ثقافة الرأي الجاهز
يدهشني بعض القراء الذين يصدرون الحكم على نص أو مقال أو أي عمل أدبي قبل قراءتهم لذلك العمل, فهم بناء على اسم الكاتب أو عنوان النص لا يتوانون في إصدار رأيهم على ذلك العمل والحكم عليه بالنجاح أو بالفشل, أو يتهمون المقاصد والنوايا بناءا على فكرة يمتلكونها مسبقا عن ذلك الكاتب أخذوها من الآخرين في أغلب الأحيان, أو بناء على توقع استشفوه من خلال عنوان النص.
لي صديق يقيم في مدينة الرياض, وبحكم أنني أقيم خارج الوطن في الفترة الحالية, كنت قد طلبت منه أن يشتري لي نسخة من مجموعة كتب كانت قد عرضت في معرض الكتاب الذي أقيم أخيرا في مدينة الرياض, وكان من بين تلك الكتب إحدى الروايات التي وددت قراءتها وحرصت على شراء نسخة منها لعلمي أن الطلب عليها سيكون كبيرا ومن المحتمل أن تنفد جميع النسخ سريعا.. وما إن ذكرت له اسم الرواية حتى قال: هداك الله.. هل ستقرأها؟ قلت له نعم سأقرأها, وهل قرأت تلك الرواية أنت؟ وكنت جازما أنه لم يقرأها لعلمي أنها (وأقصد الرواية) عمل جديد وعلى التو رأت النور. فقال لا.. لم أقرأها, لكنه معروف توجه كاتبها!
مثل صديقي هذا أصدر الحكم على العمل قبل أن يقرأه, وللأسف أن كثيرا من القراء يتبعون السياسة نفسها في إصدار الحكم المسبق على أي نص بناء على اسم الكاتب أو عنوان النص حتى دون أن يكلفوا أنفسهم عناء القراءة, وليس فقط حول عمل كبير كرواية, وإنما يشمل ذلك المقالة أو القصيدة أو تصريحا معينا، بل ونرى من يصدر الحكم عن صحيفة بأسرها أو منظمة برمتها, دون استنادٍ لدليل أو حجة.
مثل هذا السلوك يعكس انعدام الوعي لدى القارئ, بل ويحرمه الاستفادة من محتوى ذلك النص, وتجد القارئ في مثل هذه الحالات إن قرأ فهو لا يقرأ للبحث عن المعلومة المفيدة, بل يقرأ ليربط الفكرة والرأي الجاهز الذي يملكه مسبقا بمحتوى النص الذي بين يديه, فيبحث عن ثغرة يمكن من خلالها إثبات رأيه, والذي قد يكون خاطئـا في معظم الأحيان.
نافذة:
من الحكمة أن نركز على جودة القهوة لا الكوب الذي قدمت فيه, وعلى جودة السلعة لا المتجر الذي تباع فيه, وعلى الهدية لا الصندوق الذي يحتويها، والطعام يقاس بحسن طعمه لا بشكله وألوانه, ورب سم قدم لنا في وعاء من ذهب، وطالما آلمتنا وخزة الإبرة وربما كانت العلاج من السقم الذي نشتكيه!
عدد القراءات:324