جلطة في شريان الاقتصاد
ما زلنا نطمح لاستغلال إمكاناتنا ومزايا اقتصادنا وموقع بلادنا المتميز بتوسطه بين قارات العالم لتطوير قطاع النقل والشحن والتفريغ والخدمات اللوجستية المكملة في جميع موانئنا البرية والبحرية وبين بعضها بعضا. ففي هذا الاستغلال دعم لجهودنا في دروب التنمية الشاملة من أجل تنويع مصادر دخلنا القومي وتوليد مزيد من فرص العمل لطلائع القوى الشابة من أبنائنا وبناتنا. بيد أننا نفاجأ ونحن على عتبات القرن الـ 21 وزمن ثورة الاتصالات وشدة المنافسات الاقتصادية بين شعوب الأرض، لانتكاسات مؤسفة في خدمات النقل والتفريغ والشحن وتخليص الجمارك تعطل هذه المسيرة بصورة تسيء لاقتصادنا ولا تتناسب مع حجم إمكاناته وثرواته.
وكثيرا ما حدثني صديقي الأمير سعود العبد الله الفيصل - وهو من المشتغلين والمهتمين بمجال خدمات النقل البحري والبري - عن الفرص الضائعة والإمكانات المهدرة في هذا القطاع بحكم تعامله معه، ضياعا يؤدي إلى تسرب هذه الفرص لدول مجاورة في وقت نحن أحوج بها من غيرنا. ولعلي أتناول شيئا من جوانب فوات هذه الفرص في مقال لاحق.
تابعنا بعين الأسف في الأسابيع الماضية التكدس الذي حصل لمئات الشاحنات على حدودنا البرية مع الإمارات. تكدسا أدى إلى تكون طابور بلغ أكثر من 25 كيلومتراً طولا. فيما ترتب على طول فترة انتظار قائدي الشاحنات تحت درجات حرارة عالية وضع إنساني مؤسف استوجب تدخل هيئة الهلال الأحمر الإماراتي وتكثيف جهودها الإنسانية للتخفيف من تداعيات الأوضاع الإنسانية والصحية لسائقي الشاحنات العالقة في المنطقة بين منفذ الغويفات الحدودي ومنفذ البطحاء السعودي، وهي منطقة تفتقر أصلا إلى الخدمات والاحتياجات الضرورية للمارين.
وكان عبد الله الخربوش - المتحدث باسم الجمارك السعودية - قد أعلن أن تطبيق برنامج آلي جديد في منفذ البطحاء الجمركي لإدخال بصمات سائقي الشاحنات أسهم في زيادة تكدس الشاحنات. ويفيد تصريح الخربوش أن إدخال البصمات هو أحد أسباب تكدس الشاحنات وليس كل الأسباب، ما يعني أن هناك أسبابا أخرى للتكدس ولكنه طمأن الجميع بأنها في سبيلها للحل وهذا أمر جيد ومبشر. بيد أن الأمر المحير هو: هل سنظل ننتظر وقوع هذه الأزمات عند موانئنا البرية والبحرية لنبدأ التحرك في خطوات هي أقرب لرد الفعل من التخطيط الاستراتيجي المسبق الذي يجاري تطور العمل وزيادة الضغط في هذه النقاط الحدودية؟ هل توسيع الساحات ومحطات الفحص وتوفير مزيد من أجهزة فحص الشاحنات والحاويات وزيادة فرق الكلاب البوليسية وأعداد الموظفين يتطلب الانتظار حتى تنفجر الأزمات؟ هل يجب علينا أن ننتظر وقوع المشكلات حتى نبدأ في إزالة العقبات ووضع الحلول وتقديم التسهيلات؟ هل أصبح دور الإدارة عندنا يبدأ بعد ظهور المشكلة لا قبل وقوعها؟
إننا نأمل أن يكون اللقاء الذي جمع الجانبين السعودي والإماراتي في الرياض الأسبوع الماضي قد توصل إلى اتفاق ومنهجية عمل واضحة وسريعة لحل جميع المشكلات التي أعاقت العمل في المنفذين، من أجل سرعة عودة انسياب الحركة التجارية بين البلدين. التكدس لم يعطل التجارة بين البلدين فقط، بل طال دولا أخرى مجاورة. وليس من المصلحة السماح بتكرار مثل هذه الاختناقات البرية أو البحرية. إنها أشبه بجلطة في شريان الاقتصاد، وهي شرخ لا يليق بسمعة بلادنا إداريا!