سماسرة السيارات .. الضمير يغيب أمام المال

سماسرة السيارات .. الضمير يغيب أمام المال

سماسرة السيارات .. الضمير يغيب أمام المال

تنتشر معارض السيارات في طول العاصمة وعرضها، حيث يلجأ إليها من يريد بيع سيارته أو اقتناء سيارة جيدة بسعر مناسب لإمكاناته المادية التي تمنعه من الحصول على سيارة جديدة.
ميدان واسع مترامي الأطراف يطلق عليه حراج السيارات ، وفي هذه السوق يتقاطر البائعون والمشترون ، البعض يحالفه التوفيق والبعض يضطر للرضوخ للأمر الواقع فيبيع سيارته الفارهة بأبخس الأثمان، فكل واحد عرضة للظروف القاهرة التي تجعله يردد "مكرها أخاك لا بطل " والرابح الأكيد في عملية البيع والشراء هم أولئك السماسرة الذين يصطفون على جنبات شوارع تلك المعارض لعرض القيمة التي "تناسبهم" بحثا عن ربح عال، والذين اشتهروا باسم "الشريطية".
"الاقتصادية" جالت بين جنبات المعارض، وتواجدت عند تلك السيارات التي تتم المزايدة عليها بأسعار تقل بكثير عما تستحقه.

الرميحي ... هدفنا نزع ثقة صاحب السيارة
البداية كانت في في حراج السيارات الواقع في حي الشفا، وفي مستهل الجولة تحدث لـ"الاقتصادية" طلال الرميحي (أحد شريطية السيارات" قائلا، مهمتنا تكمن في خلخلة الثقة عند صاحب السيارة، ويضيف "نسعى جاهدين لنزع الثقة عن طريق إظهار العيوب الموجودة في السيارة وتضخيمها بحيث يدخل الشك في نفسه ويستسلم كثيرا لرغباتنا ببيعها بالطريقة التي نراها مناسبة وبالسعر الذي نحدده وربما يزيد قليلا" وعما إذا كان يعتقد أن ما يفعله حلال أم حرام أكد أن البيع والشراء مباح وأن لا أحد يجبر صاحب السيارة على بيعها، معتبرا أن هذا الأمر من حق المشتري.

الطليحي .. اللعنة جعلتني  أكره العمل في المعارض
وعلى النقيض تماما أوضح المواطن إبراهيم الطليحي أنه عمل لفترة طويلة في المعارض وعمل شريطيا، لكنه ترك العمل بعد أن وصل إلى قناعة بأن ما يقوم به لا يحقق له الهدف المنشود ولم يشعره بالسعادة رغم المكاسب التي كان يجنيها من عمله، وقال " كنت بارعا جدا في المساومة، ونادرا ما يفلت مني أي بائع أو مشتر، فقد كنت أمتلك أسلوبا مميزا وقدرة هائلة على الإقناع، وهذا ما جعل صاحب المعرض يتمسك بي ويزيد راتبي ويلبي رغباتي، لكني شعرت أن ما أقوم به هو عمل حرام، حيث إن الله يأمرنا بأن لا نبخس الناس أشياءهم، إلا أن البخس هو الأساس السائد في عملية البيع، كوننا نحاول أن نقلل من قيمة السيارة عن طريق تضخيم عيوبها لدى صاحبها، ومن ثم نشتريها لبيعها بسعر مرتفع لزبون آخر، صحيح إنني لست مدركا للأمور الشرعية وغير واثق إن كان ذلك حلالا أم حراما، إلا أن الواقع دفعني لترك تلك المهنة".
وأشار الطليحي إلى أنه في كل مرة كان يحقق فيها مكسبا كبيرا كانت تواجهه مشكلات أكبر مع أفراد أسرته، ويتذكر الطليحي الحادثة التي دفعته لترك العمل في تلك المهنة قائلا "حدث أن تمكنت من تحقيق مكسب شخصي قدره سبعة آلاف ريال، فذهبت إلى البيت وأنا أكاد أطير فرحا وأخذت أطفالي للنزهة، لكن وقع لي حادث مروري تسبب في كسر ساق ابني ، ودفعت مبلغا يفوق ما كسبته في ذلك اليوم" معربا عن ثقته بأن الحادث والمشكلات التي سبقتها هي إشارة له بأن ما يفعله ليس صحيحا لذلك ترك العمل.
وكشف الطليحي عن أن بعض أصحاب معارض السيارات يكون بينهم ما يشبه الاتفاق، حيث ما إن يرغب أحد ما في بيع سيارته، فإنه يجد سعرا موحدا عند أصحاب المعارض، وذلك عن طريق اتفاقية بين أصحاب المعارض لا يتنبه لها صاحب السيارة، وشرح الطليحي ذلك بقوله "يأتي  صاحب السيارة ويتفاصل في السعر، وعندما لا يقتنع ويخرج من المعرض متوجها إلى معرض آخر، فإن صاحب المعرض يوضح لأصدقائه من أصحاب المعارض السعر الذي عرضه عليه عن طريق محادثتهم بالهاتف، وهناك يجد البائع أن السعر في المعرض الآخر أقل من السعر الأول، وكلما ذهب إلى معرض وجد سعرا أقل، وهو ما يقوده إلى نتيجة مفادها أن صاحب المعرض الأول هو الذي أعطاه أفضل سعر فيبيع سيارته بالثمن الذي حدده صاحب المعرض الأول حتى وإن لم يكن مقتنعا له"

