حفنة (حديدية) من المساعدات

حفنة (حديدية) من المساعدات

تتجادل الكونغو مع صندوق النقد الدولي بشأن عملية إنقاذ. وقد تتساءل: ما الجديد في ذلك، فهو أمر معتاد. إلا أن الاستثنائي في ذلك هو أن نقطة الخلاف ليس السياسة الاقتصادية للدولة، بل كيفية سداد الائتمان البالغ تسعة مليارات دولار الذي حصلت عليه الكونغو العام الماضي من الصين.
إن صفقة الصين مع الكونغو، والخلافات الناشئة عن ذلك، هي أحد الأمثلة على الاتجاه المتنامي. فالحكومات الاستبدادية تستخدم أموالها لشراء النفوذ في الخارج. وتكون الأموال أحيانا على شكل قروض تجارية، وأحيانا أخرى على شكل منح، وغالبا ما تكون كلاهما معا. وتسهم هذه التدفقات في تغيير مجال المساعدات، ما يقوض محاولات الدول الغربية لتحسين برامجها ويشجع الدول المستفيدة على وضع الجهات المانحة في مواجهة ضد بعضها البعض.
واستخدام المساعدات لكسب الأصدقاء والتأثير في الناس ليس أمرا جديدا. فقد استخدمت أمريكا والاتحاد السوفيتي المساعدات كسلاح في الحرب الباردة. وقد ظهر الآن ما يعادل ذلك في القرن الـ 21. وقد قيمت دراسة تم إجراؤها أخيرا من قبل مجموعة من المؤسسات الأمريكية، وFreedom House وRadio Liberty وRadio Free Asia، استخدام ما تسميه "المساعدات الاستبدادية" من قبل الصين، إيران، روسيا، وفنزويلا. وتعد الدراسة المعنونة "تقويض الديمقراطية" أول محاولة لتقدير النطاق العالمي لمثل هذه العمليات.
ويعد برنامج المساعدات للصين الأكثر نشاطا. ففي عام 2007، قال قادتها إنهم سيقدمون إلى الدول الإفريقية 20 مليار دولار كتمويل جديد (لم يذكروا الشروط أو الفترة الزمنية للسداد). وكرر الرئيس هيو جينتاو وعده بزيادة المساعدات وإلغاء الديون خلال رحلة له إلى إفريقيا في شباط (فبراير) الحالي. ويقول البنك الدولي إن الصين تقدم بالفعل إلى إفريقيا ملياري دولار سنويا (أكثر مما يقدمه البنك). ولا تنشر الصين أرقام المساعدات، وتقدّر دراسة تم إجراؤها عام 2007 لمركز التنمية العالمي، وهو مركز فكري في واشنطن، الرقم بأقل من ذلك، أي ما بين 1.5 - ملياري دولار سنويا (بحيث يتم تقديم نسبة الثلث إلى النصف لإفريقيا). ولكن تشير جميع التقديرات إلى أن المساعدات في تزايد مستمر، وأن الصين، التي كانت في السابق دولة متلقية، أصبحت الآن في الصفوف الوسطى للجهات المانحة، على قدم المساواة مع أستراليا أو إسبانيا، وإن كانت قروضها التجارية أكثر.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، كانت مساعدات فنزويلا مماثلة لمساعدات الصين، مع أنها بدأت بالانخفاض الآن. ويقول Gustavo Coronel، أحد منتقدي الرئيس هيوجو شافيز، إن شافيز قدم "التزامات" أجنبية بقيمة 43 مليار دولار منذ عام 1999. ويمكن وصف نحو 17 مليار دولار منها بأنها مساعدات، بما في ذلك النفط الرخيص إلى كوبا والحوالات النقدية إلى بوليفيا. ويقدّر التقرير أن قيمة برنامج النفط الرخيص لفنزويلا وحده تبلغ 1.7 مليار دولار سنويا، مع أنه تم أخيرا إلغاء الصفة التي تميزه - زيوت التدفئة الرخيصة إلى الأمريكيين الفقراء.
ومساعدات روسيا والصين أكثر صلابة من مساعدات الصين، إلا أن هناك ومضات من المعلومات تضيء في الظلمة. فقد قدمت إيران مليار دولار إلى شيعة لبنان لمساعدتهم على إعادة بناء منازلهم المدمرة بعد الحرب الإسرائيلية عام 2006. وهذا العام، قدمت روسيا ملياري دولار إلى قيرغيزستان، والمصادفة المذهلة هو أنه تم تقديم هذه المساعدات بعد أن طردت قيرغيزستان القوات الأمريكية مباشرة. ولطالما استخدمت روسيا أسعار الطاقة والإعفاء من الديون لترغيب أو ترهيب الدول المجاورة.
ويقدر إجمالي "المساعدات الاستبدادية" إلى عشرة مليارات دولار سنويا وربما أكثر. وهذا مبلغ ضخم، وإن كان لا يكفي لتغيير الأمور، حيث تبلغ نسبتها نحو 10 في المائة من إجمالي المساعدات من الدول الغنية، ونحو ما تقدمه بريطانيا أو اليابان.
إلا أن أهميتها لا تكمن فقط في قيمتها الإجمالية. فالأنظمة الاستبدادية تقدم بديلا للمساعدات الغربية بعدة طرق. وفي العقد الماضي، حاولت الدول الغنية تحسين سجل الإنفاق على التنمية السيئ عن طريق ربط المساعدات بأولويات الدول المتلقية (بدلا من تمويل مشروع كبير لا تحتاج إليه الدولة) وعن طريق المطالبة بالحكم الرشيد. ولا تطالب الصين وبقية الأنظمة الاستبدادية بذلك.
ومعظم مساعداتهم سياسية بصورة صريحة. وأحد الأمثلة على ذلك تقديم إيران الكهرباء المجانية للأجزاء الشيعية في العراق، وتمويل فنزويلا لكوبا مثال آخر. ومعظمها موجه نحو عدد قليل من الأنظمة الصديقة، أو (في حالة الصين) إلى أماكن لديها موارد طبيعية. وقد تعهدت الصين بتقديم 600 مليون دولار إلى كمبوديا، أي أكثر بعشرة أضعاف مما تعهدت به أمريكا. ومنحت ميانمار 400 مليون دولار خلال السنوات الخمس الماضية؛ وتبلغ قيمة المساعدات الأمريكية لميانمار نحو 12 مليون دولار سنويا.
وبطبيعة الحال، نادرا ما ترتبط المساعدات من الأنظمة القاسية بالمطالبات المزعجة بالحكم الرشيد. وهذا يجعلها مرحب بها من قبل المسؤولين الفاسدين، وحتى من قبل أولئك الذين سئموا من الغربيين الذين يلقون عليهم المحاضرات. ولكنها للأسف قد تشجع على الحكم السيئ. ويقول التقرير إن الصين تدرب ألف رجل شرطة ومسؤول قضائي في آسيا الوسطى "الذين يمكن تصنيف معظمهم كأشخاص يعملون في مؤسسات مناهضة للديمقراطية". وخلص التقرير إلى أن الأنظمة الاستبدادية تستخدم المساعدات لتعزيز قوتها الناعمة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن انتشار المساعدات الاستبدادية هو أكثر من مجرد تحدي الأفكار الغربية فيما يتعلق بنوع العطاء الصحيح.

الأكثر قراءة