الجمعيات التعاونية.. هل تتجاوز الوهن؟
ضعف العمل التعاوني
يرى الدكتور عبد الله بن عبد الله العبيد وكيل وزارة الزراعة لشؤون الأبحاث والتنمية الزراعية، أن كثيرا من دول العالم بشقيه المتقدم والنامي تعد الجمعيات التعاونية الزراعية كيانات اقتصادية وتجمعات للمزارعين تحقق مصالحهم وتحمي حقوقهم وتوفر ما يحتاجون إليه من خدمات وعناصر إنتاج بتكاليف منخفضة، ولذا تلعب هذه الجمعيات التعاونية الزراعية دورا مهما في تنمية القطاع الزراعي واستمرار المزارعين في نشاطهم.
وأكد العبيد أنه رغم قدم الاهتمام الرسمي بالجمعيات التعاونية في المملكة إلا أن مسيرتها التنموية كانت ولا تزال ضعيفة من حيث العدد والفاعلية والنشاط والتوزيع الجغرافي، وإن كان وضع الجمعيات التعاونية الزراعية المتواضع مقبولا في الماضي فإن مثل هذا الوضع يجب ألا يكون مقبولا في وقتنا الحاضر, خاصة أن المزارعين المستثمرين في القطاع الزراعي أصبحوا يواجهون تحديات كبيرة ومتنوعة على الصعيدين المحلي والدولي, ولعل من أهم مبررات ضعف نشاط الجمعيات التعاونية الزراعية في الماضي كان حجم وتنوع التدخل الحكومي في القطاع الزراعي من خلال سياسات وبرامج الدعم المختلفة والخدمات المساندة, سواء ما كانت وزارة الزراعة تقدمه للمزارعين أو ما كان صندوق التنمية الزراعية (البنك الزراعي سابقا) يقدمه من قروض وإعانات, مما سهل على المزارعين الحصول على جميع ما يحتاجون إليه من خدمات وعناصر إنتاج بتكاليف مدعومة، لكن الأوضاع والظروف في الوقت الحاضر أصبحت مختلفة.
ويذهب عبد الله الوابلي عضو مجلس الجمعيات التعاونية وأحد مؤسسي العمل التعاوني في عدد من الجمعيات التعاونية الزراعية، إلى ما ذهب إليه العبيد، حيث يؤكد أن العمل التعاوني لم يصل بشكل واضح وسليم للمجتمع السعودي، كما أنه لم يقم بدوره كما ينبغي، مشيرا إلى أنه – يقصد العمل التعاوني - يتأثر وبشكل مباشر بعناصر رئيسية ثلاثة هي: التشريع، التمويل، والوعي.
#2#
#3#
#4#
#5#
تفاؤل بنقلات نوعية
إلا أن العبيد لم يخف تفاؤله بمستقبل مشرق للجمعيات التعاونية، حيث قال «لا شك أن التوجه الرسمي بكافة أشكاله وأنواعه هو دعم وتشجيع الجمعيات التعاونية الزراعية حتى تؤدي دورها المأمول في خدمة المزارعين ومواجهة العقبات التي تواجههم وتوفير عناصر الإنتاج اللازمة لهم وتسويق منتجاتهم بما يؤدي إلى حصولهم على عوائد معقولة لمنتجاتهم، وبناء على ما نشاهده ونتعايش معه من جهود متواصلة ومن توجه رسمي جاد، فإنني متفائل بمستقبل مشرق للجمعيات التعاونية الزراعية لتصبح كيانات اقتصادية حقيقية لتجمعات المزارعين في مناطقهم المختلفة وبما يؤدي إلى استمرارهم في نشاطهم الزراعي بشكل اقتصادي مربح يحقق ما نهدف إليه من تنمية زراعية مستدامة تسهم في الوصول إلى الأهداف التنموية للاقتصاد السعودي».
