الشيخ صالح كامل.. عصامي يتربع على إمبراطورية البزنس
رحلة من العمل الدءوب.. جملة تلخص مسيرة رجل الأعمال الشهير الشيخ صالح كامل التي استطاع من خلالها أن يصبح واحداً من أهم المستثمرين ليس في السعودية فحسب وإنما في العالم الإسلامي. وليس من قبيل المبالغة القول إن الرجل كان عصامياً استطاع أن يصعد السلم درجة درجة حتى تبوأ تلك المكانة البارزة.
كانت البداية مثيرة حين لاحظت الأسرة ذكاء الطفل صالح وعشقه للعمل التجاري؛ فحتى وقت اللعب مع أترابه كان يخصصه لألعاب تتعلق بالبيع والشراء. وكانت تلك السمة من العوامل المهمة التي وصلت به لامتلاك إمبراطورية اقتصادية تمتلك وتدير ما يزيد على 12 مليار ريال موزعة على 300 شركة وبنك ومؤسسة في المملكة وفي نحو 45 دولة حول العالم. ولم يكتف الطفل بمجرد اللعب بل إنه بدأ رحلة التجارة والاستثمار فأخذ يصنع الألعاب الصغيرة البسيطة ويقوم ببيعها لرفاقه، وكان يصنع أدوات لعبة شعبية يقال لها «الكبوش» وذلك من عظام الخراف.
الكشاف السعودي
وما أن اشتد عود الصبي في المرحلتين المتوسطة والثانوية حتى بدأ يستغل موهبته الأدبية ويقوم بتحرير عدد من المجلات وبيعها لزملائه. وفي تلك الفترة أصبح أول رئيس لفرق الكشافة في المملكة. وخلال تلك التجربة لم تغب عقلية التاجر عن الطالب الدءوب فقد راودته فكرة استيراد ملابس رياضية. وأخذ من والده 3 آلاف ريال ثم سافر إلى لبنان واشترى بدل الكشافة، وصافرات، وسكاكين، وكتبا كشفية. وكان يدور بتلك الأدوات على مدارس جدة لبيع أدوات الكشافة التي جلبها معه من لبنان. وبمجرد إنهاء دراسته الثانوية في جدة التحق بكلية التجارة في الرياض. وأثناء المرحلة الجامعية أنشا مشروعاً صغيراً عبارة عن مطبعة صغيرة يقوم فيها بنسخ مذكرات الطلبة أسماها «دار ومكتب الكشاف السعودي «. وكانت تدر عليه دخلاً مرتفعاً بالنسبة لطالب جامعي. ورأى أن تلك المطبعة تحقق أرباحاً جيدة فلم يتخل عنها بعد التخرج في 1383هـ، 1963م ومن ثم الالتحاق بالعمل في القطاع الحكومي.
مشروعات موظف الحكومة
تنقل بين معظم الوزارات؛ فكان يداوم صباحاً في عمله الحكومي، ويباشر العمل في المطبعة مساءً. وبدأ حياته العملية بالطوافة – مهنة عائلته- ثم التحق بوزارة الشئون الاجتماعية حيث عمل بإدارة رعاية الشباب. وبعد فترة بسيطة انتقل للعمل في وزارة المالية. ومن جديد لا يقف طموح الخريج الشاب عند حد فيبدأ في إقامة عدد من المشروعات الأخرى التي كانت تنمو وتتنوع بمرور الوقت. وكان من أوائل الذين افتتحوا مطابخ في الرياض عندما افتتح مطبخاً أطلق عليه اسم «مطبخ الملز الشرقي» وتعاون في إنشائه مع طباخ ماهر كان يوجد يعمل في منزل الأسرة في جدة.
وبعده افتتح محل أزياء باسم ابنته غدير، وجلب باكستانيين للعمل كخياطين. وبعد عشر سنوات قضاها في وزارة المالية ترك العمل الحكومي وتفرغ لأعماله الخاصة.
