أداء الاقتصاد العماني في 2008
حقق الاقتصاد العماني نتائج متميزة في 2008 رغم تذبذب أسعار النفط, فضلا عن ظهور معضلة الأزمة المالية العالمية خلال السنة. من جملة الأمور، تم تحويل العجز المالي المتوقع في الميزانية إلى فائض نوعي. أيضا شهدت السنة الماضية انخفاضا في مؤشر التضخم كنتيجة مباشرة لتراجع أسعار النفط.
تشير الأرقام الرسمية إلى تسجيل نسبة نمو قدرها 44 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية, وعليه اقترب حجم الاقتصاد العماني من خط 60 مليار دولار بالأسعار الجارية. وقد أسهم كل من القطاعين النفطي وغير النفطي بنحو 29 و15 في المائة من نسبة النمو على التوالي. وربطت السلطات المسؤولة نمو القطاع غير النفطي بحدوث تطورات إيجابية في صناعة الألمنيوم وصناعة المنتجات الكيماوية.
في المقابل، اقتصرت نسبة نمو الأسعار الثابتة أي المعدلة لعامل التضخم بنحو 13 في المائة فقط. يشار إلى أن أسعار الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية تأخذ في الحسبان مسألة ارتفاع أسعار النفط, التي شهدت ارتفاعا نوعيا في النصف الأول من 2008.
تحويل العجز إلى فائض
تم إعداد ميزانية عام 2008 بإيرادات ومصروفات قدرها 13.8 مليار دولار و14.8 مليار دولار على التوالي, مخلفا عجزا ماليا بحجم مليار دولار. بيد أنه كشفت الحسابات القومية عن وجود تباين ملحوظ بين الأرقام المقدرة والفعلية. في التفاصيل، ارتفعت القيمة النهائية للإيرادات إلى 20.7 مليار دولار, مشكلا زيادة قدرها 49 في المائة عن الأرقام الأولية. وحدث هذا التطور النوعي على خلفية ارتفاع أسعار النفط بشكل جوهري في 2008، حيث اقتربت من خط 150 دولارا للبرميل مقارنة بـ 45 دولارا متوسط سعر النفط لميزانية السلطنة. يسهم القطاع النفطي بثلاثة أرباع دخل الخزانة العامة للسلطنة.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت قيمة المصروفات الفعلية بنسبة 12 في المائة إلى 16.6 مليار دولار. ويبدو أن زيادة الدخل النفطي وفرت للسلطات فرصة تعزيز النفقات العامة. وعلى هذا الأساس، نجحت الحكومة في تحويل العجز المتوقع بقيمة مليار دولار إلى فائض يفوق عن أربعة مليارات دولار, لكن رغم إيجابيته، كشفت مسألة تحويل العجز إلى فائض عن سوء تقدير عند إعداد الميزانية العامة, وعن ضياع فرص التخطيط السليم للصرف على التحديات التي تواجه السلطنة, وخصوصا توفير فرص عمل للداخلين الجدد إلى سوق العمل. لا تقل نسبة البطالة في عمان عن 15 في المائة في أوساط المواطنين المؤهلين للتوظيف أغلبيتهم من الإناث.
تنامي أهمية القطاع النفطي
حقيقة القول، كشفت نتائج السنة المالية 2008 عن الأهمية النسبية الكبيرة للقطاع النفطي في الاقتصاد العماني, فقد أسهم القطاع النفطي بنحو 51 في المائة من الناتج المحلي بالأسعار الجارية. في المقابل، بلغ متوسط نصيب القطاع النفطي نحو 46 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعمان في السنوات الأربع الماضية, لكن تعززت نسبة المساهمة في 2008 بسبب تقلبات أسعار النفط في الأسواق الدولية. يشار إلى أن عمان ليست دولة عضوا في منظمة ''أوبك'', كما لا تمتلك قدرة التأثير في الأسعار.
كما أسهم القطاع النفطي بنحو 79 في المائة من الإيرادات الصافية, إضافة إلى 85 في المائة من صادرات السلع ذات المنشأ العماني, و76 في المائة من الصادرات السلعية. وكانت السلطات قد قدرت مساهمة القطاع النفطي بنحو 78 في المائة من دخل الموازنة العامة في السنة المالية 2008, مقسمة بين 67 في المائة للنفط و11 في المائة للغاز. عموما، لا تعد هذه الإحصاءات أنباء سارة لأنها تجعل الاقتصاد العماني تحت رحمة التطورات في أسواق النفط.
وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن الاقتصاد العماني اقتصاد نفطي في الدرجة الأولى. وتشكل هذه الإحصاءات تحديا لخطة تقليص مساهمة القطاع النفطي إلى 9 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020.
تحجيم التضخم
إضافة إلى كل ذلك، تم تسجيل إيجابية أخرى تتمثل في تحجيم عامل التضخم من نحو 14 في المائة في منتصف عام 2008 إلى أقل من 10 في المائة مع نهاية السنة. ويمكن ربط هذا التطور بتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية, وبالتالي قدرة الدول المستوردة للنفط على تقليص أسعار المنتجات المصدرة. وكانت أسعار النفط قد بلغت 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) لكنها هبطت إلى أقل من 40 دولارا للبرميل مع نهاية 2008. كما تؤكد الإحصاءات الرسمية تحقيق فائض قياسي في الميزان التجاري بلغ 14.8 مليار دولار في 2008 بسبب ارتفاع أسعار النفط خلال السنة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل بمقدور الاقتصاد العماني تحقيق نتائج إيجابية في السنة المالية 2009, التي بدورها شهدت تذبذبا لأسعار النفط خلال النصف الأول؟
حقيقة القول: النتائج الأولية ليست كلها إيجابية، حيث تشير الإحصاءات المتوافرة إلى تراجع الدخل النفطي بواقع 20 في المائة في الربع من عام 2009 مقارنة بالفترة نفسها من 2008 بسبب تدهور أسعار النفط.