أوبك .. «تضرب الحصان الميّت»

هناك مثل أمريكي يقول «لا تضرب الحصان الميت»، في إشارة إلى أنه أي جهود لأحياء الحصان أو جعله يتحرك ستضيع سدى. منذ سنوات و«أوبك» تشتكي الضرائب العالية على المشتقات النفطية في الدول المستهلكة، خاصة الأوروبية منها. وكان آخر هذه المحاولات تقرير أصدرته «أوبك» أخيرا استمرت فيه في «ضرب الحصان الميت».
قبل الخوض في التفاصيل، لنتصور ماذا سيكون موقفنا وموقف حكومات الدول النامية لو قامت شركات السيارات العالمية بمطالبة الدول النامية بتخفيض الضرائب على استيراد السيارات بحجة أن الضرائب التي تفرضها بعض الدول على استيراد السيارات عالية لدرجة أن هذه الضرائب تتجاوز سعر السيارة نفسها؟ وماذا سيكون موقف الدول النامية إذا قامت شركات الأغذية العالمية بالمطالبة بتخفيض الضرائب على واردات الأغذية، لأن ما تحصَله بعض الدول من ضرائب على واردات الأغذية أكبر من أرباح شركات الأغذية؟ ولنتصور أيضا ماذا سيكون موقفنا لو قامت شركات التبغ الأمريكية بالمطالبة بأن تحصل على نصف الضرائب المفروضة على واردات التبغ في البلاد العربية، مقابل أن تقدم التبغ مجاناً، لأن عائدات ضرائب منتجات التبغ أعلى بكثير من عائدات شركات التبغ؟ ورغم أن مثال التبغ هنا للمبالغة، لكن الأمر ينطبق على كل ما تستورده الدول العربية وتفرض ضرائب عليه.
إن ما تدعو له «أوبك» مماثل تماماً لما ذكر أعلاه. «أوبك» تطالب الدول المستهلكة بتخفيض الضرائب على النفط. وكان وزير خليجي قد ذكر أكثر من مرة أنه مستعد أن يعطي نفط بلاده مجانا للأوربيين مقابل أن يحصل على نصف الضرائب التي يجمعها الأوروبيون من الضرائب على المشتقات النفطية. إن المنطق يفرض على من يؤيد موقف «أوبك» أن يقبل قيام الشركات الأجنبية بمطالبة الدول النامية بتخفيض الضرائب على الواردات أو المشاركة فيها.
في تقريرها الأخير، ذكرت «أوبك» أن مجموعة الدول السبع جمعت بين عامي 2004 و2008 مبلغا قدره 3.42 تريليون دولار من الضرائب على المنتجات النفطية، بينما كانت عائدات «أوبك» من صادرات النفط أقل من ذلك، حيث وصلت إلى 3.35 تريليون دولار. تصور عزيزي القارئ، هذه الدول السبع حققت إيرادات من الضرائب على النفط أعلى من إيرادات «أوبك». هل تظن أن هذه الأموال من حق الدول النفطية وليست من حق الدول الأوروبية؟
رغم عدم منطقية طرح «أوبك» لأسباب عدة ذكر بعضها أعلاه، إلا أن إصرار «أوبك» على تكرار الموضوع وعرضه بطريقة معينة يعد مضللاً، خاصة للقارئ العربي، فطريقة عرض الأرقام توحي لأغلب القراء أن مبلغ 3.42 تريليون دولار الذي جمعته الدول السبع هو مبلغ كان من المفروض أن يكون من حق «أوبك»، ولكن الحقيقة غير ذلك، لأن إلغاء الضرائب بشكل كامل على المشتقات النفطية لا يعني أن أسعار النفط ستكون بالمستوى نفسه مع وجود الضرائب. مثلا، لنفرض أن سعر لتر البنزين في الأسواق العالمية يعادل دولارا واحدا، وأن فرض ضرائب عليه بمقدار ثلاثة دولارات سيرفع السعر إلى أربعة دولارات (هذا مثال فقط. في الحقيقة فرض ضرائب بمقدار ثلاثة دولارات لن يرفع السعر إلى أربعة دولارات، ولكن أقل من ذلك). لو تم إلغاء الضرائب، ماذا يكون سعر البنزين؟ السعر سيكون هو السعر العالمي، دولار واحد. هذا يعني أن ما تحققه الدول الأوروبية من عوائد من الضرائب على النفط لن يذهب إلى «أوبك» في حالة إلغاء الضرائب.
