استراتيجية القضاء على البطالة

ما فتئ ارتفاع معدل نمو السكان بأكثر من قدرة اقتصادنا على توليد فرص العمل وما يصاحبه من ارتفاع معدل البطالة يعد واحدا من أخطر التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه مجتمعنا وتحدد مستقبله واستقراره. وما انفكت بيانات الأمم المتحدة تشير إلى تصاعد معدل البطالة بشكل مخيف بين الفئة الشابة التي تشكل غالبية هيكل السكان في بلدنا وفي جميع مجتمعاتنا العربية، حتى غدا عالمنا العربي أكبر خزان للعاطلين عن العمل في العالم! وهي ظاهرة مقلقة لأن تجاهلها يجعلنا ننام على قنابل موقوتة.
وتقارير التنمية الصادرة عن الأمم المتحدة تشير إلى أن نسبة البطالة في العالم العربي تتراوح بين 24 و32 في المائة، وأن الدول العربية تحتاج إلى 100 مليون فرصة عمل خلال الـ 20 عاما المقبلة. أما عندنا، فالتقارير الرسمية تشير إلى أن معدل البطالة يدور حول 10 في المائة، بيد أن بعض التقديرات غير الرسمية تقدرها بأكثر من ضعف هذا الرقم. وهي متفشية بين الإناث أكثر من الذكور على الرغم من أن نسبة كبرى منهن تحمل شهادات جامعية عكس الذكور.
إن الأجيال الصاعدة في حاجة إلى تأمين أمنها الوظيفي، وتحقيق هذا الأمن في أي مجتمع مرتبط بتطوير أنظمته في التعليم والصحة والقضاء والإسكان، فالتصنيف الشامل للمخاطر التي تتهدد أمن الإنسان حسب تعريف المنظمات الدولية يقوم على ''تحرر الإنسان من التهديدات الشديدة المنتشرة والممتدة زمنيا التي تتعرض لها حياته وحريته''.
جاء الإعلان عن موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية التوظيف السعودية الجديدة ليعكس اهتمام الحكومة البالغ بهذه القضية المصيرية. وهي خطوة أولية مهمة ستشكل إطاراً مرجعياً لمعالجة قضايا سوق العمل وفق رؤية حددتها الدراسة في: توفير فرص عمل كافية من حيث العدد، وملائمة من حيث الأجر، تؤدي إلى توظيف كامل للموارد البشرية السعودية، وتحقق ميزة تنافسية للاقتصاد الوطني. ويبدو - كما أعلن - أن هذه الاستراتيجية ليست مجرد خطة للتشغيل  فحسب، وإنما هي خطة واسعة تسعى لمعالجة اختلالات سوق العمل بتركيز أكبر على قضايا مهمة مثل تحسين الإنتاجية من خلال التأهيل والتدريب والاستخدام الأمثل للعمالة الوطنية. ومن الواضح أنها جاءت وليدة جهد مضن بدأ منذ سنوات ومر بعدة مستويات من الدراسة والفحص والمناقشة والمراجعة انتهت إلي  تحديد دقيق  لطبيعة المشكلة والأهداف العامة والمرحلية التي ستتوخاها وزارة العمل، حتى حظيت أخيرا بموافقة المجلس الاقتصادي الأعلى ثم مجلس الوزراء.
وإذا تمكنت وزارة العمل من السيطرة على البطالة في الأجل القصير، من خلال توظيف أعداد من الراغبين في العمل لا تقل عن أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل، ثم نجحت خلال المدى المتوسط  في تخفيض معدل البطالة ذاته معتمدة على سياسات تحفيز النمو في معدلات التوظيف ومعدلات الإنتاجية، حتى تصل بالعمالة الوطنية لمستوى يحقق ميزة تنافسية للاقتصاد الوطني على المدى البعيد، فإنها ستكون قد صنعت مجدا وطنيا خالدا سينقل البلاد نقلة تنموية بعيدة المدى. وهذه ليست أهدافا مستحيلة، ولكنها في حاجة إلى إرادات ماضية وعزائم صادقة وجهود دائمة تكون مستعدة لعمل كل ما يلزم لتحقيق هذه الأهداف الاقتصادية العظيمة.
المطمئن في هذه الاستراتيجية أن لها منهجية واضحة وبرامج زمنية خاضعة لمعايير ومؤشرات كمية محددة قابلة لقياس الأداء. كما سرني إشارة القائمين عليها بشكل واضح إلى أن سوق العمل لا يمكن أن يكون منفصلا عن الاقتصاد ككل. وهذا يقتضي مراعاة التداخل بين جهود الإصلاح الاقتصادي وجهود إصلاح سوق العمل. فإذا لم نصلح نظامنا التعليمي ليواكب متطلبات العصر، وإذا لم نجر من الإصلاحات في نظامنا الاقتصادي والاجتماعي القدر الذي يضمن نجاح هذه الاستراتيجية، فستذهب جهودنا هباء. إن القضاء على البطالة مسؤولية اجتماعية، والتحدي الحقيقي الآن هو تحويل هذه الاستراتيجية من فكر إلى واقع. وكلنا أمل ألا نخذل أبناءنا حاضرا ولا مستقبلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي