الاقتصاد القطري بين الواقع والطموح

حديثا أدلى يوسف كمال وزير المالية القطري بتصريحات صحافية لافتة تناولت أمورا تمس ماضي ومستقبل اقتصاد بلاده. من جملة الأمور، توقع الوزير أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي القطري نسبة نمو ما بين 7 و9 في المائة في عام 2009. وتبقى النتيجة النهائية مرهونة بمسألة متوسط سعر النفط في الأسواق العالمية. يسهم القطاع النفطي أي النفط والغاز بنحو ثلاثة أرباع دخل الخزانة العامة لقطر. كما سيرتبط أداء الاقتصاد القطري بشكل جزئي بمدى تأقلمه مع تداعيات الأزمة المالية العالمية المستمرة.
بدورنا نؤيد ما ذهب إليه الوزير فيما يخص توقعات النمو مع الأخذ في الحسبان أداء الاقتصاد القطري في السنوات القليلة الماضية. على سبيل المثال، حقق الاقتصاد القطري نموا فعليا قدره 16 في المائة في عام 2008 أي الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي. لكن عانى الاقتصاد القطري من نسبة تضخم عالية في حدود 15 في المائة, ما يعني تسجيل نمو اسمي في حدود 29 في المائة, ما يعد نتيجة متميزة بكل المقاييس.

اعتراف لافت
اللافت في الأمر اعتراف الوزير القطري باجتياز اقتصاد بلاده مرحلة صعبة وصلت لحد التهديد بالإفلاس. والإشارة هنا إلى لجوء السلطات القطرية في فترة التسعينيات لأسواق المال العالمية للحصول على التمويل اللازم لتطوير صناعة الغاز على وجه التحديد. وقد نجحت السلطات القطرية في توظيف الأموال في تطوير صناعة الغاز بدليل النتائج التي تحققت في فترة قياسية.
تعد قطر اليوم أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال متخطية بذلك إندونيسيا التي تربعت على العرش لعدة سنوات. يبلغ حجم الإنتاج في الوقت الحاضر نحو 39 مليون طن في السنة لكن يتوقع أن تتخطى الطاقة الإنتاجية حاجز 77 مليون طن سنويا مع حلول عام 2012. لدى قطر زبائن لشراء الغاز في اليابان وكوريا الجنوبية وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
تمتلك قطر ثالث أكبر مخزون للغاز الطبيعي على مستوى العالم بعد روسيا وإيران. حسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، يبلغ حجم الاحتياطي القطري من الغاز نحو 910 تريليونات قدم مكعب مشكلا نحو 15 في المائة من حجم الاحتياطي العالمي. يعد حقل الشمال الأكبر من نوعه في العالم بالنسبة للغاز غير المصاحب للنفط. يسجل لقطر نجاحها في استقطاب شركات غربية وخصوصا من الولايات المتحدة لتوظيف أحدث أساليب التقنية في تطوير صناعة الغاز فيها.

التركيز على التعليم
وهناك جانب حيوي آخر في تصريحات الوزير القطري وتحديدا النتائج المرجوة من التركيز على قطاع التعليم. فقد نجحت السلطات القطرية في جلب العديد من الجامعات العالمية وخصوصا الأمريكية منها لفتح فروع لها في المنطقة التعليمية في الدوحة. وتشمل التخصصات المطروحة الهندسة والطب وتقنية المعلومات وإدارة الأعمال. يشكل موضوع تطوير القدرات العلمية للمواطنين حجر الزاوية لمسألة التنمية الاقتصادية المستدامة بالنسبة لأي اقتصاد.
كما ذكر الوزير في تصريحه أن الشركات الصناعية والثقيلة في قطر تبعث المواطنين للجامعات شريطة الموافقة على العمل لديها بعد التخرج. يعد هذا الأمر ترجمة عملية لتحمل المؤسسات الوطنية التي تحصل على الدعم الرسمي مسؤولياتها الاجتماعية تجاه المواطنين. وفي كل الأحوال، يسهم العدد المحدود للمواطنين الذين لا يزيد عددهم على ربع مليون نسمة في إقناع الشركات الوطنية بتوفير الرعاية العلمية للراغبين منهم في الحصول على التعليم الجامعي.
تحتل قطر المرتبة الثالثة بين الدول العربية فيما يخص الترتيب على مؤشر التنمية البشرية بعد كل من الكويت والإمارات. فقد حلت قطر في المرتبة رقم 34 عالميا مقارنة بالمرتبة 29 للكويت و31 للإمارات في تقرير التنمية البشرية عام 2008. يعتمد المؤشر الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على ثلاثة متغيرات عند تقييم الدول وهي العمر المتوقع عند الولادة ونسبة المتعلمين ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. حسب التقرير، يبلغ نصيب الفرد في قطر 73 ألف دولار في السنة حسب مفهوم القوة الشرائية, ما يعني ثاني أعلى مستوى دخل دوليا بعد لوكسمبورج. ويعود مستوى الدخل المتميز في جانب منه إلى نتائج تطوير صناعة الغاز. وليس من المستبعد أن تتمكن قطر من تحسين ترتيبها على مؤشر التنمية البشرية في السنوات القليلة المقبلة بعد جنيها ثمار الاستثمار في التعليم والصحة.

مركز مالي
من جهة أخرى، أشار الوزير إلى طموح بلاده لتصبح أهم مركز مالي في المنطقة بأسرها. بيد أنه من الصعب حصول ذلك في المستقبل المنظور بالنظر للمنافسة القوية من البحرين ودبي. وكانت المنامة قد تحولت لواجهة مالية على مستوى المنطقة بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان منتصف السبعينيات. تهتم السلطات البحرينية بهذا القطاع لكونه يشكل ربع الناتج المحلي بالأسعار الثابتة. في المقابل، تولي السلطات في دبي أهمية خاصة لقطاع الخدمات المالية، حيث تمكنت من فرض الإمارة مركزا لتمويل التجارة الدولية. لكن من حق قطر أن تعمل جاهدة لتحويل الدوحة مركزا دوليا في مجال الخدمات المالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي