رجال الأمن والسلامة مؤتمنون على الملايين ويتقاضون «الملاليم»
«يؤتمنون على الملايين مقابل الملاليم»، لعل هذه العبارة كانت المحور الأساسي الذي حاول متصفحو «الاقتصادية الإلكترونية» إبرازه في الاستفتاء الذي تساءلنا فيه إن كان رجال الأمن والسلامة «السكيوريتي» يعانون تدني الرواتب الشهرية، في ظل ما يبذلونه من جهد مضاعف في مواقع مهمة وخطرة أحيانا، حيث تراوح رواتبهم بين 1500 و3000 ريال. وهل أدى هذا لتصبح هذه الوظيفة غير مرغوبة في أوساط المواطنين، الأمر دفع بعض الشركات إلى توظيف غير السعوديين في مواقع حساسة!
#2#
شكوى أحد مشرفي الأمن والسلامة الذي صدح بصوته عبر أثير الإذاعة ناقلا فاقته، وقلة ذات يده، دفعنا للتساؤل عن حجم وحقيقة المعاناة التي تمر بها هذه الفئة، وهو ما وجد تجاوبا كبيرا من القراء الذين أقر 88 في المائة منهم بحقيقة هذه المعاناة وقِدمها.
القارئ «نايف» افتتح المشاركات قائلا: إن رجال الأمن والسلامة لا يواجهون حياتهم برواتب قليلة، وبيئات عمل سيئة، بل إن ظروف عملهم تعاكس الطبيعة البشرية، فهم يسهرون حين يهجع الناس، فلا هم «لباس في ليلهم» ولا هم «معاش في نهارهم».
القارئ «فارس حسن» أبان قائلا «إن الأدهى أن بعض رجال الأمن يعمل لمدة 12 ساعة يوميا، وهذا يمثل حلقة في سلسلة انتهاك حقوقهم».
طرح آخر نقله لنا القارئ «محمد» الذي قال «إن النظام كفل حدودا دنيا لرواتب بعض العاملين، نظرا لأهمية الأعمال المنوطة بهم، فلم يُنظر لحارس الأمن على أنه أقل مرتبة منهم».
فإن كان الأطباء والممرضين يسهرون على راحة المرضى في المستشفيات، فرجال الأمن والسلامة يسهرون على راحة هؤلاء الممرضين والأطباء، وإذا كانت البنوك تستأمنهم على الملايين أفلا يستحقون شيئا غير تلك الملاليم القليلة جزاء لهم ؟!
من جهته أقر مصطفى بأن رواتبهم غير مجزية لكنه تساءل إن كانوا يقومون بواجبهم على أكمل وجه؟ ونحن بدورنا نتساءل هل التقصير في العمل مرتبط برجال الأمن والسلامة بذاتهم، وهل تقوم كل القطاعات الوظيفية بدورها على وجه الكمال؟! فمن كان منا بلا ذنب فليرمهم بحجر.
جمعٌ من القراء، استغربوا كيف صوّت 12 في المائة بأن أوضاع موظفي الأمن والسلامة جيدة ورواتبهم مجزية، وهو ما يمثل مخالفة لما يراه الأغلبية، و»الاقتصادية الإلكترونية» إذ تكفل حق الجميع في إبداء رأيه إلا أن من صوّت بـ «لا» تواروا تحت قرع ما وصفه الأغلبية بالحقائق الثابتة، فهم يرون أن العقل والمنطق وواقع الحياة يؤيد رؤاهم مهما حاول البعض التشكيك فيها.
قارئ آخر قال إن بعض الشركات جمعت لموظفيها من رجال الأمن والسلامة «حشفا وسوء كيلة»، فهو يروي قصة عن رجل أمن يتسلم راتبه كل أربعين يوما، أي أنه يمر بتسعة أشهر في السنة، وكأنه في كوكب آخر غير الأرض.
البعض حمّل المجتمع مسؤولية ما يلقاه رجل الأمن فهم ينظرون بازدراء لمهمته، ويقللون من دور الحماية الذي يقوم به، متناسين أن مهمة الحراسة من أجّل المهام، والمحتسب فيها كأم موسى «ترضع ولدها وتأخذ أجرها».
