميكي الدوار جاهز. «وأنا أدعوه: مسبق التجميع»، كما يقول، «لأن الجاهز يعني وسائل محددة. وإن الأمر سيشبه إنتاج سيارة، فأنت تصنع القطع، ومن ثم تجمعها في مكان واحد. وذلك يعني تكاليف أقل، وعاملين أقل: 90 عاملا بدلاً من 200. وفي المستقبل، ستبنى كل المنازل على ذلك النحو، في مصنع ومن ثم تُجمّع».
وإن ذلك يعني أن زبائن فيشر المستقبليين يمكن أن يكونوا مختلفين عن الزبائن الأثرياء الذين يسعى إلى ضمهم إلى الخط المنقط اليوم. «إن زبوني المثالي في المستقبل، هو رجل لا يمكنه تحمل تكاليف منزل اليوم، لأنه غداً سيكون قادراً على شراء واحدٍ من تلك».
وعلى ما يبدو بالنسبة للمشاهد فإن برجاً يدور دورة حلزونية بـ 80 طابقاً سيستهلك الكثير من الطاقة، وسيتطلب الكثير من الصيانة، وليس شائعاً هذه الأيام بما أن «الأقل» هو ما تقتضيه الموضة الآن. «وستكون البناية إيجابية من حيث الطاقة»، كما يدّعي فيشر، حيث ستولد محركات التوربينات تحت كل طابق (وهي محركات لم يتم ابتكارها بعد) ما يكفي من الطاقة لتزويد البناية بأكملها بما تحتاج إليه من الطاقة. وسيتعرض نحو 15 في المائة من كل وحدة للشمس في كل الأوقات، وبالتالي سوف يكون لدينا ما يكفي من الطاقة من خلال الخلايا الكهربائية الضوئية على سطح كل طابق».
نعم، ولكن هل ستصبح هذه الفكرة حقيقة؟ على المستوى الهندسي، فإن المهندس الهيكلي لبرجي التجارة في نيويورك، والمركز المالي العالمي لشنغهاي، ليزلي روبرت، قال للمراسلين الصحافيين العام الماضي إن برج فيشر الديناميكي «قابل للبناء تماماً، حيث يمكنك بناء أي شيء».
ومن ثم هنالك الهيكلة المالية المتعلقة بآثار الكساد، حيث يستمر فيشر في التركيز على الأفق طويل الأمد: «أعتقد أنه سيكون من الأسهل بيع بناية كتلك لأنها فريدة من نوعها»، كما يدّعي. «وإضافة إلى ذلك... أنا أحب التحديات».

* ديفيد فيشر: كان المتحدث الرسمي في المؤتمر السابع للاستثمار العالمي في لا باول، الذي عقد في الفترة ما بين الثالث والخامس من تموز (يوليو) من العام الحالي.

الأكثر قراءة