حسين الألمعي: صديقي أنقذني من جشع الشريطية وأصحاب المعارض
وكشف الألمعي لـ"الاقتصادية" أنه كاد يقع ضحية للشريطية وأصحب المعارض، قائلا "اشتريت سيارة بـ 32 ألف ريال، إلا أن الظروف دفعتني لبيعها بعد أربعة أيام فقط من شرائها، وهو ما تسبب لي في صدمة كبيرة، بعد أن لم يتجاوز المبلغ الذي تم عرضه علي لشرائها 15 ألف ريال، في حين كنت أتوقع أن أبيعها بضعف المبلغ على أقل تقدير، حيث تجمع حولي سماسرة السيارات وأظهروا لي عيوبا في سيارتي لم تكن قد ظهرت حينما أردت شراءها قبل أربعة أيام"، لافتا إلى أنه أطلع صديقه بما حدث له، إلا أن الأخير أنقذه من براثن السماسرة وأصحاب المعارض حينما منحه سلفة ليقضي حائجه ويحتفظ بسيارته.

الأصبحي ... التعامل الصادق جعلني أحقق أفضل الأرباح
المقيم فؤاد الأصبحي عرض لـ"الاقتصادية"  تجربته الفريدة في دخول هذا المجال في بيع وشراء السيارات ، والتي كانت عن طريق الصدفة، ويؤكد أن التعامل الصادق يكسب رضا الرب ويحقق نتائج مذهلة، مضيفا أنه ذهب إلى الحراج لبيع سيارة صديقه وتحقق له ما أراد عن طريق بيعها لشخص يعرفه وجده هناك يبحث عن سيارة يشتريها. ويوضح الأصبحي أنه يسأل في البداية صاحب السيارة: ما السعر الذي يرغب فيه؟ ويكون صادقا معه حين يخبره بالسعر الذي يمكن أن يبيع به سيارته، وقال "مثلا أقول له إن سيارته لن يزيد سعرها على عشرة آلاف، وأتفق معه على أن آخذ ألف ريال نظير بيعي السيارة بذلك المبلغ، لكن في بعض الأحيان أتمكن من بيعها بمبلغ أعلى من الذي قدرته لصاحب السيارة بمقدار ألف أو ألفي ريال، وهو ما يزيد من سعادة صاحب السيارة ويحاول أن يمنحني جزءا من الزيادة لكني أرفض رفضا مطلقا وأكتفي بأخذ ما تم الاتفاق عليه سلفا"، مؤكدا أن هذا الأمر خلق له معرفة واسعة بالكثيرين ممن يرغبون في بيع أو شراء سيارة، مشيرا إلى أنه يحقق مدخولا عاليا جراء تعامله مع زبائنه.
ودعا الأصبحي إلى التعامل الصادق، فمثل هذا الأمر وهذا الربح ولو كان قليلا فإن الله يجعل فيه البركة، ويجعل الجميع يثقون بك، مشيرا إلى أنه لم يعد يفاصل البائعين والمشترين فالجميع يثقون به، وهو يحقق ما يرضي الجميع، فصاحب السيارة يشعر بالرضا والسعادة حين  يرى أن السعر معقول والأمر كذلك مع البائع الذي يرى أن السيارة التي حصل عليها تستحق السعر الذي دفع دون غش أو احتيال.

مشادة بين سمسارين تعلن قيمة السيارة الحقيقية
ولم يكن الوضع في حراج السيارات الواقع في حي النسيم بأحسن حالا، حيث تسبب خلاف بين اثنين من السماسرة على شراء إحدى السيارات في فضح القيمة الحقيقية للسيارة التي رصدوا لها مبلغا أقل بكير مما تستحقه.
حيث أخذ أحدهم في عرض سيارته، التي مضى على تصنيعها نحو ثمانية أعوام، على السماسرة، والذين قدروها بنحو 22 ألف ريال، مشيرين إلى أنها تحتاج إلى الكثير من الإصلاحات، إلا أن صاحب السيارة لم يقتنع وظل نحو ساعتين يجول بين جنبات المعارض بحثا عن رقم أفضل خاصة أنه وجد سيارة مماثلة لتلك التي يقتنيها بسعر يفوق ذلك الرقم بكثير، حتى رصد له أحدهم زيادة قدرها 500 ريال، وأثناء محاولته إقناعه ببيع السيارة بهذا المبلغ الزهيد والذي يزعم أنه أفضل رقم يمكن تحقيقه، قدم أحدهم وعرض زيادة قدرها 500 ريال على رقم صاحبه لتصبح 23 ألف ريال، وذلك بعدما شاهد أن السيارة تعد مكسبا كبيرا له في حال نجاحه في شرائها بهذا الرقم، إلا أن صديقه لم ترق له تلك الزيادة، فرفع السعر 500 ريال هو الآخر، وأصبح الاثنان يزايدان فيما بينهما حتى وصلا إلى 31 ألف ريال، وسط دهشة من صاحب السيارة الذي اكتفى بالفرجة، ليتطور الأمل إلى التشابك بالأيدي بين السماسرة، وهو ما دفع بصاحب السيارة إلى الخروج مباشرة من المعارض مفضلا بيع سيارته عن طريق صداقاته بعيدا عن كذب المعارض.

الأكثر قراءة