مؤتمر الهيئات الشرعية يعتمد 96 معياراً حتى 2011
انتهت أعمال المؤتمر الثامن للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية المنعقد في البحرين. وأسفر المؤتمر السنوي عن اعتماد عدد من المعايير الشرعية والمحاسبية في خطوة تحمس لها الكثيرون باعتبارها بداية طريق توحيد المعايير التي تنظم عمل التمويل الإسلامي. وقد تزامن المؤتمر مع إعلان إحدى كبريات شركات المحاسبة العالمية عن مبادرتها للتقريب بين المعايير في كل من الشرق الأوسط وماليزيا. إلا أن البعض يرى أن هناك من يعرقل توحيد المعايير لأنه سيؤدي لتقليص بعض الأنشطة بحسب قولهم.
اعتمدت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية 80 معياراً من المعايير الشرعية لعمل تلك المؤسسات، بالإضافة إلى معايير خاصة بالمحاسبة والمراجعة وأخلاقيات العمل المصرفي الإسلامي. كما ينتظر أن يضاف 16 معياراً آخراً حتى عام 2011. وتم الإعلان عن تلك الخطط خلال فعاليات المؤتمر الثامن للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية والذي عقد في البحرين مؤخراً.
وأكد د. محمد نضال الشعار –الأمين العام للهيئة- أن هناك إحدى عشرة دولة وجهة تلتزم بتطبيق المعايير المحاسبية والأخلاقية ومعايير المحاسبة ومنها السودان والبحرين وقطر والأردن وسوريا وجنوب إفريقيا إضافة إلى أستراليا. وتستخدم هذه المعايير كمبادئ توجيهية للمؤسسات المالية الإسلامية في كل من بروناي وأندونيسيا والكويت ولبنان وماليزيا وباكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. كما إن عدداً من الجهات يقوم بتطبيقها وعلى رأسها مركز دبي الإسلامي وبنك التنمية الإسلامي. إلا أنه أوضح أن المعايير الشرعية تلتزم جميع دول العالم بتطبيقها.
وقال الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة –رئيس مجلس أمناء هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية- إن مشروع تطوير المعايير يأتي استجابة للنجاح الباهر الذي حققته المؤسسات المالية التي تعمل وفقاً لأحكام الشريعة. وأضاف أن المشروع يتضمن مراجعة المعايير الحالية وصياغة معايير جديدة تصل بالعدد الإجمالي إلى 90 معياراً تدعم بمجموعة من المبادئ الأساسية للمحاسبة والشريعة والأخلاقيات تعتمد عليها صناعة المال والمصرفية الإسلامية. لكنه أكد أن الطريق لا يزال طويلاً على الرغم من النجاح الذي سجلته هذه المعايير في تقديم درجة متقدمة من الموائمة لممارسة التمويل الإسلامي. وقد سجلت الهيئة تقدماً في هذا المجال حيث قدمت عدة خطوات مهمة منها وضع برنامج المدقق الشرعي المعتمد وكذلك برنامج المحاسب القانوني الإسلامي المعتمد موضع التطبيق وكان لهذه البرامج شأن كبير في رفع مستوى الاحتراف والتخصص في الصناعة المالية الإسلامية. يضاف إلى هذا إن الهيئة استحدثت برنامجاً لتصديق العقود والذي تسعى من خلاله للتأكد من أن العقود المالية النمطية التي تبرم بين المؤسسات المالية الإسلامية وعملائها تطابق مع معايير وأسس الشريعة.
أما د. عبد الباري مشعل –المدير العام لشركة رقابة للاستشارات ليدز بريطانيا- فقد شدد على أهمية وضع المعايير واستحداث معايير جديدة كلما استلزم الأمر وذلك في ورقته أمام المؤتمر والتي حملت عنوان «خصوصية ومتطلبات الرقابة الشرعية للمصرف المركزي على المؤسسات المالية والإسلامية». وأشار إلى أن أغلب الدول الإسلامية تعاني من غياب هيئات الرقابة الشرعية الخاصة بكل مؤسسة مالية. كما لا توجد هيئة رقابة شرعية مخولة بمراجعة جميع القوانين لمعرفة مدى تطابقها مع الشريعة عدا النموذج الباكستاني والإيراني.
ودعا لعدم اقتصار عمل هيئات الرقابة الشرعية على أنشطة هيئة الفتوى والشئون الإسلامية مشدداً على ضرورة استكمال مرجعية شاملة تشمل أنماطاً مختلفة من التطبيقات وإلزامها رسمياً مع استحداث قنوات وآليات محددة لمعالجة الفجوات والمستجدات.
ولفت إلى أن مجرد إقرار المعايير لا يكفي في حد ذاته للتيقن من تحقيق نهضة صناعة التمويل الإسلامي وإنما لابد أن يقترن ذلك بالتطبيق السليم المنضبط لهذه المعايير.
«مركزي البحرين» يراجع المعايير
أكد خالد حمد –المدير التنفيذي للرقابة المصرفية ببنك البحرين المركزي- أن تداعيات الأزمة المالية العالمية وكذلك النمو السريع في صناعة المصرفية الإسلامية كانا بمثابة الدافع لاتخاذ قرار من البنك المركزي بمراجعة معايير ومنهجية المصرفية الإسلامية والتشريعات الخاصة بها. وضرب مثالاً بما حدث عندما ارتأى البنك تطوير تعريف الوديعة الإسلامية وكيف أن هذا أدى لاتخاذ خطوات بشان مراجعة الأمور المتعلقة بالحسابات الاستثمارية من جميع النواحي القانونية والمحاسبية والتسويقية. وأشار إلى أنه لابد من خضوع استراتيجيات البنوك الإسلامية إلى مراجعة شرعية بشكل دوري من أجل التأكد من تحقيق التنمية المستدامة من ناحية، وخدمة المجتمع من ناحية أخرى بدلاً من التركيز على تحقيق الأرباح. وأكد على ضرورة تقييم ومراجعة الطرق المتبعة في عرض العقود والصفقات المالية على المجالس الشرعية مشيراً إلى أن تطوير المعايير الشرعية المعنية سيكون من شانه أيضاً تفعيل وتقوية دور المراقب الشرعي.
ودعا حمد –بصفته رئيساً لمجلس إدارة السوق المالية الإسلامية الدولية- المجلس الشرعي لهيئة للنظر في العقود الموحدة لمرابحات السلع التي قامت السوق المالية الإسلامية بإعدادها وذلك لاعتمادها كعقود موحدة. ولفت إلى أهمية الدور الذي يقوم به صندوق الوقف الذي أنشأه البنك المركزي لتمويل تطوير التدريب والبحث العلمي. وأضاف أن الصندوق يعكف حالياً على إعداد برنامج تدريبي عن أصول فقه المعاملات المطلوبة كما أن العمل جاري على تطوير برنامج بكالوريوس الدراسات الإسلامية لدى جامعة البحرين لتطعيمه بمواد في التمويل الإسلامي وأصوله. ويعتبر صندوق الوقف –الذي تم تأسيسه بقيمة 4.6 مليون دولار- هو أول صندوق من نوعه يتم تأسيسه في البحرين التي تضم أكبر تجمع للمؤسسات المالية الإسلامية في الشرق الأوسط (28 بنكاً ومؤسسة). ويهدف الصندوق لرفع مستوى تطور الصناعة المالية الإسلامية وتوسيع بنيتها التحتية. كما أنه يعمل على تعزيز أنشطة المؤسسات الداعمة للصناعة المالية الإسلامية المتواجدة في البحرين مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وسوق المال الإسلامي الدولي، ووكالة التصنيف الإسلامية الدولية والمجلس العام للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية.
وليست مبادرة مؤتمر البحرين هي الأولى فقد قام مجلس الخدمات المالية الإسلامية بكوالالمبور بإطلاق وثيقة مهمة بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث. وحملت الوثيقة اسم «الإطار والاستراتيجيات العشرية لتطوير صناعة الخدمات المالية الإسلامية» ودعت لمراجعة وتعديل معايير المحاسبة والتدقيق للمؤسسات المالية الإسلامية. كما دعت لإيجاد معايير محاسبية دولية موحدة ومتعارف عليها يمكن من خلالها الحد من الاجتهادات وتعدد المعالجات للموضوع الواحد.
وعن أهمية إيجاد معايير محاسبية إسلامية ناقش المؤتمر أيضاً قضية التحاكم للقوانين الدولية من خلال مشاركة د. عجيل النشمي من خلال ورقة بعنوان «الحكم الشرعي للتحاكم إلى القوانين الدولية». وقال فيها إن التحكيم يعتبر إجراء لتسوية المنازعات وقد أثبت مشروعيته في الكتاب والسنة وإجماع الصحابة. كما أن التحكيم من منظور إسلامي يلتقي مع مبدأ القضاء والإفتاء من أكثر من زاوية. وخلص إلى أن احتكام المؤسسات المالية الإسلامية إلى قوانين الدول الأجنبية محرم على سبيل القطع إلا في حالة الضرورة القصوى أو الحاجة الملحة لاتخاذ مثل هذا الإجراء. وشدد على أهمية أن تقر الهيئات الشرعية العقود المتضمنة في تحكيم القوانين للجهات الأجنبية للتحاكم بها.
تجدر الإشارة على أن مؤتمر الهيئات الشرعية يعقد بشكل سنوي, ويناقش عددا من القضايا المهمة التي تواجه الخدمات المالية الإسلامية. ويهدف إلى تطوير الصناعة المصرفية الإسلامية ودعم الرقابة الشرعية في المؤسسات والمصارف الإسلامية مع التركيز على البدائل الشرعية للمعاملات المصرفية. ويتناول المؤتمر خصوصية ومتطلبات رقابة المصرف المركزي على المصارف الإسلامية, وضوابط تطوير المشتقات المالية في العمل المالي الإسلامي, وآليات تفعيل التدقيق والرقابة الشرعية الداخلية وتطويرها. يضاف إلى هذا مناقشة أساليب نقل المخاطر في المعاملات المالية الإسلامية خصوصية وأساليب نقل المخاطر في المعاملات المالية الإسلامية.
مبادرة ديلويت لتقريب المعايير
ومن جانبها أعلنت شركة ديلويت –إحدى أكبر شركات المحاسبة والتدقيق- عن قيامها بدورها في عملية تطوير المعايير المحاسبية الإسلامية. وأكدت الشركة أنها ستطلق مبادرة هي الأولى من نوعها تقوم من خلالها بتطوير تلك المعايير في الخليج وماليزيا بما يؤدي لتحقيق المزيد من التقارب في آليات عمل هذه المعايير بحيث تكون أكثر فعالية في النهوض بصناعة المصرفية الإسلامية.
وتعتمد الشركة في مبادرة التقريب التي تعتزم القيام بها على وجود عدد من موظفيها سبق لهم العمل مع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين وكذلك مجلس المعايير المحاسبية الماليزي. وبهذا تعتزم الشركة دمج هذه الخبرات في مجال المحاسبة الإسلامية بين المنطقتين بهدف التوصل لمعايير محاسبية موحدة تخدم المصرفية الإسلامية الآخذة في النمو بشكل لافت.
وأكدت الشركة الرائدة في عالم المحاسبة والتدقيق أنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالتفسيرات المختلفة للمعايير المحاسبية الإسلامية. وتقوم الشركة في الوقت الراهن بالاتصال بالأجهزة الرقابية والتنظيمية في الدول الإسلامية المختلفة للوقوف على الكيفية التي يمكن بها تبني المعايير بأفضل طريقة وكلك لتقديم قدر أكبر من الشمول والتفسير الواضح لتلك المعايير. ومن الأمثلة التي تبرهن على تلك التحديات رغبة المركز المالي الدولي في دبي في إتباع معايير هيئة المحاسبة إلا أنه في الوقت ذاته يريد تطبيق معايير الإبلاغ المالي الدولية .
تأتي هذه الخطوة بعد أن افتتح ذراع الشركة الآسيوية (ديلويت توش آند توماتسو) مركز الامتياز للمالية الإسلامية في كوالالمبور لتنضم إلى الفروع السابقة في لندن ودبي. ويتكون كل مركز من ثمانية إلى عشرة مختصين في المصرفية الإسلامية علماً بأنه يتلقى الدعم من شبكة عالمية من خبراء صناعة الاقتصاد الإسلامي وتتألف هذه الشبكة بدورها من الأقسام العاملة في الخدمات الضريبية والاستشارية المالية. ويؤكد داود فيكاري عبد الله -المسئول بالشركة- أن ديلويت تعمل أيضاً على تطوير المهارات اللازمة للقيام بعمليات التدقيق الشرعي والمحاسبة فيما يتعلق بحسابات المؤسسات المالية الإسلامية. كما أنها تستفيد في محاولتها التقريب بين المعايير من كونها شركة متعددة الجنسيات حيث أنها تضم خبراء في النظام الضريبي المتبع في معظم دول العالم من ثم فإن لديها القدرة على توفير فهم أكبر لمختلف اللوائح والتشريعات مما يمكنها من أداء مهمة التقارب بشكل أكثر فعالية. وفي نفس الوقت فإن للشركة باعاً طويلاً في مجال الاستشارات حيث تقدم العديد من الاستراتيجيات التشغيلية مثل عملية تحويل بنك تقليدي إلى بنك يعمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وكذلك بالنسبة لشركات التأمين حيث تساعد على تحويل التقليدي منها إلى شركات يتوافق عملها مع الشريعة.
ويرى الخبراء أن شركة ديلويت من شأنها إنجاز مهمة التقارب بين المعايير في الخليج وماليزيا لا سيما أنها أصبحت أول شركة من بين الأربعة الكبار في شركات التدقيق والمحاسبة التي تقوم بتعيين فقيه شرعي لها. وتعتبر تلك المبادرة خطوة مهمة في مجال سعيها للتفوق على الشركات المنافسة في السوق المالية الإسلامية سريعة التطور. واستطاعت الشركة بهذا أن تسبق منافسيها في هذا المجال حيث أن أيا من الشركات الثلاث الأخرى (إرنست آند يونج) لا يوجد لديها فقيه متخصص لإجازة المنتجات المالية وبيان مدى مطابقتها أحكام الشريعة.
ضد توحيد المعايير
وفي الوقت الذي عمّ فيه جو من التفاؤل بشأن توحيد المعايير خرج خبراء دوليون برأي مفاده أن هناك عدداً من البنوك والمؤسسات المالية لا ترغب في اتخاذ خطوة وضع معايير موحدة لصناعة المالية الإسلامية. وذهب البعض لما هو أبعد من هذا حيث اعتبروا أن تطوير معايير مشتركة لمنتجات التمويل الإسلامي في القريب العاجل يمكن أن تضر بهذا القطاع الناشئ على المدى الطويل وهو الرأي الذي تبناه أندرو ميتكاف أخصائي التمويل الإسلامي في شركة كنغ آند سبالدنغ للمحاماة. وقال إن صناعة التمويل الإسلامي تواجه خيارات صعبة وتقف عند مفترق طرق بين المزيد من الابتكار وظهور توحيد قياسي للمنتجات التي تقدمها. وأكد أن بعض اللاعبين في تلك السوق أعربوا عن عدم رغبتهم توحيد ما يقومون به في الوقت الحالي حيث يرون أن الأمر لم يتطور بما يكفي. وميّز بين المدرسة الماليزية والشرق أوسطية حيث اعتبر أن الأولى تميل أكثر للابتكار في حين ينظر إلى فقهاء الهيئات الشرعية في مؤسسات الشرق الأوسط على أنهم أكثر تحفظاً. وقال إن صناعة التمويل الإسلامي يجب أن تحدد موقفها من المشتقات المالية وهل هي أقرب إلى المقامرة أم إنها تحقق أغراضاً اقتصادية.
ويتفق حيدر حمودي –أستاذ القانون المساعد بجامعة بيتسبرغ الأمريكية- مع ميتكاف في أن هناك من يقف وراء عدم توحيد المعايير. ويقول حمودي إن بعض ممارسي صناعة التمويل الإسلامي لا يريدون أي شكل من أشكال التوحيد لأن الوضوح يقلل من قدرتهم على إبرام الصفقات. وأضاف أن غالبية المعايير في أية صناعة لا تظهر إلا عند وجود تهديدات لهذه الصناعة تنذر بمزيد من القيود التي تفرضها ضغوط خارجية أكبر مثل الدولة. وتكون في صورة تنظيمات وقواعد قانونية.
ويرى طه عبد البصير - المستشار الشرعي لدى العديد من صناديق الاستثماروالبنوك الاستثمارية وشركات الاستشارات المالية- أن المعايير الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية تعبر عن الرأي الغالب الذي يميل إليه خبراء العالم في هذا المجال. وأضاف أنه لابد من اعتماد الاستشاريين القانونيين على المعايير الصادرة عن الهيئة عند الرد على أية استفسارات ترد إليهم .