فلتعبر الأمم عن رغبتها بالسلام

فلتعبر الأمم عن رغبتها بالسلام

لقد مضت ثلاث سنوات منذ أن أكد باراك أوباما أن أمريكا "لم تعد أمة مسيحية - على الأقل ليست مسيحية فقط." وقد بدت كلماته أقسى مما كان يقصد: فقد كان يريد توضيح هذه النقطة بطريقة أكثر إيجابية، مشددا على أن الولايات المتحدة مجتمع يهودي أو مسلم أو بوذي أو هندوسي أو غير مؤمن بقدر ما هو مجتمع مسيحي. وفي تركيا في نيسان (أبريل)، قلب الرئيس هذه الصيغة رأسا على عقب، معلنا "إننا لا نعتبر أنفسنا أمة مسيحية أو يهودية أو مسلمة" بل "أمة مواطنين" ملتزمين بالقيم.
وفي خطاب استقبل بحماس في القاهرة في الرابع من حزيران (يونيو)، تم فيه الاقتباس بصورة متكررة من القرآن الكريم، دعا أوباما إلى "بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في جميع أنحاء العالم" قائمة على "حقيقة أن أمريكا والإسلام ليسا حصريين وليس بالضرورة أن يكون بينهما منافسة".
وقد لا تكون الفلسفة متسقة تماما، إلا أن المزاج المبتهج واضح - معارضة مطلقة للطائفية وأي تركيز على الاختلافات الدينية بدلا من النقاط المشتركة. ويبدو أن كثيرا من المسلمين مستعدون لسماع ذلك.
خذ مثلا رد الفعل على التعيين الجديد الذي أثار اهتماما أكبر خارج أمريكا من ذلك الذي أثاره داخلها. فحين تمت دعوة داليا مجاهد، العالمة الاجتماعية الأمريكية المصرية، في نيسان (أبريل) للانضمام إلى الهيئة الاستشارية للبيت الأبيض، تدفقت الصحافة في وطنها بالمقالات الحماسية.
وليس السبب في ذلك كون داليا مجاهد، التي تحلل العالم الإسلامي لصالح مؤسسة Gallup التي تجري استطلاعات الرأي، مسلمة متدينة. فقد تم الترحيب بتعيينها (في هيئة مكونة من 25 شخصا معنية "بشراكة الجوار القائمة على الإيمان") بوصفه تأييدا لرأيها بأن القيم الإسلامية والغربية متقاربة أكثر مما يعتقد الخبراء المخضرمين في الحضارات.
ويشير رد الفعل الحماسي على تعيين داليا إلى أن هناك طرقا سهلة، بالنسبة لأولئك الراغبين في البحث، لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي (بمن في ذلك مسلمو أمريكا)؛ وإدارة أوباما منشغلة بمحاولة إيجاد هذه الطرق. وقد كان التشكك بين معظم الأمريكيين ومعظم المسلمين كبيرا جدا في عهد بوش بحيث لم يتطلب الأمر كثيرا لتحسين المناخ. وأحد الأمور المساعدة هو الخطابات الرئاسية (في تركيا في نيسان (أبريل) وفي القاهرة هذا الأسبوع)؛ ومن العوامل الأخرى بعض عروض العمل المحلية التي تم تقديم معظمها للأمريكيين المسلمين الشباب.
وفي تركيا لن يتم تذكر ما قاله أوباما خلال زيارته بقدر ما سيتم تذكر صياغة الكلمات التي أرضت المسلمين المتدينين دون أن تغضب العلمانيين. ونجح أيضا في التعبير بلغة الجسد - "إنه مثلنا، شرقي وعاطفي".
وكما تبين بعض نتائج استطلاعات Gallup الجديدة، أدى تغيير الحرس في البيت الأبيض إلى تحسن فوري في المواقف تجاه القيادة الأمريكية بين معظم المسلمين العرب، باستثناء اللبنانيين والفلسطينيين. ومن جهة أخرى، ينظر الشعب الأمريكي إلى العالم الإسلامي بوصفه معاديا للولايات المتحدة، ولكنه لا يبادله ذلك العداء – بالقدر نفسه. ومع أن 80 في المائة من الأمريكيين يعتقدون أن موقف الدول الإسلامية من دولتهم غير موات، إلا أن 39 في المائة من الأمريكيين يردون بالمثل عن طريق التعبير عن مواقف "عدائية" تجاه العالم الإسلامي.
ويشير هذا إلى وجود جزء، على الأقل، من الناخبين الأمريكيين الذين يتقبلون فكرة تحسين العلاقات مع الإسلام. ومن جهة أخرى، بدأت الشخصيات الجليلة في مؤسسة واشنطن، مثل مادلين أولبرايت (التي قدمت مساعدة عسكرية لمسلمي البلقان حين كانت وزيرة الخارجية)، بتكرار الأسباب التي تدعو لإقامة علاقة صداقة بين أمريكا والإسلام.
وبالنسبة للجماعات الملتزمة بهذا المبدأ، يبدو التغير في المناخ كبيرا. وتتوقع Daisy Khan، المؤسسة الشريكة للجمعية الأمريكية للنهوض بالمسلمين، دخول موجة جديدة من الأمريكيين المسلمين من الجيل الثاني إلى السياسة، على عكس آبائهم الحذرين المحايدين سياسيا. وتعتقد أنه في أمريكا تحت رئاسة أوباما، قد تساعد العلاقات الخارجية مع المسلمين في مجال الدبلوماسية المدنية.
حسنا، ربما ليس كل العلاقات في الخارج. فلا يزال هناك جزء من العالم الإسلامي الأمريكي تحت وقع الصدمة بسبب أحكام السجن لفترة طويلة التي صدرت في أيار (مايو) بحق خمسة أعضاء في مؤسسة الأرض المقدسة الخيرية، بتهمة مساعدة حماس. ونتيجة للمحاكمة، خفض منفذو القانون في أمريكا العلاقات التي كانت ودية في السابق مع بعض الهيئات الأمريكية الإسلامية.
وفي اختيارها الموظفين المسلمين، سعت إدارة أوباما ببراعة لتوظيف الأشخاص الذين ليس لهم مشاركة كبيرة في العالم الفوضوي للسياسة الإسلامية المؤسسية. إلا أن هناك حدودا لتحقيق مكاسب سهلة والتهرب من الجدل، بما في ذلك الجدل الديني. وقد يكون هناك خيارات صعبة في المستقبل فيما يتعلق بالحرية الدينية.
ومن الناحية الفلسفية، فإن اللجنة الأمريكية المعنية بالحرية الدينية الدولية (هيئة من الحزبين تقدم المشورة للكونجرس والبيت الأبيض) متوافقة مع مزاج أوباما. ويشدد أحدث تقرير عالمي على أن المسلمين ضحية للتمييز العنصري في عديد من الأماكن، وليسوا مرتكبيه. ويحتاج المسلمون المتضررون إلى الدعم الأمريكي - في إطار السياسة الخارجية التي تشجع على قيام مجتمعات عادلة ومتسامحة. هذا ما تعتقده اللجنة، وما يقوله مسؤولو أوباما نظريا.
ولكن إلى أي حد سيذهب الرئيس في توبيخ الدول التي حددتها اللجنة؟ فقد أضاف تقريرها خمس دول جديدة (بما فيها العراق ونيجيريا وباكستان) إلى الدول الثماني التي تم تصنيفها بالفعل بوصفها "دولا مثيرة للقلق" فيما يتعلق بالحرية الدينية. ومن بين الدول الإحدى عشرة التي تتضمنها "قائمة المراقبة" للجنة، هناك أفغانستان، إندونيسيا، طاجيكستان، وتركيا - ومصر. وستلتقي وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، أعضاء اللجنة قريبا، وسيكون لديهم بعض الأسئلة الصعبة لها.

الأكثر قراءة