وهنا يقول الوابلي إن التشريع اكتمل - بحمد الله تعالى - بصدور نظام الجمعيات التعاونية الجديد في مجلس الجمعيات التعاونية السعودية وبموجبه دخل العمل التعاوني في المملكة مرحلة جديدة، وتوقع أن يشهد قطاع العمل التعاوني خلال الفترة المقبلة نقلات وتطورات نوعية.
وزاد, أنه بخصوص التمويل فإن الجمعيات التعاونية الزراعية وجمعيات الدواجن وجمعيات صيادي الأسماك وبفضل نظام لائحة التسليف التعاوني المعمولة لدى صندوق التنمية الزراعية قد انطلقت فعلا نحو تحقيق أهدافها.
مهام أخرى
يضيف أن هناك مهاما أمام الجمعيات التعاونية الأخرى ولديها حاجة كبيرة إلى التمويل كجمعيات الإسكان التعاوني وجمعيات التعاون الاستهلاكي وهي الجمعيات القائمة في الوقت الحالي وكذلك الجمعيات (المتوقع قيامها) كجمعيات السياحة التعاونية وجمعيات الحرف التعاونية وجمعيات النقل التعاونية وجمعيات الصحة التعاونية وجمعيات التعليم التعاونية فإن صناديق التنمية العقارية والتنمية الصناعية وتنمية الموارد البشرية والبنك السعودي للتسليف والادخار لا تدعم تلك الجمعيات بالسلف والقروض.
وقال الوابلي: يجب أن تحذو تلك الجهات حذو صندوق التنمية الزراعية بإيجاد لوائح تسليف تعاونية خاصة بكل صندوق لكي تنطلق الجمعيات التعاونية المتخصصة في تحقيق أهدافها.
«الزراعة» وأهمية الجمعيات
هنا يشير العبيد إلى أن وزارة الزراعة تدرك أهمية الجمعيات التعاونية الزراعية في المرحلة الجديدة ولذا فقد بذلت كثيرا من الجهود من أجل إنشائها وتطويرها فأسهمت مع الجهات الرسمية ذات العلاقة لاستصدار الأوامر السامية المتضمنة تطوير هذه الجمعيات التعاونية وتحديث أنظمتها ولوائحها وكان من ذلك الأمر السامي القاضي بالموافقة على نظام الجمعيات التعاونية والذي تضمن العديد من المميزات التي تهدف إلى تسهيل تأسيس الجمعيات التعاونية والانتساب إليها وكذلك إسناد الإشراف الفني من قبل الجهات ذات العلاقة على الجمعيات التعاونية، كما تم دمج لائحة الإعانات مع النظام التي تضمن وضع نسبة الإعانات وزيادة الدعم الإداري والفني.
ولفت إلى أن من أوجه الدعم التي تقدمها الدولة للعمل التعاوني الزراعي ما ورد في قرار مجلس الوزراء الذي تضمن العديد من الإجراءات لدعم وتشجيع الجمعيات التعاونية العاملة في المجالين الزراعي والسمكي، وكذلك تسويق المنتجات الزراعية التي منها تخصيص أراضي مناسبة بأجور رمزية لإقامة مقرات للجمعيات التعاونية الزراعية، وكذلك تخصيص أراضي لإقامة مشاريع للفرز والتدريج والتخزين والتبريد وتخصيص أماكن لها في أسواق الخضار والفاكهة وتسهيل إجراءات استيرادها لمستلزمات الإنتاج وتشجيع الجمعيات التعاونية الزراعية التي تصدر منتجات أعضائها من المزارعين من خلال دعم عمليات نقل المنتجات وإقامة المعارض الزراعية وغيرها.
بنوك تعاونية
في جهة أخرى، طالب مجموعة من المتخصصين في العمل التعاوني بإقامة بنك تعاوني في السعودية على غرار البنوك التعاونية الموجودة في العالم وهو ما يراه عبد الله الوابلي المتخصص في العمل التعاوني ومحمد الجلعود رئيس مجلس إدارة جمعية البدائع التعاونية متعددة الأغراض، حيث قال الوابلي مؤسس جمعية البطين الزراعية وعضو مجلس الإدارة في البنك الزراعي، إن البنوك التعاونية من أهم ما يميزها أنها تنطلق من المؤسسين أنفسهم ولا تطرح أسهمها شراكة عامة وهناك مصارف عالمية تعاونية تهتم بالعمل التعاوني وتقدم خدماتها للمنتسبين لتلك المصارف.
