متى نبدأ برنامج إعادة تدوير النفايات والمخلفات؟

تعد فكرة تدوير النفايات ومخلفات البناء إحدى الأفكار الرائدة للمحافظة على البيئة والتوجه الحضاري للمدن الخضراء أو الصديقة للبيئة. والأهم منه هو الحد من الإسراف والتبذير الذي بدوره سيقلص حجم تلك النفايات. وتقليص حجم النفايات يعود أثره ليس في البيئة فقط بل إننا نوفر أموالا طائلة بدلا من شراء ما يزيد على حاجتنا ويكون مصيره سلة النفايات وكأننا نرمي أموالنا فيها. لذلك فإننا يجب أن نعي هذه الظاهرة وأن نبدأ بسرعة وضع برنامج ونظام لتدوير النفايات وأن يكون لهيئة حماية البيئة والبلديات دور أكبر في الحث على تطبيق نظام لتدوير النفايات وغيرها.
وفي بعض الدول يعد جمع النفايات وإعادة تدويرها ثروة يمكن الاستفادة منها بتحويلها إلى مشتقات ومواد يمكن الاستفادة منها في مواضع عديدة. لذلك نجد أن معظم دول العالم تركز على عملية إعادة التدوير ولكن بالتعاون مع المواطنين. المواطن المخلص لبلده يهمه أن يقوم بدوره وأن يساعد على تلك العملية. فنجد أن معظم مدن العالم توجد فيها صناديق أو براميل مصنفة ومخصصة لكل نوع من أنواع النفايات. صندوق للنفايات الورقية وآخر للبلاستيك والآخر للزجاج وهكذا حتى للمواد الخطرة. ومن ثم تقوم بلدية المدينة أو الشركة المستفيدة من تدوير تلك النفايات بجمع كل نوع على حدة ما يسهل ويوفر كثيرا عليها لإعادة التدوير والاستفادة منها.
وتمتد فكرة التدوير لتصل إلى مرحلة متقدمة من نظام جمع ليس النفايات فقط بل حتى مخلفات مواد البناء والملابس والأثاث.
لذلك فإن فكرة تدوير النفايات تعد أحد الحلول التي تقوم بها معظم الدول لمساعدة الفقراء هي فكرة إعادة تدوير بعض الأثاث والملابس القديمة والأمتعة الشخصية المستعملة بعد تنظيفها وتطهيرها. فيقوم رجال ونساء الخير بإيصالها للجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تقوم بعد ذلك بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين إليها. ولعلنا في هذه البلاد نتميز بكثرة الإسراف في البناء وكثرة الترميم وتغير الديكورات حتى لو لم يمر عليها زمن طويل. كما تكثر عمليات الهدم ورمي مخلفات البناء في الشوارع وتشوه المدينة وتزعج الجيران بمظهرها السيئ وتزيد من حجم وكمية النفايات في الحي ما يكلف الدولة كثيرا لجمع تلك النفايات ونقلها للمكبات. وحتى المكبات أصبحت تمتلئ وتضيق بتلك المخالفات.. ومن بين تلك النفايات نجد مواد وأدوات بناء كثيرة مهملة ولكنها معظمها في حالة جيدة. بعض الناس يرمي أطقم صحية للحمامات وأبوابا ونوافذ وحتى المكيفات والثلاجات والأفران ومعظمها يتم تغييرها وهي ما زالت جديدة أو لم يمر عليها وقت من الزمن أو الاستعمال. ومعظمها لايحتاج إلا إلى إصلاح أو تنظيف بسيط ليصبح صالحا للاستعمال. ولكن البطر والإسراف وحب التغيير والمنافسة بين الناس للحصول على الأحدث أو الأغلى تجعل بعضهم يرمي تلك النفايات وهي ما زالت لها قيمتها الاستعمالية. بينما نجد أن هناك عائلات فقيرة لا تملك مساكن وإن ملكت أرضا أو حوشا فهي لا تملك المباني وأدوات ومواد البناء.
وعلى الرغم من أننا نجد أن هناك حاجة إلى تدوير هذه النفايات ليس فقط لأنها تعد عبئا على الأمانات والبلديات لما تتكلفه في عملية جمعها ونقلها للمكبات، إلا أننا يجب أن نفكر في إمكانية الاستفادة منها لحل مشكلة إسكان الفقراء والمحتاجين. بل إن إعادة تدوير بعض هذه المواد والأدوات والأجهزة يمكن إعادة تأهيله ليتم بيعه مرة أخرى سواء للفقراء أو متوسطي الدخل.
ولست أقلل هنا من قيمة وأهمية الفقراء أو شخصياتهم وإنما جرى العرف أن يتم إعادة تدوير الأشياء الأخرى, كما أشرت, مثل الملابس والأمتعة القديمة لهم ومنذ عقود فلماذا لا نفكر في إعادة تدوير مخلفات البناء ليستفيدوا منها؟
أقترح أن يكون هناك اهتمام بالموضوع. وأن يتم إما تفعيل دور المؤسسات والجمعيات الخيرية لتقوم بدورها وواجبها الاجتماعي في حل جزء من مشكلات إسكان الفقراء وفي الوقت نفسه التخفيف على الدولة في عبء تكلفة جمع النفايات ونقلها. وإما أن يتم إنشاء شركة مساهمة وطنية يكون دورها جمع تلك المخالفات لتتم إعادة تأهيلها أو تحويلها إلى مواد أخرى يمكن الاستفادة منها. وبعد ذلك يتم فرزها لنوعين, نوع يكون مستواه غير متكامل أو لم تكن إعادة تأهيله بالمظهر المطلوب ليتم التبرع به أو بيعه بأسعار رمزية على شركات بناء مساكن الفقراء. والنوع الذي يمكن إعادته إلى وضعه الطبيعي يتم بيعه بربح معقول يزيد على ما تكلفه عملية إعادة تأهيله وليضمن ربحا معقولا للشركة لتستمر في عملها.
