الصراع بين إيران ومايكل جاكسون على...!
تستطيع الإنسانية أن تفخر الآن بقدرتها على توقع المستقبل، فما يحصل عام 2009م وبالذات في الشهرين الأخيرين إثبات أن ما تحدث عنه العالم من نمو لتأثير الإنترنت بحيث يصبح مركز حياة الناس هو حقيقة واقعة بلا شك. هذا أيضا يؤكد رجحان الاحتمالات المستقبلية التي لم تحصل بعد والتي تتحدث عن دور أعمق وأقوى في كل جانب من جوانب الحياة البشرية على حساب كثير من جوانب الحياة الكلاسيكية التي سبقت ثورة المعلومات والإعلام الجديد.
موقع ''تويتر'' Twitter.com هو أحد مواقع الشبكات الاجتماعية web 2.0 التي جاءت في الأعوام الأخيرة وشكلت جزءا مما أسميه هجرة الناس الجماعية إلى مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت. الموقع يقوم على مبدأ بسيط هو أن يكتب الشخص رسائل قصيرة لا تزيد على 140 حرفا باللغة الإنجليزية في إجابة عن سؤال قصير: ''ماذا تفعل؟''? What are you doing . الموقع استطاع أن يجتذب عددا هائلا من المشاركين الذين يستخدمون الموقع لمختلف الأسباب، واستطاع أن يوجد ربطا بين الإنترنت والموبايل بحيث يكتب الشخص في صفحته من موبايله، كما أن كل شخص يختار من يتابع من الناس الذين يكتبون، ويختار من يتابعه فيما يكتبه هو من رسائل. باختصار، الموقع استهدف إيجاد وسيلة لطيفة للتواصل بين الأصدقاء من خلال الرسائل القصيرة.
ولكن الذي حصل أن شعبية الموقع الهائلة جعلته منبرا سياسيا واجتماعيا، وظهر دور الموقع بشكل واضح بعد الانتخابات الإيرانية وأثناء الأحداث الحالية التي تبعت الانتخابات حتى صارت كلمة ''الانتخابات الإيرانية'' الكلمة الأكثر شيوعا على موقع تويتر وتتصدر صفحته الرئيسة، وكان هذا مثارا لانتباه الإعلام حول العالم، ومثيرا لغضب الرئاسة الإيرانية، ووسيلة تعرف عليها الإيرانيون الإصلاحيون وأنصارهم حول العالم لإخبار العالم لحظة بلحظة حول ما يحصل، ولحفظ انتباه العالم مركزا على القضية الإيرانية.
ولكن في يوم الجمعة الماضي، صدم العالم بوفاة أحد أكثر الناس شهرة على وجه الأرض، مايكل جاكسون، وسرعان ما تحول جاكسون إلى الموضوع رقم واحد على تويتر ليتحول الموضوع الإيراني إلى رقم 2، وهذا أثار مناصري القضية الإيرانية وصاروا يحرضون على زيادة الكتابة عن إيران لإعادتها للصدارة، ولكن هذا الجهد ظل دون فائدة حتى لحظة كتابة هذه السطور.
لقد تحول الإنترنت إلى مؤشر حرارة لاهتمام العالم، وتحول أيضا إلى نقطة مركزية تسهم في تكريس مفاهيم ''القرية العالمية الصغيرة''، وصار محورا في تشكيل الأحداث في كل بقعة على وجه الأرض.
القنوات الإخبارية العالمية التي تابعت بحميمية وفاة جاكسون، تابعت أيضا تطورات الحدث على الإنترنت بتقارير متوالية، ومن هذه التقارير أن شخصا في لندن دعا الناس إلى التجمع في أحد شوارعها الرئيسة حزنا على جاكسون, وذلك من خلال موقعي فيس بوك وتويتر، وتجمع بالفعل أكثر من 20 ألف شخص يوم الجمعة نفسه، الأمر الذي دعا المراسل التلفزيوني للتعجب كيف يمكن أن تحدث رسالة على الإنترنت مثل هذا الأثر الرهيب خلال فترة قصيرة من الزمن.
هناك آلاف الأمثلة الأخرى التي توضح كيف تفاعل الناس على الإنترنت مع وفاة جاكسون حتى أن قسم الأخبار في موقع ''جوجل'' احتوى على نحو 20 ألف قصة خبرية خلال الجمعة والسبت عن جاكسون والإنترنت، منها مجموعة كبيرة تحدثت عن البطء الذي حصل في شبكة الإنترنت بما فيها موقع ''جوجل'' لما أعلن الخبر وهجم الناس على كمبيوتراتهم ليعرفوا التفاصيل. بالمقابل، لم تغفل القنوات الإخبارية المنافسة بين إيران ومايكل جاكسون حتى أن قناة MSNBC الإخبارية وضعت عنوانا: الإنترنت كبير بما يكفي لمايكل جاكسون وإيران في آن واحد.
في الماضي كانت الأحداث تحدث على الأرض ثم تنعكس على الإنترنت، وما يحصل حاليا أن الأحداث بدأت تحصل على الإنترنت لتترك آثارها على الأرض، وليتمازج الواقع في الشارع مع الواقع الافتراضي بطريقة مذهلة ولم تحصل في تاريخ الإنسانية من قبل.
مشكلة الإنترنت أنه خارج عن السيطرة، وهو يتحدث لغة الجماهير وليس لغة النخبة أو صانعي القرار، وميزة الإنترنت في المقابل أنه يسمح لتلك الجماهير بأن تعبر عن نفسها بآلاف الطرق، وهذا ما جعل الجموع المتأثرة بوفاة مايكل جاكسون تلجأ إلى الإنترنت رغم أن كل القنوات الإخبارية العالمية كانت تغطي الحدث بتميز غير عادي وبفريق ضخم من المصورين على مدار الساعة.
هناك عالم افتراضي متكامل اليوم مواز لعالم الأرض، ويطفو من كل اتجاه، وقد يلتحمان يوما بحيث لا نعرف في أي عالم نعيش وأين تحصل الأحداث بالضبط.
في أي عالم تعيش اليوم؟