وفي أثناء عمله بوزارة البرق والبريد والهاتف السعودية طرحت الوزارة مناقصة لنقل وتوزيع البريد الداخلي. ووجد الموظف الشاب في تلك المناقصة فرصة ذهبية لدخول مجال الاستثمارات الأكبر. وبدأ في تجميع الأموال التي ادخرها من مشاريعه السابقة وبلغت 300 ألف ريال اشترى بها 30سيارة لتكون نواة مشروعه الجديد الذي أطلق عليه اسم «البريد الطواف». وبدأت السيارات تجوب أنحاء المملكة وليكون بداية الانطلاقة الحقيقية في عالم الاستثمار. ولقي المشروع نجاحاً كبيراً واستمر لعدد كبير من السنوات امتدت إلى نحو خمس عشرة سنة. وقبل أن يبدأ المشروع قام بعمل تجربة بنفسه إذ طاف على جميع مدن وقرى السعودية. وقاس المسافة بين كل منطقة وأخرى حتى أصبح قادراً على تحديد كمية الوقود التي تحتاجها كل سيارة حتى تصل إلى هدفها.
وكانت النقلة الحقيقية بتأسيس شركة «مجموعة دلة البركة» في 1982. وتنوعت أعمالها في شتى قطاعات الاستثمار بين إعلام، وسياحة، وأعمال بنكية وعقارية وغير ذلك من الأنشطة المتعددة. وتبوأت تلك الشركة مكانة بارزة وأصبحت من أشهر شركات الاستثمار في جدة. وحقق الشيخ صالح ثروة هائلة من استثمارات المجموعة خاصة من أرباح العقود التي قام بإبرامها مع الحكومة السعودية.
بين الطيران والإعلام
ومن نقاط التحول الرئيسة في حياة صالح كامل حصوله على عقد مدرسة الدفاع الجوي في جدة حيث كان عرضه بـ 15 مليون دولار فقط في حين طلبت شركة نستيول الأمريكية 155 مليون دولار. وتلتها مناقصة المطار المدني التي توسعت وشملت صيانة مواقع الدفاع الجوي في جميع أنحاء المملكة، إضافة إلى 22 مطاراً مدنياً. ودفعت تلك المشروعات العملاقة الشيخ صالح للاشتراك مع شركة «آفكو» الأمريكية المتخصصة في صيانة المطارات، وتأسست شركة آفكو دلة أكبر مقاول صيانة في العالم في أواخر السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات.
ولعل من أبرز المشروعات التي ترتبط باسم الشيخ صالح قناة ART الفضائية التي أصبحت تدر نسبة ضخمة من الأرباح إذ يقدر عدد المشتركين فيها بأكثر من مليون مشترك خاصة أنها تمتلك حق البث الحصري لعديد من البطولات الرياضية والبرامج والأفلام. ولم تكن تلك القناة هي بداية عمله مع الفضائيات حيث سبق أن شارك رجل الأعمال السعودي وليد الإبراهيم في إنشاء قناة MBC. إلا أنه باع حصته منه لينشئ قنواته الخاصة. وخاض مجال الإعلام المقروء أيضاً فقد أسس مؤسسة دار عكاظ السعودية للنشر، كما أنه مساهم في صحيفة «الوطن» السعودية.
سوق إسلامية لرأس المال
أعلن الشيخ صالح أن دراسات تأسيس بنك بمثابة سوق إسلامية لرأس المال قد اكتملت من كل جوانبها. وسيكون بنك التنمية أحد المؤسسين الأوائل للبنك على أن تقدم الدعوة لنحو 50 - 60 بنكاً للمشاركة في رأسماله الذي يقدر بنحو ملياري دولار. وأوضح أن من مهام البنك الجديد إيجاد أدوات الاستثمار، وتنمية الاستثمارات الأولية، وإيجاد الأسواق الأولية وغيرها من الأدوات التي تحقق التنوع والشمولية. ويشير إلى أن العالم العربي لا توجد فيه قنوات لتنمية الاستثمارات فلا يوجد إلا البنوك التجارية بما فيها البنوك الإسلامية والبورصات. ولا توجد مؤسسات مالية وسطية بين البنك التجاري والمستثمر. ولهذا تكون أسواق الأسهم في حالات غير طبيعية وغير منطقية من خلال الارتفاعات التي تنتابها بين الحين والآخر أو الخسائر. وشدد على وجود عيوب في الأسواق العربية يجب تجاوزها للمرحلة المقبلة.
صندوق الشيخ صالح
ومن منطلق المسئولية الاجتماعية وقع الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – رئيس مجلس أمناء صندوق المئوية- اتفاقية تعاونية استراتيجية مع الأستاذ عبد الله صالح المدير التنفيذي لمجموعة دلة البركة القابضة. ونتج عن هذه الاتفاقية تنفيذ 35 مشروعاً شبابياً بقيمة إجمالية تقدر بخمسة ملايين ريال. ويقوم صندوق الشيخ صالح لدعم رواد الأعمال بتمويل مشاريع الشباب من الجنسين بالتعاون مع صندوق المئوية. ولم يقتصر الأمر على الدعم المادي حيث دعمتها المجموعة بتدريب الشباب المبادرين ببرامج تدريبية متكاملة مصممة خصيصاً لمساعدة الشباب على إنجاح مشاريعهم وضمان استمراريتها.
التفرغ للمصرفية الإسلامية
على الرغم من المناصب العديدة التي يشغلها الشيخ صالح إلا أنه صرح أنه سيتفرغ في الفترة المقبلة لأعمال البنوك الإسلامية وهي الأمنية التي طالما تحدث عنها في السنوات الأخيرة. كما يفصح عن حلمه في تطبيق تجربة بنك الفقراء البنغالية على أوسع نطاق في المملكة والدول العربية.
ويشغل الشيخ صالح عديدا من المناصب في إمبراطوريته الاقتصادية: فهو رئيس مجلس إدارة مجموعة دلة البركة (جدة)، وبنك البركة (لبنان)، وشركة الإعلام العربية (السعودية)، راديو وتليفزيون العرب ART. كما أنه رئيس مجلس إدارة المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، ورئيس غرفة التجارة الإسلامية (السعودية). كما يشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للاستثمار الزراعي (البحرين)، وعضو مجلس إدارة شركة صاني لاند (قبرص). وهو عضو مؤسس لبنك فيصل الإسلامي (السودان، ومصر)، والشركة السعودية لتجارة ونقل المواشي، الشركة الوطنية للشحن البحري، الشركة السعودية للنقل الجماعي.
يضاف إلى هذا أن الشيخ صالح عضو في عدد من الهيئات الاجتماعية والتعليمية في عدد من الدول العربية والأجنبية مثل المملكة المتحدة وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة. وقام بتقديم عدد كبير من الأوراق والمحاضرات حول الاقتصاد الإسلامي والتمويل، والتنظيم المصرفي، والتنمية، والفلسفة الاجتماعية. ولم تقتصر إسهاماته على ما قدم من أوراق وأبحاث وإنما قام بإنشاء مراكز بحث منها مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، ومركز صالح عبد الله كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر بالقاهرة، ومركز جدة للعلوم والتكنولوجيا.
تكريم وجوائز
كان نتاج هذا الجهد الواضح تكريم الشيخ صالح في عديد من المحافل، وحصوله على عديد من الجوائز الدولية. وحصل على جائزة رجل أعمال الخليج عام 1993، ورجل المصارف من بنك التنمية الإسلامي في عامي 1995 و1996. كما جاء ترتيبه السابع من بين أقوى 50 شخصية عربية في المنطقة والعالم من حيث التأثير في مسرح الأحداث عام 2006 >