إحياء عصر الترجمة
لم تنهض الدولة الإسلامية في عصرها الذهبي إلا عندما تم الاعتناء بالنهوض بثقافتها وفتحوا نوافذ الفكر على الحضارات والثقافات المتسامحة فوصلوا لما وصلت إليه تلك الأمم من زخم فكري مازلنا نفاخر به إلى عصرنا الحاضر. واليوم تنهض مملكتنا بكل فخر حاملة لواء الحوار الحضاري والذي تعد الترجمة الهادفة إحدى أدواته بل هي لسان الحوار فيطلق خادم الحرمين الشريفين جائزة الترجمة ليدل على أننا شعب تسوده ثقافة التسامح والحوار نسعى من أجل رسم صورة الإسلام الحقيقية التي شوهها مختطفوه كما هي وبدون تشويه وعلى نهج السلف الصالح ولكن السؤال هل الحوار الحضاري للأمم والشعوب مرتبط في نجاحه بالترجمة الحقيقية ومن يستطيع الترجمة؟
إن للترجمة رجالها الذين يعرفون ما مقوماتها الأصلية والتي يكون اللسان فيها داعماً حقيقياً للحوار المنفتح بل تعصب أو تهاون وأما العزلة التي تمارسها بعض الفئات بدعوى الخوف فلم يعد لها أي مبرر في زم الانفجار المعلوماتي الهائل الذي لم يعد فيه للضعيف أي مكان بل إنه سيتلاشى وينقرض إذا لم يمتلك مقومات العصر الحديث ولن ينجو من طوفانها إلا القوي المدجج بسلاح المعلومة والفكر والذي يعرف عن الآخر ويقرأ كل جديد ليستطيع خوض غمار الحوار الحضاري بكل اقتدار. لقد أعادت هذه الجائزة بكل فخر عصر الترجمة الذهبي كما كان عليه زمن الخليفة المأمون بإمكانات العصر الحديث وسرعة معلوماته.
إن المترجم لسان الحوار الحضاري ومالك زمامه فهل نجعل من طلبتنا المبتعثين أقوى جسر بيننا وبين دول بعثاتهم؟ وهل لنا أن نغرس فيهم حب الانفتاح ويضعوا نصب أعينهم أن لأمتهم العربية حق عليهم بتزويد مكتبتنا العربية ولو بنموذج واحد من حضارة وثقافة بلد الابتعاث تكون أغلى هدية يحملها لنا بنهاية بعثته.
وهل وضعت وزارة التعليم العالي نصب عينيها جائزة مجزية لكل طالب يعود بكتاب مترجم في مجال تخصصه أو في أي مجال هادف؟ هل استغلت الملحقيات الثقافية الدعم الهائل الذي يبذله خادم الحرمين ليكون طلبتنا رسل حوار حضاري متسامح ؟ ولعلي أراهن إن نجحنا في رسم خريطة الترجمة وجعلها متطلباً رئيساً في ثقافة الابتعاث لدينا لأصبحنا بكل فخر أكثر الشعوب العربية ترجمة ونقلا لما تزخر به الحضارات الأخرى من كنوز ولعل لهذه الجائزة من خلال ما يوليه خادم الحرمين الشريفين من دعم لا محدود أن تصبح خلال زمن يسير مركز العرب الحضاري للترجمة وأن تمد يدها لكل مراكز التعريب العربية الخجولة التي ما زالت تعيش منزوية في أقطارها ومنغلقة على نفسها لأسباب قد لا نفهمها.
عدد القراءات: 127