حين تأتي الحوافز الاقتصادية بنتائج عكسية ماذا يحدث؟

حين تأتي الحوافز الاقتصادية بنتائج عكسية ماذا يحدث؟

تعتمد المنظمات، والمجتمعات على الغرامات، والمكافآت في جعل السيطرة على المصلحة الذاتية تعمل على خدمة المصلحة العامة. والتهديد بمخالفة يُبقي السائق ملتزماً بقواعد السير، والوعد بمكافأة يحرك الأداء العالي. ولكن يمكن أن تأتي الحوافز بنتائج عكسية، مدمّرة كامل السلوك الذي كان هدفه التشجيع على ممارسته.
وقبل جيل من الزمن، ادعى ريتشارد تيتموس أن دفع المال للناس المتبرعين بالدم خفض العرض. وكان الخبراء الاقتصاديون متشككين، مستشهدين بنقص الإثبات التجريبي. ولكن منذ ذلك الحين، شجعت البيانات، والنماذج الجديدة على وجود نوع من التغير في كيفية تفكير الخبراء الاقتصاديين بشأن الحوافز، مظهرين، من بين أمور أخرى أن تيتموس كان محقاً على الأغلب في ضرورة أن تستفيد النشاطات العملية من هذه الملاحظة.
ووجد الخبراء الاقتصاديون التجريبيون أن عرض تقديم المال للنساء للتبرع بالدم يقلص عدد الراغبات في التبرع بالدم بنحو النصف، وأن دفعهن للمساهمة في الأعمال الخيرية يعكس التأثير. خذ بعين الاعتبار مثالاً آخر: حين بدأت ستة مراكز رعاية نهارية في حيفا في إسرائيل، بتغريم الآباء على الوصول المتأخر من أجل أخذ أطفالهم، تضاعف عدد الآباء المتأخرين. وعلى ما يبدو فإن الغرامة عملت على تقليص التزامهم الأخلاقي لتجنب إزعاج المعلمين، وأدت بهم للتفكير في التأخير ببساطة على أنه سلعة يمكنهم امتلاكها.
وتُظهر عشرات التجارب الأخيرة أن مكافأة المصلحة الذاتية بحوافز اقتصادية يمكن أن تكون مصحوبة بنتائج عكسية حين تقلل من شأن ما يدعوها آدم سميث «المشاعر الأخلاقية». ولكن علم النفس هنا استعصى على الاقتصاديين العاديين، ولكن ليس من المفاجئ بالنسبة للناس في مجال النشاط العملي: فحين نتسلم وظيفة، أو نشتري سيارة، فنحن لا نحاول فقط الحصول على الأشياء، ولكن نحاول كذلك أن نكون نوعاً ما من الأشخاص الذين يأملون في الحصول على التقدير من قبل الآخرين، وأن يُنظر إليهم كأشخاص خلوقين، ومبجلين. وهم لا يريدون أن يُنظر إليهم كمغفلين. فمكافأة التبرع بالدم يمكن أن تأتي بنتائج عكسية لأنها تشير إلى أن المتبرع أقل اهتماماً بأن يكون محباً للغير من أن يحصل على النقود. وتؤدي الحوافز إلى المشاكل كذلك حين تشير إلى أن صاحب العمل لا يثق بالموظف، أو أنه جشع. وإن المراقبة الوثيقة للموظفين المقترنة بمكافأة الأداء هي ما تنص عليه كتب علم الاقتصاد، وهي وصفة لموظفين كئيبين.
ربما الأهم من ذلك هو، أن الحوافز تؤثر في ما تشير إليه أفعالنا، سواء كنا نركز على المصلحة الذاتية، أو التفكير المدني، متلاعبين أم موثوقين. ومن الممكن أن تشير، أحياناً بصورة خاطئة، إلى ما يحفزنا. وإن الغرامات، أو التوبيخ العام الذي يروق لمشاعرنا الأخلاقية بالإشارة إلى عدم الموافقة الاجتماعية (فكّر بالقمامة) يمكن أن يكون بالغ التأثير. ولكن الحوافز تكون خاطئة حين تسيء إلينا، أو تدمر مشاعرنا الأخلاقية.
لا يعني ذلك أن من المستحيل استساغة المصلحة الذاتية، والحوافز الأخلاقية في الوقت ذاته، ولكن مجرد الجهود للقيام بذلك تفشل في العادة. ومثالياً، تدعم السياسات الغايات ذات القيمة الاجتماعية، ليس فقط عن طريق فرض السيطرة على المصلحة الذاتية، ولكن كذلك عن طريق تشجيع الغيرة على المصلحة العامة. والضريبة البسيطة على أكياس البقالة البلاستيكية التي تم فرضها في ايرلندا عام 2002 التي نتجت عن التخلص العملي منها، اتسمت على ما يبدو بالتأثير المطلوب. فقد عاقبت المسيئين مالياً، بينما كانت تحمل رسالة أخلاقية. إن حمل حقيبة بلاستيكية بينما يرتدي المرء معطفاً من الفرو يدخل في معرض المفارقة التاريخية للتناقض الاجتماعي.
إن فهم السبب وراء تجاوب المتسوقين الأيرلنديين بإيجابية مع الغرامة، على خلاف الآباء في حيفا، هو التحدي التالي. فكيف يمكن أن يكون تصميم حوافز تعاونية موضوعاً مثيراً للخبراء في مجال الاقتصاد السلوكي خلال الأعوام المقبلة؟ إن صانعي السياسات التنظيمية والاجتماعية يبلون بلاءً حسناً في فحص أنظمتهم التحفيزية ليتأكدوا مما إذا كانت تشجع بصورة غير مقصودة نقيض السلوك الذي يرغبون فيه.

صموئيل باولز يدير برنامج العلوم السلوكية في معهد سانت فيه، وهو أستاذ في الاقتصاد في جامعة سيناء. وهو مؤلف كتاب «الاقتصاد الجزئي: السلوك، والمؤسسات، والتطور – Microeconomics: Behavior Institutions and Evolution (دار برينستون للنشر – 2004).

الأكثر قراءة