كيف نُربي أبناءنا؟
تساؤل بسيط في حجمه، ولكن جوابه يحتاج إلى تفكير عميق وتأمل قبل نطق إجابته، أكاد أجزم أنه لا يوجد بيننا ولا معنى إلا وقد استشعر عظم مهمة ومسؤولية تربية الأبناء ونتيجة ذلك، فكيفما نربي أطفالنا نحصد.
الطفل في سنواته الأولى يحاول فهم ما حوله، فيبدأ أبواه تلقينه كيف يجلس بالطريقة التي تجعل الناس يقولون عنه «متربي»، وكيف يتحدث بالطريقة التي تجعل الناس ينظرون إليه بمزيد من التقدير، كما أن أبويه لا يتقبلان النقد الموجه لهما بسبب سلوك ابنهما ليرددا مرة أخرى «ابننا متربي»، ويوماً بعد يوم يُدَرب هذا الطفل كيف يكون «مثالياً» بغض النظر عما يدور في داخله وما يريده حقاً، أي إنهما اللذان يشكلانه على النحو الذي يريانه صواباً، وهذا مصداقا لحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة،فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) متفق عليه.
هذا الطفل يُقْحم بخبرات أكل عليها الدهر وشرب، يغلب عليها الماضي أكثر من تناولها للحاضر والمستقبل ، فمثلا عندما تروي أمه له الحكايات القديمة المتنوعة التي ورثتها عن أمها (جدة الطفل) بما في ذلك قصص «الغول» و«السعلوية» وغيرها من قصص الخرافة، وأبوه أيضاً يحدثه عما مضى وما قام به أجداده ،ولا ننسى أيضا أن الطفل سمّي باسم أحد الأجداد قبل أن يخرج إلى الحياة تكريماً لذلك الجد وليس للطفل.
وما إن يحضر مجالس الرجال حتى يتعلم من خلال جمل تتحدث عن الماضي وتمجده، وهكذا حتى يكبر فينشأ جيل مُلم بالماضي أكثر من إلمامه بواقع حياتنا والمتغيرات التي تحدث في العالم من حولنا.
هذا هو حال تربية الأبناء داخل مجتمعاتنا، الكل يحدث أبناءه عن الماضي ويزرع فيهم تلك الحياة، ليكون الابن مثل أبيه وجده ، كريماً على غرار كرماء العرب قديماً وحديثاً أو شجاعاً كشجاعة الفارس الفلاني، وهنا يجب أن نوضح أنها ليست دعوة قطيعة مع الماضي وإسدال الستار عليه وإنما هي دعوة لقراءة الماضي كماض، أي قراءة تستخلص التجارب والاستعداد للمستقبل كحق لحياة الطفل.
تلك التربية السائدة لا تكفي لصنع نماذج الرجال الذين يستطيعون حَمل مسؤولية الحياة المعاصرة وتحدياتها المستقبلية، لذا يجب أن يعلّم الطفل منذ نعومة أظفاره كيف يفكر؟ كيف يتحدث؟ وكيف يتصرف في مواجهة المتغيرات التي أصبحت السمة المميزة لعصرنا؟ ثم فهم أفضل للحياة وما يدور فيها من أحداث؟ وكيف يتعامل مع أسرته ومع الآخرين؟، حتى نصل إلى أن يكون أبناؤنا ممن يقول حين الحاجة إليه: «ها أنا ذا» لا أن يقول كان أبي، وكان جدي. ونتيجة لذلك قد يبرز السؤال القضية: هل نحن نتآمر على فلذات أكبادنا دون علم منا؟ وهذا قد يخدم توجه من يعيب علينا غيابنا الثقافي وجفاف أفكارنا، وبأننا لا نستطيع أن نقف ثقافياً، حتى أصبحنا (نَسخر) من كل ما هو ثقافي ونحوله إلى رسم ساخر واستهزاء في المجتمع؟
إننا بحاجة إلى تربية تجعلنا (نصنع الأمجاد بدلاً من أن نتغنى بها)، وما أجمل أن نعيد تربية أنفسنا أولاً.
خاتمة:
في هذا السياق لا أرى بأساً أن أذكر أن عشرين طالباً في إحدى جامعات ألمانيا كان مشروع تخرجهم هو إطلاق قمر صناعي للجامعة، وقد تم إطلاقه بنجاح.
والله الموفق.
عدد القراءات: 232