رسائل نفطية!

أصدر كل من وكالة الطاقة الدولية و''أوبك'' وإدارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأمريكية في الأشهر الأخيرة توقعاتها لاتجاهات استهلاك وإنتاج وتجارة الطاقة حتى عام 2030. ورغم التشابه الكبير في النتائج العامة لتوقعات هذه الهيئات، إلا أن هناك فروقا بينها تتعلق بالتفاصيل أكثر من العموميات. وتشترك هذه التوقعات في أنها كلها تتوقع أن يظل الوقود الأحفوري، الذي يشمل الفحم والنفط والغاز، المصدر الأساس للطاقة خلال هذه الفترة، وأن الطلب على النفط سيرتفع، خاصة في الدول النامية.
وتتوقع كل هذه الهيئات أن يرتفع الطلب على النفط من نحو 83 مليون برميل حالياً إلى أكثر من 100 مليون برميل عام 2030. وتشير بعض التوقعات إلى أنه حتى لو تبنت الدول المستهلكة قوانين بيئية صارمة فإن الطلب على النفط سيزيد، ولكن بكميات أقل مما ذكر سابقاً. كما تتوقع كل هذه الهيئات أن انخفاض الطلب على النفط مقارنة بالتوقعات السابقة يعود إلى زيادة كفاءة استخدام النفط، وليس إلى انتشار البدائل، وهو أمر له انعكاساته على العلاقة بين الدول المنتجة والمستهلكة، كما يبين ضرورة تبني الدول المنتجة لسياسة إعلامية مهمتها مواجهة الإعلام الغربي المضلل، ومواجهة السياسيين الذين يعادون النفط لأن العداء للنفط أصبح ''موضة العصر''. ويمكن اختصار نتائج توقعات الهيئات المختلفة على شكل رسائل قصيرة كما يلي:
الرسالة الأولى: ليست هناك بدائل، والعالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة. إن أهم نتيجة من توقعات الهيئات المختلفة للطلب على الطاقة هي أن الطلب على الطاقة سينمو في كل أنحاء العالم وبمعدلات عالية لدرجة أننا نحتاج إلى كل مصادر الطاقة. إن هذه الزيادة الكبيرة في الطلب على الطاقة تعني أن الحديث عن ''البدائل'' يجب أن يتوقف لأننا نحتاج إلى مصادر الطاقة كلها، بما في ذلك النفط ومصادر الطاقة المتجددة.
الرسالة الثانية: سيكون دور الطاقة المتجددة صغيرا، ولكنه مُهم. فكل التوقعات تشير إلى نمو الطاقة المتجددة باستمرار خلال العقدين المقبلين، ولكن حصة الطاقة المتجددة من إجمالي استهلاك الطاقة سيبقى بسيطا. وأهمية الطاقة المتجددة تأتي من كون أنها تسد فجوة في الطلب على الطاقة.
الرسالة الثالثة: زيادة الكفاءة في استخدام المشتقات النفطية من مصلحة الدول المنتجة والمستهلكة. فالطلب على النفط سيزيد، والطاقة المتجددة لن تكون بديلا له، والحل الوحيد لتخفيض الطلب على النفط، سواء لأسباب سياسية أو بيئية، سيكون عن طريق زيادة الكفاءة في الاستهلاك. وتشير التوقعات إلى أن الجزء الأكبر من انخفاض الطلب على النفط في المستقبل مقارنة بتوقعات السنوات السابقة يعود إلى تحسن الكفاءة في الاستخدام، كما تشير إلى أن أغلب الانخفاض الناتج عن تطبيق قوانين بيئية صارمة في الدول المستهلكة يعود إلى زيادة الكفاءة في الاستخدام أيضا. انخفاض الطلب بسبب تحسين الكفاءة في الاستخدام يفيد الدول المستهلكة لأنه يخفض تكاليف النفط من جهة، ويخفف من انبعاث غازات الاحتباس الحراري من جهة أخرى. أما بالنسبة إلى الدول المنتجة فإنه يضمن حياة أطول لاحتياطيات النفط ويبقيها للأجيال القادمة، في وقت تم فيه ضمان استمرار الطلب على النفط. إضافة إلى ذلك فإن الدول المنتجة للنفط ستستفيد من التكنولوجيا الجديدة لأنها ستخفض أيضا استهلاكها من النفط، الأمر الذي سيؤدي إلى توجيه الكميات الموفرة للصادرات، كما أنه سيؤدي إلى تخفيض كميات الإعانات الحكومية للمشتقات النفطية. هذا يعني أن التكنولوجيا الجديدة ستمكن الدول المنتجة من زيادة صادراتها دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة لزيادة الطاقة الإنتاجية.
الرسالة الرابعة: الاستثمار في زيادة الكفاءة في استخدام المشتقات النفطية أجدى من الاستثمار في البحث عن بدائل. ويعزز ذلك التوقعات المختلفة، خاصة أن بعض البدائل لم توجد إلا بسبب الدعم الحكومي، ولا تستطيع العيش دون الدعم الحكومي.
الرسالة الخامسة: مقابلة الطلب المستقبلي على النفط تتطلب جهودا كبيرة من الدول المنتجة. فالاستثمار في الطاقة الإنتاجية لمواجهة معدلات النضوب والزيادة في الطلب على النفط يتطلبان أموالا هائلة، وبما أن أغلب الاحتياطيات تحت سيطرة شركات النفط الوطنية فإن أكثر العبء يقع عليها.
خلاصة الأمر أنه ليس هناك بدائل، وعلى سياسيي الدول المستهلكة أن يدركوا أن النفط سيبقى أحد مصادر الطاقة الأساسية في المستقبل، وأن الاستثمار في الطاقة المتجددة مطلوب ليسدّ فجوة في الطلب على الطاقة، وليس كبديل للنفط. وعلى جميع الأطراف، بمن في ذلك قادة الدول المنتجة، أن يدركوا أن هناك حاجة ماسة إلى تحسين الكفاءة في استخدام المشتقات النفطية، وأن هذا التحسين من مصلحة الجميع، حتى لو أدى إلى انخفاض نسبي في الطلب على النفط مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى.
وفي الختام لا بد من تذكير القراء بأمر مهم وهو أن المتحمسين لمصادر الطاقة المتجددة يتجاهلون أن التقدم التكنولوجي ينطبق على كل الصناعات، وليس على الصناعات التي يؤيدونها فقط. إن كل من يظن أن التقدم التكنولوجي سيكون في كل مصادر الطاقة ''البديلة'' بينما ستقف صناعة النفط مكتوفة الأيدي يعيش أحلام اليقظة ويتجاهل تاريخ الطاقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي