المجلس يصدر شهادة «المصرفي» للعمل في البنوك الإسلامية
فرضت الظروف والتغيرات الاقتصادية الأخيرة على الصناعة المالية الإسلامية واقعا جديدا، ومثلما أحدثت هذه التغييرات تحولا في اتجاهات المؤسسات العاملة في المجال الاقتصادي والمالي بشكل عام، فإن هذه التحولات قد لامست أيضا اتجاهات المراكز البحثية والمهتمة بالشأن الاقتصادي الإسلامي، في هذا الحوار، يكشف لنا الدكتور عزالدين خوجة الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بالعاصمة البحرينية المنامة جانبا من هذه التحولات، بالإضافة إلى عدد من القضايا المستجدة .
*أكدتم أن هناك ثمة تحول في خطة عمل المجلس، كنتم ومنذ إنشائه تحصرون عملكم في تطوير الصناعة المالية الإسلامية.. ما التحول الذي حدث؟ وما أسبابه؟
لا شك أنه حدث تحول كبير وكامل، وعلى عدد من المستويات في المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية خلال العامين الماضيين، وهذا التحول في الحقيقة شمل خطة عمل المجلس ورسالته وأهدافه، وكان ذلك عقب اجتماع الجمعية العمومية التي رأت ضرورة إعادة النظر في رسالة المجلس لأن يلعب المجلس دورا أساسيا ليس فقط في تطوير الصناعة المالية الإسلامية وإنما في حمايتها.
وفي الحقيقة أن هذا التحول جاء عقب النمو الكبير في الصناعة، وهو نمو قمنا برصده طوال السنوات الماضية منذ العام 1998م وحتى يومنا هذا. وقد وصل نسبته بين 35 إلى 40 في المئة وليس كما يقول البعض إنه يتراوح بين 10 إلى 15 في المئة، وبقدر ما أن هذا النمو أفرحنا ويفرحنا إلا أنه يخيفنا أيضا لأن الجميع اليوم يسعي للحصول على حصة منه، كما أنه قد استقطب الكثير من الجهات على مستويات متباينة جميعها تحرص على تقديم خدماتها وهذا يتطلب المزيد من التنظيم والترتيب.
*كيف يمكن إذن تنظيم هذا التزايد إن صح القول خاصة أن الجميع يهدف إلى الربح والاستفادة؟
مما لا شك فيه أن هذا التزايد في الجهات المتعاملة في الصناعة وهذا التوسع الكبير يتطلب وضع المزيد من المعايير والضوابط المحددة التي تحمي هذه الصناعة، وهي صناعة كما نعلم جميعا بدأت بأشخاص كانوا مؤمنين بها كفكرة وكرسالة وكانوا يعملون من أجلها بجد، اليوم أصبح الهدف الربحي هو الهدف الرئيس لمعظم العاملين في هذه الصناعة وهو هدف كما نعلم مشروع، ولكن ما نخشاه هو طغيان هذا الهدف ونسيان الضوابط والأحكام الشرعية والرسالة التي نريد تحقيقها.
*كيف يمكن للمجلس العام أن يشارك في هذا الجانب، أي حماية هذه الصناعة من الطوفان أو طغيان أهدافها الرئيسة كما قلت؟
هذا ما نعمل عليه الآن وهو ما دعانا لطرحه كرسالة للمجلس أي حماية هذه الصناعة المالية حيث سنعمل على مستويات عدة، كل مجال فيه نمو متصاعد علينا أن نضع له الضوابط والمعايير والأسس المناسبة لحماية الرسالة؛ فبالعودة لبدايات مشاريع المجلس العام نجد أننا كنا نركز خلال الفترة السابقة على جانب المعلومات بشكل أساسي، وقد أصدرنا في هذا الجانب الكثير من التقارير جمعنا فيها كل البيانات عن المؤسسات المالية بالإضافة إلى المعلومات الإدارية هذه، أصدرنا أيضاً عددا من الدراسات، الآن كما قلت سابقا نريد أن نهتم أكثر وأكثر بالجانب النوعي ولهذا الجانب عدة مسارات أمامنا، سأذكر هذه المسارات بشكل عام ثم أعود إليها تدريجيا، نحن الآن نؤمن بأن هذه الصناعة لم تكون موجودة لولا هذا الطلب المتزايد من جمهور العملاء؛ ولذا يبدو التواصل مع العملاء في غاية الأهمية، بل إننا نؤمن نحن في المجلس العام إيمانا كبيرا جدا أن أفضل طريق لمعالجة الأخطاء في الصناعة المالية الإسلامية هو التواصل مع العملاء؛ لأن العملاء الذين جاؤوا للمؤسسات المالية الإسلامية بقناعة وبرغبة يجب أن تكون معاملتهم متوافقة مع الشريعة الإسلامية هؤلاء يستطيعون إذا وجدوا الجهة التي تقدم لهم البيانات والمعلومات بكل شفافية، وتقدم لهم صورا واضحة عن هذه المنتجات الموجودة المختلفة وعن الخدمات التي تقدم فإننا نستطيع من خلالهم أن نؤثر في مسيرة الصناعة وفي ضبط نموها في الاتجاه الصحيح؛ ولذلك قمنا بتأسيس مركز الرصد والتواصل وهو مركز الهدف الأساسي منه التواصل مع العملاء لمعرفة آرائهم، وانتقاداتهم، وملاحظاتهم حول الصناعة وبطبيعة الحال استفساراتهم أيضا، من هنا تأتي ضرورة تثقيف العملاء أنفسهم بالأدوات والصيغ والمعاملات المالية الإسلامية، كما أن هناك بعض العملاء لديهم انتقادات بعضها قد تكون خاطئة نحن نقوم بتصحيحها، وأيضا كثير منها تكون في الصميم وملاحظات صائبة تحتاج إلى التمعن في دراستها وفي بلورة حلول لها؛ ولذلك تم تأسيس مركز التواصل للقيام بمثل هذه الأعمال.
*ما أبرز ما قمتم به كمرحلة تطبيقية؟ وهل العملاء فقط هم من تتوجهون إليهم من خلال هذا المركز؟
كمرحلة تطبيقية نقوم بإصدار عدد من الشهادات المتصلة بالصناعة التي تعمل على التركيز في هذا الجانب، وهي شهادات موجهة للعملاء ورجال الأعمال، قبل فترة قصيرة تناقشنا مع الإخوة في مصر ومن خلال عنصر مشترك بيننا وبين الجمعية العمومية للغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة فاتفقنا على ضرورة أن يكون لرجال الأعمال والمتعاملين مع الصناعة المالية حد أدنى من الوعي الذي يمكنهم من فهم هذه الصناعة وأيضا التفريق بين الغث والسمين، وفي الإطار نفسه قمنا بإصدار شهادة أطلقنا عليه اسم "شهادة فقه الأسواق" وهي تعمل على تحقيق طلب الجمهور على اعتبار أنهم يمثلون الجانب المهم في معادلة العرض والطلب، وكما نعرف أن ديننا ينادي بضرورة التفقه، كما يقول سيدنا عمر رضي الله عنه وأيضا سيدنا علي كرم الله وجه: "الفقه ثم المتاجرة، الفقه ثم المتاجرة، الفقه ثم المتاجرة"؛ فقضية التفقه في الدين إذن وخاصة للعاملين بالأسواق مهمة جدا لهم؛ لأن هذه المعرفة تسهل عملية التواصل من ناحية وتسهل أيضا العمل المطلوب وكان هذا أحد الجوانب التي تهمنا نحن في المجلس العام أن نتواصل مع الجمهور عموما وحتى مع رجال الأعمال والجهات التي لها علاقات مع الصيرفة الإسلامية فهذه أشياء في غاية الأهمية.
#2#
*وماذا عن القضايا التي تتصل بالصناعة.. وخاصة المستجدة منها؟ هل هي من المواضيع التي يهتم بها المجلس؟
لا شك أن المجلس يهتم بالقضايا التي تثار حول الصناعة المالية الإسلامية، وتعتبر تلك من الأمور المهمة بالنسبة له، وكمثال الأزمة المالية الحالية وهي جزء من الموضوعات المالية التي مست كل العالم، ونحن بدورنا اهتممنا بها وقمنا في هذا الإطار بإصدار كتاب من 336 صفحة غطت الكثير حول الأزمة المالية، بل أكثر من ذلك فقد قمنا ومن خلال الموقع الخاص بنا بجمع كل المواد الخاصة بالأزمة المالية، وفي اعتقادنا أن هذه الأزمة ستستمر لفترة طويلة ولذلك سيتم تحديث هذا الموقع والاستمرار في تغذيته بالجديد، وأكثر من كل ما سبق فإننا قمنا في المجلس العام بإعطاء الرؤية الإسلامية لعناصر وجذور الأزمة والرؤى الإسلامية لحلها، ونحن نعتقد في المجلس العام أنه لا بد من التفريق بين ظواهر الأزمة وبين جذورها، ففي اعتقادنا أن جذور الأزمة تتمحور حول أربعة أشياء أساسية هي الربا "الفوائد الربوية، وبيع الدين، والغرر، ثم أكل أموال الناس بالباطل وغير هذا تعتبر مجرد تفريعات لهذه الجذور الأربعة، وللحقيقة فإننا نعمل ومنذ السبعينيات الميلادية حينما بدأت الصناعة المالية الإسلامية على بناء نموذج مالي يقوم على تحرير هذه المحاور الأربعة التي تؤكد لنا بأنها هي جذور الأزمة، وفي الإطار نفسه سعينا إلى إصدار وثيقة مبادئ الوسطية المالية والتي وزعت بين الدول التي شاركت في قمة العشرين، وقد ترجمت إلى اللغة الإنجليزية وفيها حددنا عشرة مبادئ أساسية في اعتقادنا هي مبادئ يجب العمل بها من أجل إيجاد الحلول للمشاكل التي تواجه هذه الصناعة، كما نعمل على توفير الحلول المناسبة للمشاكل وذلك بالتواصل مع العملاء والاهتمام بما يجري على الساحة ومتابعته والتأثير فيه.
*ما الآلية التي ستستخدمونها لتحقيق هذه الطموحات؟
كمرحلة أولى الآن كما قلت بدأنا من خلال مركز الرصد والتواصل بإصدار المطبوعات والكتب، وبعد ذلك لدينا خطط أخرى للتوسع بحيث نستقبل الاستفسارات والإجابة عنها والتواصل بشكل أكبر. كما نعمل على تنظيم الحملات الإعلامية الكبيرة.
*هناك جدل كبير يدور حول المنتجات الإسلامية على كل المستويات.. هل للمجلس أي دور في هذا الجانب؟
بالنسبة لموضوع المنتجات المالية هي نقطة خطرة تحتاج إلى ضبطها، وكما نعلم جميعا أننا اليوم لم نعد نتحدث عن صناعة مالية إسلامية واحدة، بل هناك صناعات كثيرة وبالتالي لا يمكن أن تكون صورتنا بالخارج متباينة بأن تكون هناك منتجات مشروعة في هذا البنك أو هذه المؤسسة وغير مشروعة في الأخرى، وهو ما يدخل العميل في دوامة من الحيرة، من هذه النقطة تحديدا رأينا في المجلس ضرورة العمل على المساهمة في وضع بعض الضوابط في هذه الناحية، على الرغم من أننا جهة محايدة، بصورة عامة نحن نريد منتجات مضبوطة بثلاثة ضوابط تجيب عن الأسئلة التالية: هل هذه المنتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية؟ وهل تنفيذها يؤدي إلى ملآت سليمة؟ وهل آليات تنفيذها سليمة أو لا؟ وفي هذا الإطار وضعنا عددا من المحاور والمعايير الخاصة بكل محور من هذه المحاور الثلاثة، وجملة من المعايير ثم وضعنا جملة من مؤشرات القياس التي نستطيع بها أن نصف المنتجات المالية الإسلامية، وأعتقد أن أول تقرير سيصدر خلال شهرين على أحد المنتجات وقد تم دراستها، والحقيقة هناك جهد كبير جدا من أجل بلورة نموذج رياضي يستطيع أن يحول فكرة التصنيف القائم على أساس المقاصد والمعادلات والآليات إلى نموذج رياضي قابل للتنفيذ، وهو ما تمكنا وللحمد لله في اجتماعنا الأخير من الانتهاء منه، وقد بدأنا في هذه المرحلة أيضا في إعداد تطبيقي لبعض المنتجات التي ستعرض على الهيئة في اجتماعنا القادم ثم ستطبع وفي هذا السياق لم ننس علاقتنا مع الجمهور سنحاول إن نوزعه على مختلف المتعاملين مع الصناعة المالية.
*ما يتعلق بالتدريب وفي ظل النمو الحادث في الصناعة.. ما دور المجلس في هذا الشأن؟
بالطبع مع نمو الصناعة نمت الجوانب المرتبطة معها والتدريب أحد هذه الجوانب، ونحن نرى اليوم كيف تتنافس المؤسسات التدريبية في الدخول لعالم الصناعة لتقديم الدورات، ولكن كلنا نعلم أن هذه العملية التأهيلية للكوادر البشرية قليلة بالنسبة لحجم النمو، كما أن هناك عددا محدودا من المدربين هم أنفسهم يتكررون، وكذلك الحقائب التدريبية نفسها تتكرر، كما نلاحظ أن المعايير المهنية في جانب التدريب غير كافية ولا تلبي الغرض وهناك بعض الجهات التي تقدم هذه الدورات لها خلفية شرعية فقط ولا تدري أبدا عن الآليات المصرفية والعكس أيضا بعض الذين يقدمون الدورات في معزل عن ضوابطها الشرعية وهذا الأمر في غاية الخطورة؛ لأن نحن نتحدث عن صيرفة إسلامية ولا بد أن نجمع بين ما هو فني مصرفي وبين الضوابط والتأصيل والمعرفة الشرعية والأحكام التي تضبط تلك المنتجات، والحقيقة من هنا جاءتنا الفكرة وقمنا بتقديم مشروع للمشاركة في هذا الجانب وذلك للجمعية العمومية للمجلس العام وقد تم اعتماد تأسيس مركز للتدريب المالي الإسلامي يتولى الإصدار لثلاثة أنواع من الاعتمادات: اعتماد المؤسسة التدريبية ذاتها بحيث إن كل مؤسسة لا تقدم خدمات التدريب الإسلامي إلا إذا توافرت لديها الشروط وأصبح لديها القدرة الحقيقية للقيام بذلك؛ لأن هناك بعض الجهات تقوم بتنظيم الدورات لمجرد أن لديها شبكة من العلاقات، ثانيا اعتماد المدربين، حيث إن هناك ضوابط شديدة لاعتماد هؤلاء المدربين مع إخضاعهم لاختبار مع آليات معينة، ثالثا اعتماد الحقائب التدريبية ثم نوجه الكلام كله بعد ذلك لإصدار عدد من الشهادات وفي الحقيقة نخطط لإصدار عدد من الشهادات بعضها تم الانتهاء منها مثل شهادة المصرفي الإسلامي وهي موجهة للموظفين العاملين في المؤسسات المالية، وهناك شهادة أخرى نعد لها وهي شهادة قيادات العمل المصرفي الإسلامي.
المهم الذي أود قوله هنا إننا بحاجة إلى التركيز في مثل هذه الدورات على العمق الفني، ولذا ترى أننا قد قسمنا الشهادة الأولى مثلا؛ شهادة المصرفي الإسلامي إلى ستة مسارات الأول هو الاقتصاد الإسلامي وهو الإطار الكلي التي تنظم فيها، المسار الثاني هو مدخل للمعاملات المالية الإسلامية مثل الديون وما فيها من قضايا المسار الثالث وهو عملية التمويل الإسلامي ثم الخدمات المصرفية بما فيها من المضاربة والمشاركات والأسهم وغير ذلك، ثم المسار الأخير هو النظم والتي يندرج فيها كل الحسابات الجارية وصناديق الاستثمار وغيرها، وحقيقة نحن نهدف من هذه الشهادة إلى منع أي موظف من العمل في مصرف إسلامي دون امتلاك هذه الشهادة لهذا جعلناها مفتوحة، وتكلفتها في متناول الجميع، كما أن مدتها مناسبة وهي معتمدة في جهات كثيرة مثل البنك الإسلامي للتنمية، كما أننا نعمل الآن على توفيرها في المكتبات، بحيث يمكن للراغبين دراستها ثم الخضوع للامتحان في بعض المراكز المعتمدة من قبلنا، وهنا نقطة مهمة أن اعتماد تأسيس هذا المركز المختص بالتدريب لم يكن منا وحدنا، بل هناك 120 مؤسسة عضوا وقد حضرت اجتماع الجمعية العمومية التي أطلقنا منه هذه المبادرة.
*هل مثل هذه الشهادات ستكون إلزامية؟ وعلى أي مستوي؟
بالتأكيد نحن نهدف إلى أن تكون إلزامية، وهناك التزام من الأعضاء المؤسسين لكيلا يتعاملوا مستقبلا إلا مع المؤسسات التدريبية المعتمدة بأن يكون لديهم نسبة كبيرة من الموظفين حاصلين على هذه الشهادات، وستكون هذه النسبة مقياسا لأداء التأهيل المناسب للكوادر، هذا الأمر لا يمكن أن نفرضه اليوم، صحيح أن هناك استعدادا من المؤسسات بأن تلتزم بهذا، ولكننا في الواقع غير مستعدين لا بد في البدء أن نوجد مؤسسات معتمدة وكخطوة أولي. الآن اعتمدنا عددا من المؤسسات، كما علينا إيجاد هذه الحقائب وهذا يتطلب منا توفير المنهج ونشره وكل ذلك يحتاج إلى سنتين أو ثلاث لكي تبدأ العملية ومن ثم ستأتي الخطوة التالية أي الإلزامية.