ليس هناك نتيجة أكيدة
لو لم تكن الانتخابات الرئاسية الإيرانية ستحدد مصير أمة عريقة وكبيرة، وربما تحدد أيضا فرص السلام في منطقة حيوية في العالم، لكان المشهد مسليا للغاية. ففي هذه الدولة شبه الديمقراطية المخففة بالدين، حيث يتم عادة التعبير عن السياسة بأناشيد شعبية أو بلا مبالاة كئيبة، تطورت المنافسة على نحو غير متوقع إلى مباراة عنيفة، تتخللها خطابات حادة وحيل قذرة ومشجعون غوغائيون. وبدلا من الفوز المتوقع على نطاق واسع لمحمود أحمدي نجّاد في الجولة الأولى، أصبح الرئيس الإيراني المثير للجدل في موقف دفاعي.
وحتى وقت قريب جدا، كان ميدان المنافسين يبدو غير واعد، خاصة بعد الانسحاب المفاجئ لمحمد خاتمي، المصلح الليبرالي الذي حقق فوزا ساحقا بالرئاسة في الأعوام من 1997 إلى 2005. وتراجع عديد من المحافظين الأقوياء عن ترشيح أنفسهم، نزولا، كما يبدو، عند رغبة المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الذي يدعم إلى حد كبير الرئيس الحالي. وهكذا بقي في الميدان اثنان من المخضرمين وكلاهما من الوسط من السياق الديني في إيران، وهما مهدي كروبي، رئيس البرلمان السابق، ومير حسين موسوي، رئيس الوزراء خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية في الأعوام 1980 - 1988، بوصفهما المتنافسين الوحيدين الجديين للمعارضة. وبما أن لديهما برامج انتخابية إصلاحية بصورة معتدلة، يبدو من المرجح أنهما سيتسببان في انقسام ويضعفان التصويت الاحتجاجي أكثر مما سيتسببان في الإطاحة بأحمدي نجّاد.
وفي أوائل أيار (مايو)، استبعد مجلس صيانة الدستور، الهيئة المكونة من رجال الدين والمكلفة بضمان المصداقية الإسلامية والثورية للمسؤولين الحكوميين، مئات المرشحين، بمن فيهم إحدى النساء. والناجون الوحيدون هم المصلحان المعتدلان الاثنان ومرشح محافظ متشدد، هو محسن رضائي، الذي كان يقود الحرس الثوري. وبالنظر إلى الشعبية الحقيقية التي يتمتع بها الرئيس بين الجماعات الأكثر احتمالا للتصويت، مثل فقراء الأرياف، وبالنظر إلى انحياز وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة والتي يعتمد عليها الإيرانيون في المقام الأول إلى جانبه، يبدو المسرح معدا لحملة مملة. ولكن بما أنه لم يتبق وقت طويل على الاقتراع في الـ 12 من حزيران (يونيو)، ومع تنافس أحمدي نجّاد ومنافسيه الثلاثة في المناقشات التلفزيونية، حرّك السباق الإيرانيين أكثر من أي سباق منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وقد يضر هذا بأحمدي نجّاد والمحافظين المتشددين الذين يدعمونه. فهم يعتمدون، منذ الفوز الذي أثار الصدمة في الانتخابات الرئاسية عام 2005، على مزيد من الدعم المقدم من مؤسسات غير منتخبة، والإنفاق الشعبوي السخي من أرباح الثروة النفطية، والميل المتنامي بين الإيرانيين من الطبقة الوسطى الذين يعيشون في المدن للابتعاد تماما عن الانتخابات. ولا يعاني الرئيس الآن فقط الانشقاقات في المعسكر المحافظ، وتراجع إيرادات النفط، والقصف اللفظي الوحشي غير المسبوق من قبل خصومه السياسيين، بل إن المزاج العام الملتهب قد يدفع المزيد من أفراد الجيش الإيراني المحايدين إلى الخروج والتصويت.
وقد تحدث أصواتهم فرقا كبيرا. ويعتقد الخبراء أن عشرة إلى 12 مليونا من الناخبين المسجلين في إيران، والبالغ عددهم 46.2 مليون، يدعمون بصورة غريزية أحمدي نجّاد، ما يعني أن نسبة الإقبال الضعيفة قد تحقق له أغلبية مطلقة في الجولة الأولى. إلا أن المجموعات الرئيسة من المحافظين، بمن فيهم كبار رجال الدين والكتل البرلمانية، لا يدعمونه أو أنهم يظهرون عدم دعمهم بصورة فاترة. وعلى الرغم من أن رضائي مرشح يستبعد فوزه، إلا أنه تسبب في تقليل الدوائر الانتخابية الرئيسة للرئيس. وهو يروج لنفسه بوصفه قوميا وثوريا متحمسا، وقد أضعف أحمدي نجّاد فيما يتعلق بالقضية النووية الحساسة حين أعلن أن إيران ستحظى باحترام أكبر إذا تبنت موقفا "أقل تنمرا ومغامرة"، وطلبت بدلا من ذلك من دول أخرى الانضمام إلى ائتلاف لمساعدة إيران على تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية.
وتزيد الانقسامات في صفوف المحافظين فرص إجبار أحمدي نجّاد على الدخول في جولة إعادة في الجولة الثانية ضد أحد المنافسين المصلحين، اللذين يحظى كل منهما بشعبية أكبر من رضائي اللذين أثبتا أنهما منافسان أشرس مما كان متوقعا. وقد انتقدا سجل الرئيس فيما يتعلق بمجموعة كبيرة من القضايا، وبالتالي أشعلا الحماس بين المصلحين، الذين يئس الكثير منهم من استعادة الزخم مرة أخرى بعد فشلهم خلال ولاية خاتمي في التغلب على المعارضة المحافظة الراسخة. وتماما مثل خاتمي في ذروته، ألهم المرشحين المصلحين الكثير من الأتباع الشباب المنظمين الذين كافحوا بصورة مستميتة للتغلب على العوائق، مثلا عن طريق استخدام الرسائل النصية والإنترنت لتجاوز وسائل الإعلام.
وكما يتردد كثيرا، فإن موسوي هو الذي يرجح نجاحه. وعلى الرغم من أسلوبه المهني الصارم وغيابه عن السياسة منذ توليه رئاسة الوزراء خلال سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية الكئيبة، إلا أنه حشد دعما قويا بنداءاته للحصول على حريات أوسع نطاقا وتطبيق البراغماتية الاقتصادية وتقليل التوتر مع العالم الخارجي. وقال في أحد خطاباته واعظا أحمدي نجّاد: "لم يمنحك شعبنا حق إلحاق العار بهم،" قائلا إن موقف إيران على الصعيد العالمي تراجع إلى درجة أن جوازات السفر الإيرانية أصبحت غير مرحب بها مثل جوازات السفر الصومالية.
ثنائي فني
ويصادف أن موسوي، المهندس المعماري البارع والرسام الموهوب، من أصول تركية آذرية، لذا فهو يجتذب اهتمام أقلية عرقية متكاملة كبيرة تسيطر على شمال غرب إيران. وخلافا للتقاليد الإيرانية، انضمت زوجته، وهي أيضا فنانة أيضا وأستاذة، إلى الحملة. وهذا، إضافة إلى وعوده بتعزيز حقوق المرأة، أحد الأسباب التي تجعل تجمعاته العاصفة مليئة بالحشود من النساء، اللواتي غالبا ما يرتدين الألوان الخضراء الزاهية التي أصبحت رمزا له.
وقد كان كروبي، رجل الدين الشيعي الذي حصل على خمسة ملايين صوت، بقدر عدد الأصوات التي حصل عليها أحمدي نجّاد تقريبا، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2005، صريحا بالقدر نفسه. وقد ركز على الاقتصاد، الذي يعد مصدر قلق في الدولة التي بلغ التضخم فيها 25 في المائة، ووظف فريق من الاقتصاديين البارزين ووعد بتشارك إيرادات النفط مع جميع المواطنين. وقد صب مؤيدوه الانتقادات على أحمدي نجّاد، حيث شبهوا حكمه بحكم طالبان وسخروا منه لأنه وصف العقوبات التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتي صعبت الحياة على الإيرانيين العاديين بأنها "قمامة".
وردا على ذلك، اتهم أحمدي نجّاد معارضيه بإساءة استغلال الحرية لإهانة الأمة، ولمّح إلى أنهم مدعومين من قبل الأعداء الأجانب أو "المستبدين الجشعين والانتهازيين الماليين" في الوطن. ولا تزال الحروب الكلامية هذه تجتذب الكثيرين، تماما مثل صرف الرواتب وزيادات المعاشات التقاعدية والهدايا النقدية للفقراء، بل وحتى الخضراوات المجانية التي منحتها حكومة أحمدي نجّاد.
ولكن إلى حد ما، أزال موسم الانتخابات غطاء الخوف عن منتقديه وكشف عيوب الرئيس. وأياً كانت نتيجة التصويت، يأمل الكثير من الإيرانيين أن يدوم، على الأقل، هذا الانفتاح غير المعتاد. وإذا فشل الرئيس في تحقيق نصر مباشر في الجولة الأولى، قد يضطر إلى الكفاح للتصدي لأي شخص يبرز كمنافس رئيسي في الجولة الثانية.