إقبال ضعيف وميل نحو اليمين

إقبال ضعيف وميل نحو اليمين

يتمثل الوصف العام للناخبين الأوروبيين الذين صوتوا في الانتخابات للبرلمان الأوروبي التي انتهت في السابع من حزيران (يونيو) بعد أربعة أيام من التصويت في 27 دولة بكونهم محافظين وقلقين بشأن الهجرة وليسوا في مزاج يسمح لهم بالتسامح مع الفضائح بين الطبقات الحاكمة. وغالبا ما تهيمن على الحملات الانتخابية الأوروبية المخاوف المحلية والوطنية، ما يجعل من الصعب تفسيرها. ولكن هذه المرة كانت بعض الاتجاهات العريضة واضحة. فقد فشل يسار الوسط في الاستفادة من الأزمة الاقتصادية المناسبة تماما لمنتقدي السوق الحرة. وظلت مستويات دعم الأحزاب من يمين الوسط ثابتة أو انخفضت بصورة طفيفة. ولم يتم عقاب الرؤساء الحاليين بصورة موحدة، ولكن تم عقاب أولئك الذين تورطوا في فضائح تتعلق بالسلطة والامتيازات والمنافع. وذهبت نسبة كبيرة من الأصوات المحتجة إلى الأحزاب الشعبوية, وتلك من أقصى اليمين التي تعهدت بإغلاق الحدود أو طرد المهاجرين أو تفكيك الاتحاد الأوروبي.
وقد انخفض متوسط نسبة الإقبال بواقع نقطتين، ليصل إلى 43 في المائة، وهي أدنى نسبة منذ عام 1979. إلا أن هذا يخفي تفاوتات واسعة. ففي الدول الإسكندنافية واستونيا ارتفعت نسبة الإقبال بشكل حاد. وفي معظم الدول المأهولة بالسكان انخفضت نسبة الإقبال أو ظلت منخفضة. وكانت نسبة الإقبال أدنى من مستوياتها في الانتخابات الوطنية الأخيرة، كما يشير الأستاذ ريتشارد روز من جامعة Aberdeen.
وظلت علاقات بريطانيا المضطربة مع الاتحاد الأوروبي أكثر غموضا من أي وقت مضى. وتخلى الناخبون الغاضبون بسبب الركود وفضيحة النفقات البرلمانية عن حزب العمال، وأعطوه نسبة 16 في المائة فقط من الأصوات. ودفع هذا بحزب العمال إلى المركز الثالث، وراء حزب المحافظين الذي يدعو لاستعادة القوى من بروكسيل ووراء حزب استقلال المملكة المتحدة الذي يريد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتعهد زعيم حزب المحافظين، ديفيد كاميرون، بسحب أعضاء البرلمان الأوروبي التابعين له والبالغ عددهم 25 شخصا من حزب الشعب الأوروبي لتشكيل جماعة جديدة مناهضة للفيدرالية واختيار حلفاء لها من الأحزاب الحرة في جميع أنحاء أوروبا. ولدى المحافظين العدد الكافي (الحد الأدنى 25 عضوا في البرلمان) ولكنهم يحتاجون إلى أعضاء من سبع دول على الأقل. وقد سجل كاميرون الحزب الديمقراطي المدني التشيكي وحزب القانون والعدالة من بولندا. ولكن قد يكون من الصعب إيجاد آخرين يشاركونه في تشككه بالاتحاد الأوروبي وفي الوقت نفسه يؤمنون بالتجارة الحرة دون إظهار أي نزعة تطرفية.
وسيكون في البرلمان الجديد الكثير ممن يطلق عليهم الأستاذ روز "الأحزاب ذات الجسور المتحركة" التي تريد الدفاع عن الحدود الوطنية ضد التأثيرات الغربية، بما في ذلك بروكسيل. وفي هولندا، تعهد حزب الحرية بقيادة Geert Wilders بحظر القرآن الكريم وإلغاء البرلمان وطرد رومانيا وبلغاريا. وفي فنلندا، برز حزب "الفنلنديين الحقيقيين" المناهض للهجرة من العدم ليفوز بمقعد. وفي هنجاريا، حصل حزب Jobbik المعروف بكراهيته للأجانب، والذي يملك ميليشيا "للدفاع المدني"، هي الحرس الهنجاري، على ثلاثة مقاعد. وحصلت الأحزاب المناهضة للهجرة من أقصى اليمين على مقاعد في النمسا، الدنمارك، اليونان، إيطاليا، وسلوفاكيا. وحصل الحزب القومي البريطاني على مقعدين. وحصل أقصى اليسار على مقعد في الدنمارك، ولكنه لم يحقق تقدما في فرنسا وألمانيا.
ولم "يعاقب الركود تلقائيا شاغلي المناصب الحاليين". ففي فرنسا، تصدر حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الحاكم الذي يترأسه ساركوزي على المركز الأول بحصوله على 28 في المائة من الأصوات. وبالكاد تجنب الحزب الاشتراكي الفرنسي المتنازع والمنقسم المركز الثالث عن طريق تحالف من الإيكولوجيين والمناهضين للرأسمالية من مناصري البيئة. وحصل حزب الخضر على المركز الثالث في ألمانيا، ولكن على مستوى الاتحاد الأوروبي لا تزال الحركة محدودة بسبب عدم تماسكها الداخلي: بعض الخضر الأوروبيين شبه ليبراليين في حين أن غيرهم متحالفون مع اليسار المتطرف.
وحقق الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني أسوأ نتيجة له منذ الحرب، حيث فاز بأقل من 21 في المائة من الأصوات. ويعاني الحزب الاشتراكي الديمقراطي حبسه داخل تحالف كبير مع الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تترأسه أنجيلا ميركل. واحتفظت ميركل بسهولة بالمركز الأول، مع أن مستويات تأييدها انخفضت عن مستويات عام 2004. وشهد الحزب الاشتراكي الحاكم في البرتغال انخفاضا حادا في نسبة الأصوات التي حصل عليها، ما سمح ليمين الوسط بإعلان النصر. وفي إسبانيا خسرت الحكومة الاشتراكية أيضا لصالح المعارضة المحافظة، ولكن بهامش أصغر. وفي بولندا، تم سحق اليسار، حيث حصل اليمين والوسط على 75 في المائة من الأصوات.
وفي إيطاليا، حصل حزب الحرية المحافظ الذي يترأسه سيلفيو بيرلسكوني على المركز الأول. إلا أن نسبة الأصوات التي حصل عليها بيرلسكوني لم تصل إلى النسبة التي توقعها، وهي 45 في المائة، وذلك في أعقاب الضجة الإعلامية المتعلقة بحياته الخاصة. وساعدت سلسلة من الفضائح المالية أيضا على تفكيك الحكومة المحافظة الحاكمة في اليونان، ما سمح لحزب PASOK الاشتراكي المعارض بتغيير مسار الأمور المعتاد والحصول على المركز الأول.
ولدى أيرلندا 12 مقعدا فقط في البرلمان الأوروبي، ولكن كان يتم مراقبة نتائجها من كثب لأن الأيرلنديين سيصوتون على الأرجح مرة أخرى في تشرين الأول (أكتوبر) على معاهدة لشبونة بعد أن رفضوها قبل عام. وساد شعور بالارتياح في بروكسل حين حصل مرشحون يؤيدون معاهدة لشبونة على 11 مقعدا. وسادت مشاعر الفرح بسبب خسارة رجل الأعمال المليونير، Declan Ganley، الذي يؤيد بقوة المعسكر الرافض. وقد أسس حزبا جديدا، هو Libertas، للانتخابات، ورشح مئات المرشحين المنتسبين إلى حزب Libertas أنفسهم في جميع أنحاء أوروبا. وتوقع Ganley أن يفوز أكثر من 100 منهم. إلا أن أنصار Libertas ضمنوا عضوا واحدا فقط في البرلمان الأوروبي، هو القومي الفرنسي، Philippe de Villiers. وسيعلّق Ganley أنشطته السياسية ولن ينظم حملة في استفتاء لشبونة الثاني؛ وقد قال بحدة إنه ديمقراطي "يستطيع أن يتقبل الرفض".
وبشكل عام، تضاءل الاشتراكيون كثيرا، مع أنهم لا يزالون يشكلون ثاني أكبر مجموعة. وفي الماضي، كان يجب على كل المجموعات الثلاث الكبيرة - يمين الوسط ويسار الوسط والليبراليين من الوسط - التوصل إلى إجماع حول معظم التشريعات. ودفعت هزيمة يسار الوسط بعض أعضاء البرلمان الأوروبي إلى توقع أن تسيطر أغلبية جديدة من "يمين الوسط" الآن على التصويت في أغلب الأحيان. إلا أنه من الصعب أن تموت العادات القديمة. وردا على ظهور عدد أكبر من المتشككين في الاتحاد الأوروبي، أخبر Wilfried Martens، رئيس حزب الشعب الأوروبي، الصحافيين أنه لا يزال من الضروري أن تعمل "العائلات السياسية الثلاث التي أنشأت أوروبا" معا.
وبسبب قوة يمين الوسط، من المرجح أن يوافق أعضاء البرلمان الأوروبي على فترة ولاية ثانية لرئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل باروسو، بعد ترشيحه من قبل الحكومات الوطنية السبع والعشرين للاتحاد الأوروبي. ومن غير الواضح متى سيحدث هذا. وتريد بعض الدول (وأيضا باروسو) أن يتم توقيع صفقة ملزمة في قمة الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل. وتريد فرنسا تأجيل ذلك، والسبب الظاهري هو انتظار معاهدة لشبونة، إلا أن السبب الحقيقي هو محاولة الحصول على حقيبة اقتصادية كبيرة للمفوض الفرنسي المقبل. إلا أن رئيس الوزراء السويدي، Fredrik Reinfeldt، الذي سيتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي المتعاقبة في الأول من تموز (يوليو)، قال بصراحة في التاسع من حزيران (يونيو) إنه لا يريد مزيدا من التأجيل.

الأكثر قراءة