ولكن إلغاء الضرائب سيخفض أسعار البنزين من أربعة دولارات إلى دولار واحد. هذا التخفيض سيؤدي إلى زيادة الطلب على المدى الطويل. أسعار النفط سترتفع، وعائدات دول أوبك سترتفع، ولكن في حالة واحدة فقط وهي عدم زيادة الإنتاج بشكل يتناسب مع الزيادة في الطلب. وبما أن «أوبك» تدعي أنها تتحكم في الإنتاج، فإن عدم زيادة الإنتاج وارتفاع الأسعار يعود إلى تصرفات «أوبك» وليس إلى الضرائب! ولكن حتى لو لم يرتفع الإنتاج لأسباب لا علاقة لها بـ «أوبك»، فإن الأسعار لن ترتفع بشكل كبير. هذا يعني أن إلغاء الضرائب تماما على النفط يمكن أن يؤدي إلى زيادة عائدات «أوبك» بشكل طفيف، ولكن على المدى الطويل فقط. وإذا عدنا إلى الأفكار المذكورة في البداية، وبدأت الدول الأخرى تطالب «أوبك» بإلغاء ضرائبها على الواردات المختلفة مقابل قيام هذه الدول بإلغاء الضرائب على النفط، ماذا سيحصل لإجمالي إيرادات دول أوبك من النفط والضرائب المختلفة؟
وتستمر «أوبك» في «ضرب الحصان الميت» وفي عدم المنطقية في الطرح، عندما تلوم المضاربين على رفع أسعار النفط، وتلوم حكومات الدول المستهلكة على عدم اتخاذ إجراءات صارمة للتخفيف من حدة المضاربات. أين التناقض هنا؟ إذا كان ارتفاع الأسعار يعود للمضاربات وتساهل الدول المستهلكة في الموضوع، فإن على «أوبك» أن تشكر الدول المستهلكة على الارتفاع الهائل في عائدات «أوبك» في السنوات الماضية! وبما أن الضرائب مرتبطة بالسعر في كثير من البلدان، فإن ارتفاع الضرائب على المشتقات النفطية في بعض البلاد في السنوات الأخيرة يعود إلى ارتفاع الأسعار الذي سببته المضاربات.. التي سمحت بها الدول المستهلكة.
الضرائب على النفط.. صمام الأمان
إن اعتماد موازنات الدول المستهلكة، خاصة الأوروبية منها، على ضرائب المشتقات النفطية بشكل كبير هو صمام الأمان لدول أوبك، لأنه سيضمن أن هذه الدول لن تتخذ إجراءات حاسمة للتخلص من واردات النفط، فكلنا يعرف أن هناك عداء كبيراً للنفط، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، ولكن هذا العداء لن يترجم في الواقع إلى التخلص من النفط لأسباب عدة، أهمها أن موازنات هذه الدول ستنهار، وستنهار معها مستويات النمو الاقتصادي. وهنا تكمن مشكلة أخرى تتجاهلها «أوبك»: الضرائب على المشتقات النفطية تتحول بطريقة أو بأخرى إلى إنفاق حكومي، يسهم بدوره في رفع مستويات النمو الاقتصادي، الذي يؤدي إلى رفع الطلب على النفط، ومن ثم رفع أسعاره، والعكس بالعكس!
من هذا المنطلق فإن على «أوبك» التوقف عن «ضرب الحصان الميت» وتجاهل الضرائب على المشتقات النفطية في الدول المستهلكة. ويمكن القول أيضا إنه بدلا من المطالبة بإلغاء الضرائب على المشتقات النفطية أو تخفيضها، فإن عليها المطالبة بزيادتها، فكلما ازداد اعتماد موازنات الدول المستهلكة على النفط، قل العداء «الفعلي» للنفط.
إن «أمن الطلب» على النفط على المدى الطويل يتطلب اعتماد موازنات الدول المستهلكة على الضرائب على المشتقات النفطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي