أداء دول الخليج في مؤشر الحكم الصالح
حققت دول مجلس التعاون الخليجي أداء متباينا في تقرير عام 2009 الذي يصدره البنك الدولي حول مؤشرات الحكم الصالح. لكن البعض عندنا يفضل مصطلح الحكم الرشيد بدل الحكم الصالح.
يعرف البنك الدولي الحكم الصالح بذلك ''الحكم الذي يتألف من تقاليد ومؤسسات تستخدم لممارسة السلطة صلاحياتها، وتشمل العملية التي يتم اختيار الحكومات ورصدها ومحاسبتها وتبديلها سلميا، وقدرة الحكومة على صياغة سياسات سليمة وتنفيذها على نحو فاعل، مع احترام المواطنين والدولة للمؤسسات التي تحكم التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية فيما بينها''.
معايير المؤشر
يتميز المؤشر بالشمولية, حيث يستند إلى ستة أبعاد وهي: أولا، التمثيل السياسي والمحاسبة. وثانيا، الاستقرار السياسي. وثالثا، فاعلية الحكومة. ورابعا، جودة الإجراءات. وخامسا، حكم القانون. وسادسا، محاربة الفساد. تشكل هذه الأبعاد فيما بينها منظومة متكاملة حول مدى صلاح الحكم في أي بلد ما. بمعنى آخر، لا يكفي أن تكون الدولة ناجحة في معيار معين على حساب معايير أخرى.
في التفاصيل، حلت الكويت في المرتبة الأولى خليجيا، فيما يخص معيار تمثيل السياسي والمحاسبة. تستحق الكويت هذا التصنيف, نظرا لوجود تمثيل لمختلف التيارات والاتجاهات السياسية والدينية داخل مجلس الأمة. كما تم تسجيل وصول أربع نساء دفعة واحدة للبرلمان وللمرة الأولى في الانتخابات التي جرت في أيار (مايو) الماضي يشكلن 8 في المائة من مجموع المقاعد. كما يتميز البرلمان الكويتي بالتمحيص في العقود الحكومية وقدرته على إلغاء بعض المشاريع في حال ثبوت تجاوز للإجراءات المتبعة. ففي وقت سابق من العام الجاري، تم إلغاء عقد إنشاء مصفاة الزور لتكرير النفط الخام بقيمة تزيد على ستة مليارات دولار بعد ثبات تجاوز مجلس المناقصات.
بدورها حصلت الإمارات على أفضل النتائج العربية بالنسبة لمعيار فاعلية الحكومة. تشتهر إمارة دبي بالسرعة في تنفيذ برامج المشاريع مثل الذهاب لخيار الاقتراض عن طريق برنامج للسندات بقيمة 20 مليار دولار، حيث حصلت على امتياز خاص من البنك المركزي الإماراتي في أبو ظبي للاكتتاب في نصف المشروع لغرض التكيف مع تداعيات الأزمة المالية. وعزز توافر التمويل من قدرة الإمارة على الوفاء بالالتزامات المالية عليها فيما يخص تنفيذ مشاريع تنموية تتعلق بالمواصلات والكهرباء والماء.
ريادة قطرية
كما حلت البحرين في المرتبة الأولى فيما يخص معيار جودة الإجراءات. تشتهر البحرين باتباع إجراءات دقيقة عند منح العقود الحكومية عن طريق مجلس المناقصات.
من جهة أخرى، استحوذت قطر على الريادة في ثلاثة معايير وهي: الاستقرار السياسي، وحكم القانون، ومكافحة الفساد. تتمتع قطر بالاستقرار السياسي بدليل قرب القيادة من الناس في مختلف المناسبات. كما تشتهر السلطات القطرية بنجاحها في إشباع الرغبات المادية لرعاياها, الأمر الذي يسهم في إبعاد البلاد من حالة الاحتقان السياسي. يبلغ متوسط دخل الفرد في قطر من الناتج المحلي الإجمالي نحو 72 ألف دولار أي ضمن قائمة أفضل عشر دول في العالم بالنسبة للدخل التي تشمل لوكسمبورج واليابان.
وبخصوص محاربة الفساد حافظت قطر على ترتيبها الدولي أي المرتبة 28 في تقرير منظمة الشفافية العالمية لعام 2008 وهي أفضل نتيجة للدول العربية قاطبة. بدورها نالت الإمارات المرتبة 35 متأخرة مرتبة واحدة. في المقابل، حققت عمان قفزة نوعية في ترتيبها متقدمة 12 مرتبة في غضون سنة إلى المرتبة 41 عالميا. بدورها تقدمت البحرين ثلاث مراتب إلى المرتبة 43 دوليا. من جهة أخرى، تراجع ترتيب الكويت خمس مراتب إلى المركز 65 عالميا. بدورها تأخرت السعودية مرتبة واحدة إلى المركز 80 دوليا.
تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد على أنه سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية ولا تميز المنظمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي، أو بين الفساد الصغير والفساد الكبير. وترى أن عمليات الفساد تسلب البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية.
جبهة مواجهة الفساد
حسب دانيال كومفمان الشريك في كتابة تقرير مؤشرات الحكم الصالح لا يمكن الجزم أن الدول الغنية والقوية تتمتع بأفضل أنواع الإدارات والطرق الكفيلة لمحاربة الفساد. فقد كشفت الأزمة المالية أن الأنظمة المطبقة في الدول الصناعية الرئيسة لا تشكل أنموذجا للآخرين. وخير مثال على ذلك هو قدرة المصرفي برنارد مادوف بتنفيذ عمليات نصب واحتيال على زبائنه بقيمة زادت على 68 مليار دولار. وقد تم اعتقاله في نهاية عام 2008 بناء على بلاغ من ابنه, وأخيرا صدر حكم قضائي بوضع مادوف وراء القضبان في السجن لمدة 150 سنة. على كل حال يحسب للولايات المتحدة ممارسة الشفافية وتطبيقها للقانون في حال الكشف عن تجاوزات مالية وإدارية.
من جملة توصيات تقرير مؤشرات الحكم الصالح المطلوب من السلطات الحاكمة بكل مؤسساتها محاربة جميع أشكال الفساد المالي والإداري, ويقتضي الصواب أن تعمل المؤسسات المختلفة, وخصوصا السلطتين التشريعية والتنفيذية بمراقبة بعضها بعضا حتى يتسنى تحقيق الهدف المنشود أي محاربة الفساد. الأمر المؤكد هو أن المال الحرام يسيل اللعاب.