تدمير خلاّق في عصر الإعلام الرقمي

تدمير خلاّق في عصر الإعلام الرقمي

إن التدمير الخلاق في العادة يتلو يقظة التطورات التكنولوجية، كما يدّعي المستقبليون. ففي عصرنا الحاضر من الإعلام الرقمي، فإن هذه الظاهرة، كما يقول أحد المتنبئين بالمستقبل، ستشهد «الموت» البطيء للأقراص المدمجة، وأقراص الفيديو الممغنطة، والساعات، والإعلام المطبوع مثل الصحف.
وبينما تستمر الأفلام المسرحية، والموسيقى، والنشاط العملي للصحف بالتضاؤل، فإنها على الرغم من ذلك، ستبقى على قيد الحياة. وعلى الأغلب أن الكتب، وهي أقدم وسيلة في العالم، ستبقى إلى الأبد.
ومع ورود وسائط الإعلام المتعدد لأجهزة الجوال، والتلفزيون – الذي يُقدّر وجوده الآن بنحو سبعة عقود من الزمن، ستشهد تلك نمواً انفجارياً بينما يعتاد الناس، وبصورة متزايدة، على مشاهدة التلفزيون أو الفيديو بين العامة.
وهنالك توقعات لجيفري كول، مدير مركز المستقبل الرقمي – Center for the Digital Future، التابع لكلية يو إس سي أنينبيرج للاتصالات – USC Annenberg School for Communication، الذي ألقى كلمة الختام في مؤتمر الإعلام الـ 360 في ماكاو، حيث يقول:
«لن يتلاشى أي شكل من أشكال الإعلام التقليدي، ولكن أغلبها ستكون نشاطات عملية أصغر في العهد الرقمي، وتلك ظاهرة بدت قائمة فعلياً»، كما يقول كول، مؤسس ومدير مشروع الإنترنت العالمي – World Internet Project، الذي يدرس تأثيرات تكنولوجيا الإنترنت على المجتمع في ما يزيد على 20 دولة.
ووفقاً لدراسة كول، فإن مبيعات تذاكر الأفلام تراجعت بحدة خلال الأعوام الستين الماضية بعد تعديل النسبة مع نمو السكان، حيث تم بيع نحو 4,3 مليار تذكرة فيلم في العالم المتحدث باللغة الإنجليزية في عام 1946. وبرغم أن الحجم السكاني منذ ذلك الحين قد تتضاعف، فقد تم بيع 1,4 مليار تذكرة العام الماضي.
وفي مجال مبيعات الموسيقى، استلزم الأمر بيع 15 مليون ألبوم لتحقيق الرقم القياسي في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الثمانينيات والتسعينيات. ومنذ ذلك الحين، تشهد مبيعات الأقراص الممغنطة تراجعاً مستمراً. فقد كان الألبوم الذي حقق أفضل مبيعات في عام 2007، هو ألبوم جوش جروبان لعيد الميلاد المجيد، حيث بيعت 3,7 مليون نسخة منه. «إن الاهتمام بالموسيقى في وقتنا الحاضر أكبر من أي وقتٍ مضى، حيث يستمع الناس إلى المزيد من الموسيقى في المزيد من الأماكن، ولكن الناس غير راغبين بإنفاق نحو 18 دولارا (لشراء ألبوم) من أجل أغنيتين أعجبتهم فقط من متجر الموسيقى»، كما يقول كول.
«إنهم إما يلجأون إلى شبكات النظراء غير المشروعة، وعدم إنفاق أي شيء من أجل تحميل الموسيقى، أو إلى استخدام آي تيونز – iTunes، وينفقون دولارين مقابل أغنية واحدة». وأما في الوقت الراهن، فإن الصحف في الغرب تصارع تراجع تداول توزيع الصحف، وتدني عوائد الإعلانات، في غمرة انقضاض الإعلام الرقمي. ويعمل الرؤساء التنفيذيون على تقليص التكاليف وعدد الموظفين بكل ضراوة، ويكشفون النقاب عن وسائل تهدف إلى إضافة قيمة أفضل لمحتوياتهم على الإنترنت. وعلى خلاف ذلك، فإن الصحف في الاقتصادات الناشئة، مثل الهند، والصين، لا يطوّقها ذلك القدر من الخوف نظراً إلى أن الطلب في تزايد مستمر.
إن المخاوف البيئية المتزايدة، وسعات التخزين الكبيرة لوسائل وسائط الإعلام المتعدد (مثل أبل آي بود – iPod، والكمبيوترات، ومسجلات الأفلام الرقمية) يمكن أن تؤدي إلى زوال الأقراص المدمجة في غضون ستة إلى سبعة أعوام، وأقراص الفيديو الممغنطة في غضون ثمانية إلى عشرة أعوام، طبقا لكول.
وسيستغرق الأمر فترة أطول من الوقت لكي تتلاشى الصحف المطبوعة تماماً. «فاليوم، لا يقرأ المراهقون الصحف، والدليل على أنهم لن يفعلوا ذلك إطلاقاً، واضح»، كما يقول كول.
«إن خلاصة الأمر بالنسبة للصحف، هو أنه عند وفاة كل شخص من قرّاء الصحف، لا يُستبدل أو تُستبدل بقارئ أو قارئة جديدة. لذا، كم يلزم من الوقت لتموت الصحف؟ إنها ليست 3 أو 4 سنوات، ولكن ما بين 20 إلى 25 عاماً، إلا إذا عملت المخاوف البيئية على تسريع ذلك إلى حدٍ ما.
ولكن هنالك بعض نعم الإنقاذ بالنسبة للصحف، كتلك بالنسبة لنيويورك تايمز برغّم تغيّر النشاط العملي للإعلام. ويقول كول إن نحو 30 في المائة من ميزانية نيويورك تايمز تُنفق على دائرة التحرير لديها، بينما 70 في المائة على تكاليف الطباعة والتوزيع. ولكن بنشرها على الإنترنت حصرياً، يمكن لنيويورك تايمز أن تتخلص من تكاليف الطباعة والتوزيع بالكامل تقريباً.
إذن، يمكن لـ «نيويورك تايمز» «أن تنجح بعملها بعائد إعلاني أقل بكثير حين تنخفض تكاليفها بنحو 70 في المائة»، كما يقول.
وهنالك تطوّر آخر رئيسي، وهو التكاثر السريع لاستخدام التليفزيون والفيديو في الأماكن العامة.
«نحن نعتقد أن استخدام التليفزيون على وشك أن ينمو على نحوٍ انفجاري، بينما يندمج استخدامه مع استخدام الفيديو، ونعتقد كذلك أنه سيختفي من المنازل، وأن يصبح مرافقنا الدائم، وأن يصبح نشاطاً عملياً أهم وأكبر بكثير من أي وقتٍ مضى»، كما يقول كول.

