الجمعيات التعاونية.. لا يزال الفكر عائقا!
تستكمل «الاقتصادية» حلقات ملف الجمعيات التعاونية الذي بدأ مطلع الأسبوع الجاري، حيث تناولت في الحلقات الماضية عدة محاور تتعلق بالعمل التعاوني من حيث المفهوم والتعريف له، إضافة إلى التطرق إلى المعوقات والمشكلات التي أسهمت في عرقلة الجمعيات التعاونية عن القيام بدورها الكامل، من خلال آراء باحثين ومهتمين بشؤون العمل التعاوني في المملكة، كما أوردت الحلقات الماضية المعوقات التي أبطأت مسيرة جمعية الإسكان التعاونية التي مضى على إنشائها نحو عامين، حيث تواجه معوقين مهمين هما التمويل وعدم وجود أرض تمنح من الدولة، كما تناولنا تجربة رائدة في العمل التعاوني ألا وهي تجربة الجمعيات التعاونية الناجحة في الكويت.
اليوم «الاقتصادية» تواصل تقليب صفحات الملف في خامس حلقاته، من خلال استعراض آراء مهتمين وخبراء بالعمل التعاوني، للوقوف على مكامن الضعف والمعوقات التي أسهمت في تغييب شمس الجمعيات التعاونية من الظهور وتقديم خدماتها للمستهلك البسيط.. فإلى التفاصيل:
الهدف الاقتصادي
#5#
الدكتور عبد الله الثنيان رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي سابقا والخبير الزراعي يقول إن الجمعيات الزراعية تتميز عن بقية أنواع الجمعيات التعاونية بكونها ذات ارتباط بالمزارع في جميع عمليات الإنتاج والتسويق، وبالتالي فإنها ذات ارتباط اقتصادي مهم للغاية.
وقال الثنيان إنه يجب أن يكون هدف الجمعيات اقتصاديا بالدرجة الأولى لضمان النجاح لأن نجاحها يعني تخفيف العبء عن المزارع وضمان تحقيق فائدة ملموسة بالنظر لكونها تنوب عنها في كثير من العمليات الشرائية والتسويقية.
وحول أوضاع الجمعيات الزراعية في السعودية قال الثنيان إن تبعية الجمعيات تحتاج إلى إعادة نظر, حيث يجب أن تتبع لوزارة الزراعة فهي الجهة المعنية بالقطاع الزراعي، وهي المسؤولة – يقصد وزارة الزراعة - عما يحدث فيه من مشكلات ومعوقات.
وبين أن تبعية الجمعيات للشؤون الاجتماعية حاليا غير مناسبة «وسبق أن رفعنا نظاما بهذا الخصوص».
وأشار إلى أن الجمعيات التعاونية يجب أن تدرس تجارب الدول الأخرى، وأن تبدأ من حيث انتهى الآخرون لأن كثيرا من التجارب تثبت أنه لا يوجد خيار آخر، بل إن كثيرا من الدول فيها جمعيات لكل محصول على حدة.
#2#
السياسات الزراعية
ولم يتفق الثنيان مع الرأي الذي يلقي باللائمة على السياسات الزراعية في وأد كثير من الجمعيات بسبب الإغداق الحكومي في المساعدات والإعانات، مبينا أن الجمعيات هي ضحية الفكر الزراعي السائد.
وشدد على أن الجمعيات يجب أن تكون مؤسسات زراعية اقتصادية لها أطر واسع يعود ريعه في النهاية للفلاح البسيط، لافتا إلى أن العمل على أسس اقتصادية ضمانة للنجاح. وقال إننا تأخرنا كثيرا في «وضع العربة على السكة»، ولابد من الانطلاق عاجلا وليس آجلا.
سيطرة شخص
وقال الثنيان إن أغلب الجمعيات التعاونية يسيطر عليها شخص أو اثنان أو جماعة بسيطة سواء من خلال تفردهم بالرأي أو بسبب إحجام الآخرين على التعاون معهم. وقال إنه من المهم أن يكون هناك قناعة بهذا النشاط.
ورفض القول الذي يشير إلى أن استشراء الفساد في بعض الجمعيات نشر عنها سمعة غير جيدة، ودفع كثيرين إلى البعد عنها قائلا: لا أتفق مع ذلك، هناك دلائل كبيرة على أن هناك جمعيات رائدة وتعمل وفق أسس قوية جدا وحققت تقدما لا يمكن إغفاله.
وأورد الثنيان اسم جمعية البطين التعاونية في القصيم، وقال هنا جمعيات أخرى في المدينة أو غيرها من المناطق، لكن في العموم النتيجة تحتاج إلى تحرك فاعل.
لم ندخل عصر الجمعيات
واعتبر الثنيان أننا في السعودية لم ندخل عصر الجمعيات، وأن فلسفة الجمعيات لم توجد بعد (قالها متأسفا) حيث يجب تكريسها في المجتمع على مختلف أصعدته, سواء في المسؤول أو في المزارع أو المستهلك بشكل عام.
واقترح الثنيان تشجيع السكان على تأسيس الجمعيات ونشر لائحة تكوينها لأن كثيرين يعتقدون أن تأسيسها فيه كثير من الصعوبة. وقال إن الجمعيات يمكن أن تكون وعاء للدولة تصب فيه المساعدات أو الدعم، وتساعد المزارع على التفرغ لعملية الإنتاج.
فصل الإدارة عن الملكية
وأكد الخبير الزراعي المعروف أنه إدارة الجمعية يجب أن تكون مفصولة عن الملكية، بحيث تعمل بعيدا عن الضغط، لكن لا مانع من أن يكون هدف الجمعية مختلطا اقتصاديا وتعاونيا.
وشدد «يجب أن تكون الجمعيات مؤسسات قادرة على التفاوض نيابة عن المزارع وقادرة على فتح منافذ التسويق وتصريف الإنتاج في الوقت والمكان والسعر المناسب».
القحطاني: غياب الفكر
#3#
من جانبه, اتفق عبد الرحمن القحطاني وهو مدير الإدارة الزراعية في غرفة تجارة وصناعة الرياض مع طرح الثنيان حول غياب الفكر التعاوني في البلاد، مبينا أن هناك عدة أسباب أدت إلى غياب الجمعيات التعاونية من بينها غياب الفكر التعاوني في المجتمع، لافتا إلى أن هذا الأمر غير مكرس بشكل يؤدي إلى نتائج ملموسة.
لكن القحطاني يخالف الثنيان في قضية السياسات الزراعية مبينا أن هذه السياسات أثرت بشكل كبير وعمقت الفردية في المجتمع, بل وأدت إلى إغفال بعض الجوانب الاقتصادية في العملية الزراعية.
تفكير آني
وقال القحطاني إن القطاع الزراعي يفكر في الإنتاج ولا ينظر لما بعد هذه العملية، رغم أنها هي الحاسمة، وهو ما يجعل الأسواق تتكدس بالمنتجات الزراعية في المواسم, ما يؤدي إلى خسائر فادحة في ظل عدم تفعيل الجمعيات.
واعتبر القحطاني أن من أسباب غياب الجمعيات هو عدم وجود قيادات في القطاع التعاوني وهذا برأيه ناتج عن عدة أسباب منها غياب هذا المفهوم في حياتنا, سواء على صعيد المنزل أو الأسرة أو المدرسة.
وشدد على أن غياب القياديين, سواء من ناحية ندرة التأهيل أو التدريب أدى بدوره إلى تعميق الفجوة بين الجمعيات والمجتمع الذي كان في يوم من الأيام متكافلا ومتعاونا.
والسبب الرابع في رأي القحطاني هو المناخ الاقتصادي السائد في بلادنا ويقصد به حرية السوق، وهو الفلسفة التي لا تسهم على حد قوله في منح الجمعيات موطئ قدم في هذه السوق الهادرة.
الربح في النهاية
واتفق القحطاني مع الثنيان على أهمية أن تعتمد الجمعية على الأساليب الاقتصادية، لكنه في الوقت ذاته قال إن الجمعية يجب ألا تنظر للربح دائما، بل إنها في مجمل أنشطتها يجب أن تكون رابحة لكنها في بعض الخدمات يجب أن تقدم الخدمة على الأرباح.
وحول قضية الفساد على مستوى إدارات بعض الجمعيات قال القحطاني «إن الفساد موجود حتى في القطاع الخاص، لكن من المهم وجود تشريعات رقابية من قبل الدولة التي يجب أن تبقى مشرفة على هذا القطاع دون الدخول في تفاصيل إدارته».
وبين أن مشكلة بعض الإدارات إنهم في الأصل متعاونون وبالتالي فإنهم «لا يهتمون كثيرا بتطوير العمل».
بنوك تعاونية
وطالب بأن يكون هناك بنوك تعاونية وصناديق تعاونية تدعم الجمعيات وتشجع عملها، وأن تؤخذ الجمعيات بعين الاعتبار في قضية التدريب التعاوني وأن تتحمل الدولة رواتب موظفيها لمدة عامين عن طريق صندوق الموارد البشرية، لافتا إلى أن دور الدولة «إيجاد المناخ الصحي فقط».
الأزمة العالمية
كما طالب باستثمار فرصة حدوث الأزمة العالمية لأن سياسة السوق المفتوحة ليست مأمونة دائما، وبالتالي, فإن هذه الأزمة يجب أن تجعلنا نعيد النظر في أهمية الجمعيات التي يمكن أن تكون حائطا لكثير من المنتمين لها جراء حدوث اهتزازات في السوق.
إقراض الأفراد أضعفها
#4#
ويرى يوسف الدخيل رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية في عنيزة، أن انطلاقة الجمعيات التعاونية في السعودية كانت ناجحة ولكن تحرك البنك الزراعي في تلك الفترة نحو إقراض صغار المزارعين مباشرة همش دور الجمعيات فأصبح المزارع الصغير يمتلك حراثة بمئات الآلاف من الريالات رغم أن حاجته تقل كثيرا عن امتلاك هذه المعدة فليس من الجدوى له كمزارع بسيط امتلاك هذه المعدة الكبيرة وغيرها من المعدات الزراعية.
ويؤكد الدخيل في تلك الفترة كان البنك الزراعي لا يقرض الجمعيات التعاونية ويقرض المزارعين وهذا خلق فجوة كبيرة، فالمزارع ليس بحاجة إلى جمعيات تعاونية يلجأ لها مثلا في تأجير معدة أو حراثة لفترة معينة وبأجر متفق عليه, بل إن بعض المزارعين أصبحوا يقومون بهذا الدور فهم يمتلكون حراثات ومعدات أخرى فيقومون بتأجيرها بمبالغ لحسابهم الخاص.
ويقول رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية في عنيزة، «ولك أن تتخيل بأن المزارع كان يشتري «الحصادة» بقرض من البنك الزراعي التي يستخدمها خمسة أيام فقط في السنة وتظل مخزنة في مستودعاته حتى يحين موعد الحصاد من العام المقبل كل تلك العوامل عصفت بالعمل التعاوني في تلك الفترة».
ويرى الدخيل أن تحرك الجمعيات الزراعية كانت تنبع من مجالس الإدارة في الجمعيات والبحث عن الفرص لتحقيق تطلعات المساهمين في تلك الجمعيات.
مساهمة الجمعيات
ويعد يوسف الدخيل تحركات جمعية عنيزة التعاونية في الفترة الأخيرة أنها إيجابية, خصوصا في تسويق التمور, وذلك بعمل مهرجان سنوي يقام في موسم الحصاد، وكذلك إقامة صالة للخضار الصحي وتشغيلها في محافظة عنيزة وهو ما يرى أنها خطوة إيجابية وإن كانت في بدايتها.
ويرى الدخيل أن تحرك الجمعية في تلك الأنشطة وأنشطة أخرى جعل لها صيتا في المجتمع, وبالتالي حظيت بثقة بوجودها في مناسبات زراعية مهمة والاستثمار في تلك المناسبات ولم تغفل الجمعية تحقيق إيرادات لمساهميها.
لم تفشل
وقال «لا أعتبر أن الجمعيات قد فشلت في الفترة الماضية, فقد كان الدور محدودا, وكذلك الدعم محدودا, بينما نرى في الوقت الحالي اهتماما أكبر وتحركا نحو هذه الجمعيات بشكل واضح, خصوصا مع التحديات الجديدة فلا غنى للمجتمع عن هذه الجمعيات التعاونية بجميع صورها وأشكالها.
وقال «لم نصل إلى مفهوم العمل التعاوني, فالمجتمع لا يزال يجهل الكثير من أعمال الجمعيات التعاونية ودورها الحيوي في المجتمع، كما أن العمل التعاوني متعة كبيرة».
وزاد الدخيل الـ 50 عاما الماضية من العمل التعاوني لم تكن بمستوى طموحات المؤسسين في العمل التعاوني، رغم طوال فترة التجربة إلا أن الدعم الحكومي سيحقق ما لم تحققه السنوات الماضية.
ستزدهر قريبا
وتوقع رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية في عنيزة، أن يكون القطاع الزراعي أشد حاجة إلى العمل التعاوني في الفترة المقبلة في السعودية، مضيفا أن طفرة الزراعة في الفترة الماضية جعلت الالتفات للعمل التعاوني للمزارعين لا يشكل أهمية كبرى, ولكن مع تحديات الفترة الحالية يجب أن تعاد الجمعيات التعاونية بشكل جديد ومنظم لكي تقدم خدماتها بشكل أفضل للمزارعين.
تنشيط العمل التعاوني
ويرى محمد بن صالح الجلعود رئيس مجلس إدارة جمعية البدائع التعاونية (متعددة الأغراض)، التجديد في مجلس الإدارة يسهم في تنشيط العمل التعاوني، حيث قال «عملنا خلال الفترة الماضية على تجديد الدماء في مجلس إدارة الجمعية الذي استمر أكثر من 15 عاما مضت»، مشيرا إلى أن طول الفترات لمجالس الإدارة في الجمعيات التعاونية يضعف العمل التعاوني ويحد من نشاطه والتجديد دوما يجلب أفكارا جديدة تدر مداخيل لهذه الجمعيات ويحرك الخدمات المقدمة للمساهمين ويحقق أيضا ربحية للمساهم.
تعثر جمعية البدائع
وقال الجلعود إن 40 عاما لم تشفع للجمعية التعاونية في البدائع بالظهور بالشكل المطلوب بما يرضي المساهمين. وقال «للأسف أن ردة الفعل لدى المساهمين بعد هذه السنوات الطويلة سلبية تجاه الجمعيات التعاونية, خصوصا أنها تعاني شحا كبيرا في مواردها المالية».
ويضيف رئيس مجلس إدارة جمعية البدائع التعاونية، «جميع مواقع الإقراض والصناديق لا تدعم الجمعيات متعددة الأغراض، مشيرا إلى أنهم راجعوا بنك التسليف والبنك العقاري لدعم النشاط الإسكاني في الجمعية، إلا أن الجواب كان أن البنك العقاري يدعم الأفراد فقط، على الرغم من أن الجمعيات التعاونية عبارة عن مجموعة من الأفراد شكلوا جمعية.