النفط.. والمدارس الابتدائية!

في فمي ماء.. وهل ينطق من في فيه ماء؟ ربما قد يكون هذا هو أحد أسباب الكتابة. أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط ''أوبك'' يوم الأربعاء الماضي عن إصدارها تقريرين مهمين، الأول هو الكتاب الإحصائي السنوي عام 2008 ويشمل كل البيانات المتعلقة بالنفط والغاز في كل دول أوبك، والثاني يشمل توقعاتها حتى عام 2030. كم وسيلة إعلام عربية، وبشكل خاص الصحافة، غطت الحدث أو ذكرته؟ وكم وسيلة إعلام ركزت على التقريرين وعلّقت عليهما؟ يمكن للقارئ المتابع للأخبار أن يصل للجواب ''المُرْ'' بسهولة.
دعوني أذكركم أن أغلب دول أوبك هي دول عربية منها السعودية، الكويت، الإمارات، قطر، العراق، الجزائر، وليبيا. والأنكى من ذلك أن أغلب الصحف العربية أعطت تغطية كافية لتقرير وكالة الطاقة الدولية الشهري الذي صدر يوم الجمعة الماضي، ويمكن للقارئ أن يتأكد من تغطية تقرير وكالة الطاقة وعدم تغطية تقارير ''أوبك'' عن طريق مراجعة وسائل الإعلام العربية أيام الأربعاء والخميس والجمعة الماضية.
تقريران سنويان من ''أوبك'' يتم تجاهلهما ويتم تغطية تقرير شهري لوكالة الطاقة! دعوني أذكركم مرة أخرى أن كل دول الخليج مصدرة للنفط، وإعلامها يهتم بوكالة الطاقة المعادية لدول النفط! وأن كلا من السعودية، الكويت، الإمارات، وقطر أعضاء في منظمة أوبك، ويتم تجاهل ''أوبك''! أحد الزملاء علّق على ذلك بأن ''إعلامنا'' إعلام ''انهزامي'' وعدم تغطية تقريري ''أوبك'' وتغطية تقرير وكالة الطاقة ينسجم مع هذه ''الثقافة''. إلا أن صاحبنا لم يدرك أن الأمر أعمق وأعقد من ذلك بكثير. زميل آخر سأل إذا ما كانت توقعات ''أوبك'' بتلك الأهمية، إلا أن سؤاله، رغم براءته، يدل على حجم مشكلة الإعلام العربي.
لقد أزعجتُ كثيرا من الإخوة والزملاء بعد انعقاد قمة ''أوبك'' في الرياض عندما كتبت مقالاً في أواخر عام 2007 بعنوان ''قمة أوبك: أمور أذهلتني'' ذكرت فيه أمورا حدثت أثناء القمة تثبت أن الإعلام فشل فشلا ذريعا في تغطية القمة، رغم قيام وزارة البترول بعقد دورة خاصة لعدد كبير من الإعلاميين لمدة ثمانية أيام قبل القمة مباشرة. وتبين التجربة وأدلة أخرى أنه إذا لم يكن الإعلامي ''حِرَفيا'' في مهنته فإن التدريب مضيعة للوقت. الحِرفية أولا، التدريب ثانيا.
ولكن البعض يرى أنه لا يمكن أن نضع كل اللوم على الصحافيين ومديري ورؤساء التحرير، لأن جزءا من اللوم يقع على ''أوبك'' لأسباب عدة، منها اهتمامها الكبير بوسائل الإعلام الأجنبية والصحافيين الأجانب، وإصرارها على استخدام اللغة الإنجليزية في منشوراتها، وعدم مساهمتها في دعم الإعلاميين التابعين للدول الأعضاء فيها. والمقصود بالدعم ليس الجائزة التي تعطيها المنظمة للإعلاميين، إنما تبني الإعلاميين ودعمهم وتدريبهم لكي يتمكنوا من تغطية الصناعة على الوجه الأمثل.
وتشير التجربة إلى أن هناك اهتماماُ شعبياً بمواضيع الطاقة بشكل عام، والنفط بشكل خاص. الناس مهتمة بأمور النفط وأخباره والأدلة كثيرة. منظمة أوبك وعدد من حكوماتها مهتمة أيضا بإيصال المعلومة للجمهور. رغم ذلك، المعلومة لم تصل، مَن المسؤول عن ذلك؟ الناس متعطشون للثقافة النفطية، وهناك اهتمام من بعض الهيئات في نشر الثقافة النفطية، رغم ذلك فإن شعوبنا التي تعيش من النفط لا تعرف عن أمور النفط إلا النزر اليسير. مَن المسؤول عن ضحالة الثقافة النفطية؟ وهل نلوم الشعوب العربية عندما تلجأ إلى التفسير التآمري للأحداث في أسواق النفط وكل ما يتعلق بالنفط؟ هنا لا بد من التأكيد على أن أغلب ما نشر في مجال الثقافة النفطية خلال العقدين الماضيين جاء أغلبه من جهود فردية.

مشكلة البيضة والدجاجة
الإعلاميون يلومون وزارات النفط ومنظمة أوبك على تجاهلهم وعدم تدريبهم. الوزارات والمنظمة ترى أن المسؤولية تقع على وسائل الإعلام، لأن هذه مهمتهم وتستدل على ذلك بعشرات الإعلاميين الأجانب المتخصصين في الطاقة الذين يأتون إلى اجتماعات ''أوبك'' من شتى أنحاء العالم، من دون أي تدخل من ''أوبك''. بين الموقفين، ضاع تقريرا ''أوبك'' في الأسبوع الماضي، ولم يتم تغطيتهما بالشكل اللائق. بين الرأيين، يبقى السؤال الموجه للجميع: على عاتق مَن يقع تخريج إعلاميين متخصصين في المجالات المختلفة؟ وسائل الإعلام؟ الوزارات؟ أم مَن؟
أحد الزملاء أصر على أنه طالما أن الإعلام النفطي في دول الخليج هو ''إعلام موجّه''، فإن التدريب يقع على عاتق وزارات النفط وشركات النفط الوطنية، ولكن زميلا آخر يعمل في مجال الإعلام رد عليه بالقول إنه طالما أنه إعلام موجّه، والتدريب موجّه، فإن مهنيته تجبره على رفض الانضمام لهذه البرامج. زميل آخر ألقى باللوم على رؤساء التحرير وذكر بعض التجارب التي مر بها، ولكنه ذكر أن الضغوط المالية تمنع رؤساء التحرير من الإنفاق على برامج التدريب، الأمر الذي يحتم قيام هيئة أخرى بالإنفاق.
إن عدم تغطية الإعلام العربي تقريري ''أوبك'' أمر خطير من الناحيتين المهنية والوطنية. لذلك فإن الموضوع مطروح للنقاش، خاصة للإعلاميين والعاملين في مجال النفط، والأسئلة التي تشكل محور الحوار تتمثل فيما يلي:
1. ما سبب عدم وجود إعلاميين متخصصين في مجال الطاقة بشكل عام والنفط بشكل خاص في دول الخليج؟
2. ما سبب عزوف وسائل الإعلام عن قبول فرص التدريب التي تقدمها بعض وزارات النفط؟
3. هل وزارات النفط وشركات النفط الوطنية مسؤولة عن تدريب الإعلاميين؟
وهنا قد يقول أحد القراء الأذكياء، ما رأيك أنت؟ وجوابي بسيط للغاية: المشكلة في المدارس الابتدائية. أعطني تعليماً ابتدائياً متميزاً، أعطك قادة المستقبل.. في كل المجالات.. حتى في الإعلام النفطي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي