متابعة الفصل الجديد للطاقة أصبح أمرا أكثر إغراء
إذا كان بالإمكان إعادة ميلاد الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى وائل السبعينيات من القرن الماضي في أعقاب أزمة النفط الأولى، فإنه يمكن القول إن الفضل يعود إلى لي بايلي في الكثير من ذلك الأمر. وكان في ذلك الحين طالباً في كلية الحقوق في الخامسة والعشرين من عمره، وكان يتصف بالطموح ، فبدأ العمل الصيفي في شركة للطاقة المتجددة للمساعدة في تمويل تعليمه. وحصل على شهادة في القانون من جامعة واشنطن، وشهادة أخرى من جامعة نورثوسترن، وثالثة من جامعة سانت لويس. ولكنه وجد أن متابعة شؤون الطاقة أمر أكثر إغراءً ، وبالتالي فإن لديه خبرة في الوقت الراهن في هذا المجال تمتد لأكثر من 15 عاماً.
وبدأ حياته العملية في هذا المجال من خلال العمل لدى شركة أدوات تحويل الطاقة، وهي شركة برأسمال يبلغ 60 مليون دولار، وجاءت كمشروع مشترك بين الحكومتين الأمريكية، والإسرائيلية. ودخل بعد ذلك كشريك في مشروع مشترك مع شركة رستك كانيون وشركاه، كما عمل كمدير لدى البيت الأبيض لشؤون العلوم الدولية ومشاريع التطبيق التجاري للتكنووجيا خلال الفترة من 1995 إلى 1997. ويترأس في أيامنا هذه واحدة من أكبر شركات الأسهم الخاصة المعنية بالتركيز على الطاقة المتجددة، حيث لديها صندوقان يستثمران مبالغ تزيد على 700 مليون دولار في أكثر من 19 مشروعاً على النطاق الدولي. وقد أنشئت هذه المجموعة في عام 2003، حيث تزود مشاريع الطاقة المتجددة الرائدة بالأموال، وتشجع على إنتاج الطاقة النظيفة، وإنشاء شركات إقامة البنية التحتية ذات العلاقة بكل ذلك. وتساعد كذلك على بيع حصص من تلك المشاريع إلى شركات طاقة أخرى، أو شركاء آخرين في شركات الأسهم.
وتتركز استثمارات الشركة التي يقودها بايلي في الولايات المتحدة بصفة أساسية. ويعتمد نوع الطاقة المتجددة التي يتم الاستثمار فيها على الموقع الجغرافي، حيث نجد أن أمام طاقة الرياح الكثير من فرص النجاح في تكساس، والوسط الغربي، بينما هنالك فرص واسعة لتطوير الطاقة الشمسية في الشمال الشرقي، بينما تميل الولايات الجنوبية إلى استزراع غابات الخشب، الأمر الذي يشجع على وجود معامل الطاقة الحيوية هناك، كما يقول بايلي.
إن لدى هذه الشركة مساهمات في مصادر الطاقة المتجددة هذه، حيث تركز على توليد الكهرباء، والحصول على الوقود المتجدد. وتستثمر هذه الشركة في إنتاج الإيثانول من مصادر نباتية (الذرة على وجه الخصوص)، كما تركز على إنتاج الوقود السيليلوزي، والديزل الحيوي، حيث تنتظر زيادة استخدام هذه المصادر كوقود للسيارات.
أما على صعيد توليد الكهرباء، فقد استثمرت الشركة في مشاريع الطاقة الحيوية، وتوليد البخار، والطاقة الحرارية الجوفية، أي إطلاق البخار من باطن الأرض لتشغيل طوربينات توليد الكهرباء، وكذلك المشاركة في مشاريع الطاقة الشمسية ذات التركيز العالي.
ويقول بايلي «استثمرنا في عدد من شركات الغاز لأغراض توليد الكهرباء، ولكن النتائج أقل من أن تكون ملائمة للاستثمار التجاري المجدي» . ويضيف أن 55 في المائة من الكهرباء في الولايات المتحدة لا تزال تولّد عن طريق استخدام الفحم، حيث أن هذا المصدر لا يزال هو الأكفأ من حيث التكلفة، ولذلك فإننا لن نتمكن من التوقف عن حرق الفحم في المستقبل القريب. غير أن كثيراً من منشأت توليد الكهرباء باستخدام الفحم يمكن أن تزول خلال 50 عاماً، ولم يتم إنشاء مصانع جديدة عاملة على الفحم في الولايات المتحدة منذ 25 عاماً.
ما جدوى الطاقة المتجددة في ظل كل هذه المعطيات؟ يقول بايلي «إننا قد نشهد زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في خليط استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة من 3 في المائة في الوقت الراهن إلى 10 في المائة في العقد المقبل. ولا بد لنا من رفع هذه النسبة للتعويض عن تراجع استخدام الوقود الأحفوري الذي يولد الكربون، هذا الوقود الذي ينتظر أن تتراجع كمياته بشدة خلال 20- 30 عاماً بسبب الطلب المتزايد من جانب كل من الصين، والهند». ومن المتوقع أن تستمر مساهمة الفحم في إنتاج 50 في المائة من الكهرباء في الولايات المتحدة، كما تساهم الطاقة النووية في 15 في المائة من ذلك، في حين يتم إنتاج باقي الكمية بخليط من الغاز، وطاقة الكهرباء المولدة من مساقط المياه.
ويسارع بايلي إلى الإشارة إلى جانب آخر في مجال جعل مصادر الطاقة الجديدة ملائمة للإنتاج على النطاق التجاري من خلال نقلها إلى مواقع بعيدة، سواء كان ذلك باتجاه الصحارى الجنوبية، أو الغابات الكثيفة، بحيث تصل إلى التجمعات السكانية التي تحتاج إليها. وتساهم هذه الشركة الأمريكية في الاستثمار في مشاريع نقل الطاقة، حيث إن المهم من وجهة نظر بايلي هو إيصال الطاقة إلى أماكن استهلاكها. ويتضمن هذا الأمر في بعض الأحيان مد خطوط للنقل عبر الأراضي الزراعية، أو الغابات، أو الأحياء السكنية. وهنالك معارضة شديدة تواجه مثل هذا النوع من المشاريع . ولابد لذلك من حدوث تغيرات في إطار القوانين التي يفترض أن تنظم مثل هذه النشاطات.
وهنالك مصدر متجدد للطاقة يوجد حيث يوجد الناس، هو النفايات التي تتولى جمعها السلطات البلدية.
ويرى بيلي أن هذه النفايات في الولايات المتحدة إنما هي بمثابة النفط للدول المنتجة المصدرة له، وذلك في إشارة منه إلى ضخامة كميات النفايات التي تتولى السلطات البلدية في الولايات المتحدة جمعها. وهو يقول إن بالإمكان تحويل 60 في المائة منها إلى طاقة.
ودخلت هذه الشركة الأمريكية في العام الماضي في شراكة مع شركة نوفو للطاقة لتشكيل شركة نوفو للتنمية، وذلك لإنتاج مصادر الطاقة. ولها في ذلك شركاء كثيرون ضمن الشركات الأعضاء التي تضمنها فورشن 500، مثل سيتي بانك، وكريديت سويس، ومجموعة كارلايل. ولدى هذه المجموعة عدد من المشاريع مثل مشروع الطاقة الحيوية (فلكرم)، حيث يتولى الإنتاج على مستوى تجاري في مجال تحويل النفايات البلدية الصلبة إلى إيثانول. وهنالك كذلك شركة دافنبورت للطاقة المتخصصة في تطوير طاقة البخار الأرضي، وكذلك شركة احتياطيات الطاقة الشمسية المتخصصة في الطاقة الشمسية في لوس أنجلوس، حيث تتعامل إضافة إلى ذلك، بتكنولوجيا تخزين الطاقة الشمسية .
وتخطط هذه الشركة للطاقة الشمسية إلى إقامة أولى محطاتها خارج الولايات المتحدة في إسبانيا. ويقول بايلي «إن أوروبا متقدمة على سائر العالم بعشر سنوات على الأقل فيما يتعلق بالطاقة المتجددة» . وساهمت الحكومة الإسبانية، وتمويل الاتحاد الأوروبي، في هذا التقدم، الوقت الذي كانت تجف فيه مصادر تمويل هذه الطاقة في الولايات المتحدة.
وتعتبر الأزمة الاقتصادية الحالية مؤشراً مهماً على وجوب التحرك السريع لتطوير مصادر الطاقة المتجددة. ويشير بايلي إلى أهمية قرار إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما الخاص بتخصيص أولوية متقدمة للطاقة المتجددة على أجندتها المحلية . ويقول بايلي «إننا نتوقع أن تكون الحكومة الأمريكية هي شريكنا المفضل، حيث هنالك مجالات كبيرة للاستفادة من ضمانات القروض، وكذلك الإعفاءات الضريبية. وهنالك نشاط كبير على صعيد الشراكة بين الحكومة الفيدرالية، والبنوك، ووزارة الطاقة لدفع التمويل في هذا المجال إلى الأمام».
غير أن هذا السيناريو ليس مريحاً تماماً، حيث إن بايلي قلق من مشاركة الحكومة الأمريكية في سوق الطاقة . ويقول «أنا عصبي إزاء مشاركة الاحتياطي الفيدرالي في ذلك، حيث إن القطاع الخاص هو الذي اعتاد على تمويل مثل هذه المشاريع، وذلك من خلال الائتمانات الضريبية».
وهو قلق كذلك من أن الشركات التي يمكن أن تساهم في تمويل هذه المشاريع ليس لديها ما يكفي من الأرباح للقيام بذلك. وفي ظل شح الائتمان، وإننا مضطرون إلى قبول المساهمة الحكومية، حيث لن يحدث تقدم دون مثل تلك المساهمة. ويرى بيلي في ذلك دخولاً لفصل جديد على صعيد الطاقة.