سوق عكاظ .. تجدُّد الدلالات الثقافية
المملكة العربية السعودية زاخرة بالتاريخ الحضاري للبشرية بل هي من أهم المراكز التاريخية التي انطلق منها الإنسان لعمارة الأرض وبنائها، وشاركت في صناعة الحضارة الإنسانية، وزاد هذا الدور وعظم قدره بعد ظهور رسالة الإسلام الخالدة، وإذا كانت اللغة هي الوعاء لتقديم الحضارة واستظهار كنهها، وفهم مساراتها الحديثة، فإن اللغة العربية تمتلك رصيداً من التطورفي ذاتها وفي دلالاتها وبجذور عريقة، جعل منها وعاءً نقياً لتقديم الزخم الأدبي في الجزيرة العربية المتمثل في الشعر والخطابة أحسن تقديم وأفضل عناية، فقد عرفت المنطقة كثافة في استعمالات اللغة وتحويرها من الكلام العادي إلى الكلام المقنن عبر فنون عدة وهذا ما يعد بمثابة الأرضية الأولى للبناء الحضاري البشري، وتعد الأسواق الثقافية إحدى العلائم المهمة في تاريخ الأدب والشعر في الجزيرة العربية، وكان أشهرها، وأعلاها صيتاً سوق عكاظ، حيث كان جامعة مفتوحة لتخريج شعراء جدد مؤثرين في المقام الأول في اللغة العربية ومثرين لآلياتها وأدواتها، قاموا بالتفنن في استنطاق مكامنها الأدبية، وميدانا ضخما لمنافسات شعرية بين أسماء خلدت قصائدها حتى يومنا الحالي، بل أصبحت مرجعاً للغة العربية بعد أن باعد التطور المدني بين اللغة العربية وأهلها.
إن إعادة بناء سوق عكاظ سواء البناء المعماري وفق نمط يتسق مع الحاضر أو البناء الشعري وفق أسسه الأصيلة وتفرعاته الحديثة، هي إضاءة لمأثرة من مآثر الجزيرة العربية الفكرية العديدة واسترجاع لقيم حضارية عريقة لتدعيم الحاضر المشرق، وهذا سبب رئيسي لحفز باسهام دارة الملك عبد العزيز في فكرة إعادة السوق إلى الواجهة الثقافية كما كان في عهده الأول فهذا هدف استراتيجي من أهداف الدارة في استجلاء المآثر المعرفية سواء المرئية أوغير المرئية من تاريخ الجزيرة العربية، وهذا السوق الذي نتابع نهوضه من جديد إنما هو دعم للنهضة الثقافية التي تعيشها بلادنا في ظل دعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - التي من أبرز سماتها التنوع الفكري في إطار إسلامي ضابط للحركة الثقافية، ولا شك أن صاحب السموالملكي الأمير خالد الفيصل أميرمنطقة مكة المكرمة؛ الشاعر والمثقف، سيكون عوناً لإنجاح فعاليات السوق، وتسييره نحو أهدافه الأدبية، وتطوير نشاطاته ليصب في مسار دعم تلك النهضة العامرة.
ودارة الملك عبد العزيز نهضت مع المتحمسين لإفاقة سوق عكاظ وبذلت جلّ خبرتها وما لديها للإسهام في الخروج بالسوق في أحسن نقطة يمكن أن يبدأ منها مرة أخرى وبكافة جوانبه الفرعية، حيث إنه يدعم في صورته الحالية الحركة السياحية والثقافية في المملكة العربية السعودية وما يصاحبها من حركة اجتماعية في المنطقة، وكان التعاون واضحاً ومميزاً بين دارة الملك عبد العزيز ومحافظة الطائف، حيث لم يأل جهداً معالي الأستاذ فهد بن عبد العزيز بن معمرمحافظ المحافظة ورئيس اللجنة التأسيسية لسوق عكاظ في دعم مشاركة الدارة. دعواتنا بأن يكون مهرجان سوق عكاظ ناجحاً وفاعلاً في دعم الجانب الثقافي الذي عادة ما يخفت صيفاً، وعاملاً مساهماً في تعزيز الأنشطة السياحية في عروس المصايف السعودية بل العربية، وأخيراً فإن جناح الدارة في المهرجان سيكون حلقة وصل بين الباحثين والباحثات والمهتمين في المنطقة ودارة الملك عبد العزيز ولذلك نسعى ونجتهد.
والله ولي التوفــيق.