ويقول كول، إن ما يدعوه بـ «استراتيجية الشاشات الثلاثة»، تبيّن كيف أن الناس يشاهدون المزيد من التليفزيون والفيديو في المنزل، وعلى شاشات كمبيوتراتهم، وعلى هواتفهم الجوالة، وأجهزة الآي بود.
ومن السهل بلا شك على الناس اليوم أن يحصلوا على، وينسخوا، ويشاطروا المحتويات الرقمية أكثر من أي وقتٍ مضى. ولكن بينما الناس لم تكن لديهم الرغبة بدفع ثمن مثل تلك المحتويات في الفترة ما بين 2000 و2005، فقد بدأت الحال بالتغيّر، بينما قواعد التحميل غير المشروعة (مثل مواقع النظراء، والمواقع التي تعرض برمجيات مجانية للتحميل) في العادة تحتوي على محتويات رقمية مجانية تنطوي على برمجيات تجسس، وفيروسات، كما يقول كول.
ولكن ورود مزودات المحتوى الرقمي، مثل قاعدة آبل آي تيونز، أتاح للمستهلكين محتويات رقمية مشروعة، وسهلة الاستخدام، وبأسعار معقولة. وعلى الرغم من ذلك، فإن لدى المستهلكين دافعا ضئيلا للغاية لدفع رسوم مقابل التسجيل لمثل تلك المحتويات.
«نعتقد أن الأسرة العادية من الممكن أن تشترك بـاثنين إلى ثلاث خدمات، وعموماً تكون مثل تلك المعلومات بالغة الخصوصية، كونها تتضمن معلومات مالية على سبيل المثال»، كما يقول كول.
«لذا، إذا كان لا بد للمحتويات الرقمية أن تبقى على قيد الحياة على أجهزة الهواتف النقالة والشبكة، فنعتقد أنها ستكون شبه حصرية عن طريق الإعلانات».
وهنالك تنبؤ رئيسي بالمستقبل يكمن في كيفية استخدام المراهقين للإعلام الرقمي، وكيفية أن صناعة الساعات يمكن أن تكون في خطر بسبب تفضيلهم لاستخدام أجهزة الهواتف الجوالة لمعرفة الزمن.
وبينما يتحول المراهقون إلى بالغين، فسيغيرون بعض عاداتهم المتعلقة بالإعلام، بينما سيحافظون على بعضها الآخر لبقية حياتهم دون تغيير.
«إن الأمور التحوّلية فعلاً هي (كيفية استخدام) المراهقين للإعلام: حينما يريدونه، وكيفما يريدونه، وفقاً لمواصفاتهم تحديداً، والسلطة التي يكتسبونها»، كما يقول كول. ويضيف أنهم يكتسبون المعرفة من الإنترنت التي يمكن أن تضعهم في وضع أفضل حين يتعاملوا مع الصحافيين أو مع موظفي المبيعات، والأطباء، والمعلمين، ومسؤولي الحكومة.
«إن الكثير من الأمور الأخرى، مثل الثقة بالنظراء غير المعروفين أكثر من الخبراء، وعدم الاهتمام بمصدر المعلومات، ستتلاشى مع الزمن. أما الساعات، فلسنا متأكدين منها، بل يمكن أن تكون الساعات أمراً دائماً».