قارئ رمز لنفسه بأبي المجتمع، قال: الأمن هدف، والإكثار من رجال الأمن، وتوفير سبل الراحة والاستقرار لهم في أعمالهم يقدم مجتمعا آمنا، وهو مطلب الجميع. وهذا وافق ما طرحه بعض القراء من أنه لا بد من قرن موظفي رجال الأمن والسلامة بموظفي السلك العسكري ورجال الشرطة، فهم يزيحون عن كاهل أفراد الأمن الحكومي حملا ثقيلا بحمايتهم للمدارس والمستشفيات والبنوك وكبرى الشركات، فما المانع من انضوائهم تحت اللواء الحكومي، عبر دعمهم بمكافآت تضاف إلى رواتبهم. خاصة أن عددا من الزيادات في الآونة الأخيرة طالت العاملين في القطاعات التعليمية والعسكرية والصحية، ومرت بهم مرور الكرام.
القارئ «أحمد» من جهته قال: إنه يعمل كحارس أمن في أحد المستشفيات النفسية وأن عمله خطر جدا، فهو يتعامل مع مرضى نفسيين لا يملكون السيطرة على أنفسهم، وأنه وزملاءه يتعرضون للأذى والمضايقات من المرضى. وأضاف أن آخر ما ناله هو لكمة على فمه تسببت له بأذى شديد، حرمه من الأكل أسبوعا، وطرح بعدها حسبة رياضية غاية في التعقيد لمراحل التقطيع التي يمر بها راتبه بين التأمينات والمواصلات والبقالات.
مطلق بن عبد الله قال: إن الأمانة التي تقع على كاهل موظف الأمن كبيرة، والمخاطر جرّاء عمله في هذه المهنة أكبر، لذا لا بد من تناسب مقدار الراتب مع المسؤوليات والمخاطر التي قد يتعرض لها الموظف. ونوّه إلى وجود تفاوت بين رجال الأمن، فلا مجال لمقارنة حارس البنك أو محلات الذهب بحارس المدرسة والمستشفى، مع الاتفاق على أن الجميع في حاجة لتحسين أوضاعهم، وأن الأنظمة التي تحكم قطاع الأمن والحراسة أصبحت بالية عفا عليها الزمن، فلا بد للجهات المختصة من التحرك عبر صياغة القوانين المنظمة للقطاع بشكل يكفل لكل ذي حق حقه.
آخر وصف نفسه ساخرا بأنه «رجل أمن تائب» قال إنه يرى نفسه مذنبا بعمله في مجال الأمن والسلامة، فأي خطيئة أكبر من ظلمه نفسه في عمل يقتل الطموحات ويحمل كثيرا من التبعات والمخاطر، دونما فائدة تذكر أو تقدير منتظر، وأضاف أن هذا المجال أصبح منفرا لكثير من المواطنين.
هذا الآخر قال: إنه كان يعمل في موقع ذي «حساسية أمنية خاصة»، لذا كان راتبه يبلغ 1700 ريال شهرياً، بينما لا تتعدى رواتب زملائه في مواقع أخرى 1500 ريال، فهل تقيّم الشركات حياة موظفيها بمائتي ريال شهريا؟!
موضوع الاستفتاء خرج عن مدار الفضاء الإلكتروني، إذ التقيت اثنين من رجال الأمن والسلامة لأسألهم عن رغبتهم في إضافة آرائهم عبر صفحات «الاقتصادية الإلكترونية»، فعاجلوني الرد متسائلين إن كانت هناك جدوى من طرح آرائهم، فضلا عن إثارة القضية برمتها، فشكواهم لا تخفى على أحد، ومعاناتهم ليست بالجديدة، والشركات المعدودة التي تسيطر على قطاع الحراسة ستبذل قصارى جهدها لإبقاء الوضع على ما هو عليه حتى يهرب آخر مواطن منه. ولم تفلح محاولاتي بإقناعهم بأن اليأس يعقّد المشكلة عوضا عن حلها، وأنه ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. فقواميسهم خلت من الأمل ومرادفاته، والعالم - كل العالم - يخطو نحو الأمام وهم في مكانهم يراوحون، وفيما لم تخل نبرتهم من التحدي بأن يحرك أحد ساكنا من أجلهم، ودعتهم مذكرا إياهم بأننا نحرث وعلى الله الزراعة وننادي وعليه البلاغ.