أطقم حمامات تزيد قيمتها على ألفي ريال تراها مرمية لأن فيها شعر أو كسر بسيط أو أنها استعملت لأكثر من أربع سنوات أو لأن الموضة تغيرت أو لأن بعض أقاربهم غيروا أطقمهم الصحية. إسراف وبطر يضاعف من كميات النفايات في المدينة بينما هي مواد يمكن إعادة تأهيلها وبيعها. إن تكلفة التنظيف والتطهير أو الإصلاح أحيانا لا تتعدى 100 إلى 200 ريال ومن ثم يمكن التبرع بها لمساكن الفقراء والمحتاجين أو أن تبيعها الشركة بنصف قيمتها (ألف ريال) أو أقل, فالشركة ستكون مربحة وفي الوقت نفسه تحل مشكلات الفقراء والمحتاجين وتوفر العناء على الأمانات والبلديات والوطن.
دعونا نعيد النظر في مكونات مخالفات البناء وهي كثيرة منها:
1 - قطع متنوعة من أنواع الرخام مرمية لأن (المدام) لم يعجبها أو لأن زوجات الآخرين غيرن رخامهن. وهي قطع يمكن إعادة تقطيعها إلى قطع أصغر مثلا 30 × 30 سم أو 10 × 10 أو حتى مكسرة لتفرش كشكل جميل (كريزي كت) ليمكن استعمالها مرة أخرى. بالطبع نحن نتكلم عن مخلفات مشابهة لمخلفات المنازل الأخرى وعلى مستوى المدينة. فلو جمعناها لأصبحت آلاف الأمتار الصالحة للبلاط. وهذا ينطبق على مخلفات السيراميك والأحجار والسجاد, فمخلفات السجاد الجديد التي ترمى هي أحيانا يمكن تقطيعها إلى قطع صغيرة تكون فرشات للمداخل أو سجاجيد صغيرة.
2 - أطقم الحمامات كما أشرت أعلاه, وحتى لو لم يكن الطقم كاملا فإنه يمكن استعمال بعضه مثل الكرسي أو البيدية أو المغسلة مع العلم أنه لو نظرنا إلى مخلفات المدينة ككل فإننا حتما سنجد تكملة للطقم نفسه في مخلفات الآخرين, وحتى لو تغيرت الألوان فإن الفقير لن يناقش ذلك.
3 - الأجهزة المنزلية: المكيفات الفريون والصحراوية والثلاجات والأفران, ونجد في بعضها تلفا بسيطا ويمكن إعادة تأهيله واستعماله مرة أخرى.
4 - الأبواب والنوافذ وما أكثر ما نراها مرمية ومعظمها يمكن إعادة تأهيله واستعماله مرة أخرى, فبعضها عليها شعر أو خدش بسيط أو أنه وقع عليه دهان آخر أو توسخ أو صدأ بسيط. وهذه كلها لا تهم الفقير والمحتاج إلى المسكن.
5 - مواسير وأكواع وأفياش وقواطع يمكن إعادة قصها لوصلات صغيرة تباع مرة أخرى. فحجم تلك المواسير في مخلفات المدينة بآلاف الأمتار.
والاقتراح الآخر في حالة عدم تفعيل دور الجمعيات الخيرية أو تجاوبها أن تقوم الأمانات للمدن بتوفير أحواش على أطراف المدن مخصصة لرمي تلك النفايات وبحيث يكون كل حوش لنوع معين من تلك المخلفات. وبهذه الطريقة يذهب الفقراء والمحتاجون إليه, فالفقير الذي يحتاج إلى قطعة حمام مثل كرسي أو مغسلة يذهب إلى حوش الأطقم الصحية ويقوم باختيار ما يناسبه ليقوم هو بتنظيفه وتطهيره أو إعادة تأهيله. ومن يحتاج إلى بلاط يذهب إلى حوش البلاط. وهكذا يكون الوضع لبقية المخلفات طريقة بدائية ولكنها حل سريع للمشكلة لحين تتم دراستها بطريقة مهنية ومفيدة ومجدية للمجتمع ولحل مشكلات إسكان الفقراء والمحتاجين. أو أن تطور الفكرة لتكون شركة مساهمة لإعادة تدوير مخلفات البناء بطريقة أفضل ليتم بيعه بأسعار رمزية إلى المحتاجين والطيب منها يتم بيعه إلى متوسطي الدخل ليكون مشروعا مربحا للوطن ومفيدا للجميع. فهو ربح مادي وفي الوقت نفسه توفير من معاناة البلديات ويوفر عليها كثيرا. كما أن إعادة التدوير يوفر علينا عمليات الاستيراد من الخارج وتكاليف الشحن وعمال الشحن والتفريغ والمستودعات والشاحنات التي تزعجنا في الطرق وتلوث الجو.
سبق أن كتبت عن هذا الموضوع أكثر من مرة ولم أر أي إشارات إلى تحرك أي جهة للتوعية بالموضوع. وأعتقد أننا جاهزون لإعادة تدوير النفايات بطريق منظمة ولكننا نحتاج إلى البدء التدريجي وبحيث يقوم كل مواطن بوضع كل نوع من النفايات في صندوق خاص له سواء عند البيت أو في المحال العامة على الطريق. مثلا صندوق نفايات للزجاج والبلاستيك فقط والآخر للأوراق.