* كول يتحدث عن أهمية الشبكات الاجتماعية على الإنترنت: «نعتقد أن التشبيك الاجتماعي مسألة حقيقية، وهو أول ما دفع الناس إلى الدخول إلى الشبكة لأكثر من مجرّد تفقّد صناديقهم البريدية الإلكترونية. ونحو 55 في المائة من أعضاء مواقع الشبكات الاجتماعية يقولون إن مجتمعاتهم على شبكة الإنترنت مهمة بقدر أهمية مجتمعاتهم الحقيقية، بعيداً عن الشبكة».

* كول يتحدث عن المفاجآت الرئيسية في الأعوام الثمانية الماضية: «هل كانت هنالك مفاجآت رئيسية؟ لا شيء سوى المفاجآت. الأمر الوحيد الذي كان متوقعاً قبل ثمانية أعوام هو أن الاتصالات كانت في تغيّر. وعرفنا ذلك من خلال البريد الإلكتروني، ولكن لم يكن لدينا حس بالمحتوى الناتج عن المستخدم، وشبكة التليفزيون المبرمجة ذاتياً، مثل يوتيوب، والشبكات الاجتماعية التي نعتقد بأنها أهم ظاهرة على الشبكة».
* كول يتحدث عن الهواتف الجوالة وكيف ستحل بصورة محتملة محل محافظ الجيب: رأيت فعلياً أناساً يشترون أشياءً عن طريق آلات مدمجة بهواتفهم الجوالة، وذلك لا يعني أنه لم يعد هنالك استخدام لبعض الأموال النقدية. ولكن بصورة كامنة، ستحل هواتفنا الجوالة محل بطاقات الائتمان، فمهما اشترينا باستخدام بطاقات الائتمان، سيكون جزءا مما سنشتريه نقداً. ولكنني لا أتوقع نهاية مطلقة لاستخدام النقود، ولن تحمل الصور في محفظة جيبك، ولكن على هاتفك الجوال. بالطبع، حيث إن هاتفك الجوال هو محفظة جيبك.

الأكثر قراءة