وأضاف الوابلي أن البنوك التجارية في السعودية أخذت موقعها وبقي أن نهتم بالبنوك التعاونية التي تقدم خدمات متميزة لمشتركيها عبر تقديم القروض الميسرة وتصل إلى تقديمها بلا فوائد تذكر.
جمعيات الموظفين
زاد هناك العديد من الموظفين يمارسون عملا شبيها بالبنوك التعاونية فيما بينهم وهو ما يعرف بالجمعيات التعاونية الشهرية حيث يجتمع 20 موظفا يدفع كل منهم مابين 2 و3 آلاف ريال يتم استلامها فيما بينهم حيث تصل إلى كل شهر لواحد وتستمر هذه الجمعيات بعدد الموظفين حيث تبقى 20 شهرا يتم تداول مابين 60 إلى 40 ألف ريال دون أن تكون هناك فوائد على أي أحد من هؤلاء.
وبين الوابلي أن جمعيات الموظفين تستطيع أن تمول إلى حدود نصف مليون ريال خصوصا مع تزايد العدد في تلك الجمعيات, مبينا أن عادة الموظفين يفضلون العدد القليل حتى تكون دورة استلام تجميع الأموال بشكل أسرع, وأنه يعرف بعض الجمعيات التي تكون بين الأسر يصل العدد إلى 48 شهرا مما يعني الحصول على تمويل أكبر بلا فوائد وهو ما ينافس البنوك بشكل واضح وكبير.
وتوقع الوابلي أن يكون التوجه بشكل أكبر لهذه القروض بين الموظفين خصوصا في الجهة الواحدة، مبينا أنها ليست جديدة فهي موجودة في مصر وأغلب الدول العربية ولكن بشكل أقل من مبالغ التمويل التي توجد في السعودية.
وشدد على أن البنوك التعاونية ستقضي على مثل هذه الجمعيات غير المنظمة وتكون بشكل فعال وتفيد المجتمع بشكل كبير, وهي معمول فيها في الدول الأخرى.
ندوات وورش للتوعية
عن جهود وزارة الزراعة في هذا الجانب، أكد العبيد أن الوزارة عقدت بمشاركة الجهات الرسمية الأخرى ذات العلاقة، للترويج لمثل هذا التوجه الجديد وتشجيع المزارعين على الانضمام إلى الجمعيات التعاونية الزراعية القائمة وإنشاء جمعيات جديدة، العديد من الندوات وورش العمل سواء كان ذلك في الوزارة أو في مواقع تجمع المزارعين، إضافة إلى تقديم أنواع مختلفة من الدعم الفني والاستشارات والخدمات، كما استطاعت الوزارة التنسيق مع وزارة العمل لمنح الجمعيات التعاونية الزراعية العمالة الموسمية اللازمة لخدمة أعضائها من المزارعين، كما قامت بدعم طلبات هذه الجمعيات التعاونية لدى البنك الزراعي لتسهيل إقراض مشاريعها خصوصا في مجال الضمانات على القروض الخاصة بمشاريعها وكذلك دعم الجمعيات التعاونية الزراعية بالكفاءات الإدارية المؤهلة للمساهمة في إدارة شؤون تلك الجمعيات.
وأكد وكيل الوزارة لشؤون الأبحاث والتنمية الزراعية، أن الوزارة تعد حاليا دليلا متكاملا عن الجمعيات التعاونية الزراعية يحتوي على جميع المعلومات اللازمة عن الجمعيات التعاونية الزراعية وخطوات إنشائها ووسائل دعمها وأنظمتها ولوائحها وواقعها الحالي في المملكة من حيث عددها ومواقعها وعناوينها وغير ذلك من المعلومات اللازمة للمهتمين بهذا النشاط.