السياحة في تنومة.. بين الواقع والمأمول
الحديث عن احتياجات مدينتي (تنومة) حديث يطول وذو شجون، ولكنني سأقتصر الحديث عن إحداها، ليس لأنها الأهم، ولكن لأن لها في ذاكرتي موقفا جعلني في حرج كبير.
صديقي شاب أعزب يهوى الأسفار والترحال، أعطاه الله بسطة في الرزق والمال، فوجئت باتصاله من أمام مبنى بلدية تنومة، فاستقبلته استقبال الأبطال، وقدّمت له ما يقدمه العرب من فنون الكرم والضيافة، وهيأت له مكان المبيت في منزلي غير أنه أبى أن يبقى، وطلب مني أن أدله على طريق الفندق، فأخذته لإحدى عمارات الشقق المفروشة، وأسكنته في شقة صغيرة. وقبل أن أودّعه انصرف وقال لي أنه في ترحاله وأسفاره لا يسكن سوى في الفنادق ولا يثق في غيرها من ناحية النظافة والاهتمام، وأنه لم يقبل المبيت في الشقة إلا إكراما لي وللمنطقة.
هذا الموقف أحرجني كثيرا لأنني أنا من دعاه لزيارة تنومة لينعم بجمالها ويستمتع بلطف نسيمها، فتساءلت: لماذا ندعو الناس للسياحة في تنومة دون أن نوفر لهم الحد الأدنى من الرفاهية؟ الرفاهية المباحة التي تحقق المتعة للطبقة المترفة من السوّاح .. فليس كل السوّاح يرضون بشقة ذات أثاث بال في عمارة متهالكة تفتقد لأبسط الخدمات، بينما الفندق يوفرها لهم على مدار الساعة، كخدمة تنظيف الغرف، والأمانات، والصالة الرياضية، والإنترنت، وغيرها مما لا يخفى على أحد. والسائح عندما يترك منزله ليتكبد عناء السفر ليأتي إلينا قد يضطر للإقامة في أي شقة حتى وإن كانت متردية تأنفها النفوس الكريمة، ولكنه حتما لن يكرر التجربة، و كل من تسول له نفسه المجيء إلينا سيثنيه ذلك بما أوتي من قوة.
نعم .. مدينة تنومة صغيرة، تتكون من قرى وأرياف تترابط فيما بينها بطرق أفعوانية ضيقة، ولكنها لن تبقى كذلك - بإذن الله - إذا ما استثمرنا مقوماتها السياحية في تنميتها، فلا يوجد ما يدعو الزوار للتوافد إليها غير السياحة. فهي ليست مدينة الجامعات والمصانع والمعاهد والمستشفيات حتى نراها مكتظة بالبشر على مدار العام، بل مدينة الطبيعة والجمال، والمطر والديم والزهر، والسياحة التي لا تقل أهمية عن المصانع والجامعات في تنمية المدن وازدهارها.
و علينا قبل جدولة فعاليات وبرامج التنشيط السياحي أن نؤسس السياحة نفسها بالمفهوم الصحيح لها، فهي لم تعد مبنية على العروض الشعبية والرقصات التراثية - مع احترامي لدورها وقيمتها واعتزازي الشديد بها - بل أصبحت صناعة استثمارية تتكئ على نتاجها دول وأقاليم، ورافداً مهماً للرفاهية والعيش الكريم، ناهيك عن دورها في رسم ملامح وثقافات الشعوب في أذهان الزائرين، فضلاً عن دورها في نهضة المنطقة وتتابع التنمية المدنية فيها بخطى حثيثة في شتى المجالات. كالطرق، والاتصالات، والمستشفيات وغيرها، فهي استثمارات متلاحقة تجرّها الوفود السياحية معها أينما حلت، فكل نشاط يتبعه نشاطات تآزرها وتكمّلها، فلا تستقيم إحداها إلا بالأخرى.
لذا فإن العبء الأكبر سيكون على القطاع الخاص، وأعني به رجال الأعمال في تنومة، فهم من يعوّل عليهم في صناعة التنمية في المنطقة، ودفع عجلة السياحة فيها نحو المقدمة، ولديهم من الخبرة والأدوات ما يساعدهم على تحقيق ذلك، وخاصة إذا ما تبنوا إستراتيجية التكتل والاتحاد التجاري كأساس وقاعدة اقتصادية ملحة في زمن أصبح فيه العمل الجماعي أكثر أمانا من العمل الانفرادي، ثم الشروع في تأسيس شركة سياحية بامتياز على غرار شركة عسير والباحة السياحيتين، تأخذ على عاتقها بناء المنشآت السياحية، كالمنتجعات والملاهي والحدائق والفنادق، بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة والاستفادة من التسهيلات البنكية، فما تحتاج إليه السياحة في تنومة هي شركة تعتمد معايير الجودة في منتجاتها السياحية، لها القدرة على تسويقها في جميع أنحاء العالم.
نعلم أن الأمر ليس بالهين ولكنه في الوقت نفسه ليس بالسريالي الخرافي الذي لا يقبل التطبيق، والألف ميل تبدأ بخطوة واحدة أراها في اجتماع رجال الأعمال في المنطقة – ولو لمرة واحدة – والتباحث في هذا الأمر، فربما أن بقية الخطوات ستأتي تباعا إذا ما صدقت النوايا وحضرت العزيمة.
عدد القراءات: 347