باراك أوباما يتحدث إلى العالم الإسلامي .. فلنكن أصدقاء
جاء في رسالة مفتوحة من الشيخ علي يوسف، رجل الدين المسلم الذي كان قبل وقت طويل أكثر كتاب الأعمدة شعبية في مصر: "ننتظر وصولك بفارغ الصبر لأننا معجبون بمبادئك النبيلة وقيمك السامية." وأعرب في رسالته، التي نشرت في صحيفة عربية يومية، عن أمله بأن يظهر الرئيس الأمريكي في خطابه في جامعة القاهرة دعمه لطموحات المصريين بالحصول على الحرية والكرامة.
لقد كتبت هذه الكلمات قبل 99 عاما قبل محاضرة لثيودور روزفلت، الرئيس الأمريكي الذي أحبطت لهجته الاستعمارية في ذلك الوقت آمال المصريين. ولكن يمكن للشيخ الذي توفي منذ فترة طويلة أن يرقد باطمئنان اليوم. ففي خطاب مثير في الرابع من حزيران (يونيو)، استخدم باراك أوباما القوة العظيمة للرئاسة الأمريكية وشخصيته الساحرة ومنبرا في قلب العالم العربي لمخاطبة مخاوف مسلمي العالم البالغ عددهم 1.4 مليار شخص. ففي خطابه في جامعة القاهرة، سعى لإظهار انفتاح على الإسلام، وحس بالقيم المشتركة، والدعم لطموحات المسلمين، والعزم على استخدام القوة الأمريكية للمساعدة على معالجة المشكلات التي تقلقهم. وحظي بالإشادة بوصفه أداء خطابيا رائعا.
وأعلن أوباما الذي لقي تصفيقا حماسيا: "يجب أن تنتهي دائرة الشكوك والخلافات. وقد جئت سعيا لبداية جديدة، قائمة على التعاون والاحترام". وعالج الخطاب الذي اقتبس بعض فقراته من القرآن الكريم قضايا ملحة مثل العراق وأفغانستان والطموحات النووية لإيران، وتناول أيضا مبادئ مثل الديمقراطية وحقوق المرأة. وخلص إلى رؤية لعالم أكثر تسامحا وسلاما.
ولم يتوان الرئيس الأمريكي عن انتقاد بعض المسلمين لرفضهم إدانة التطرف العنيف أو ميلهم لقياس إيمانهم عن طريق رفض معتقدات الآخرين الدينية. وقدم بصورة قوية رؤية أمريكا للحرية الدينية، ودعا إلى تفهم المعاناة التاريخية لليهود. وفي انتقاده لإنكار الهولوكوست النازي بوصفه "لا أساس له ويدل على الجهل والكراهية"، كان ينتقد بصورة غير مباشرة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجّاد. ولكنه ذكّر أيضا بمعاناة الفلسطينيين، واصفا وضعهم بأنه "لا يطاق". وكرر صراحة طلبه بوقف بناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية.
وقد خاطب أوباما المسلمين من قبل. فقد منح أول مقابلة له كرئيس إلى قناة فضائية عربية، وبث رسالة دافئة إلى الإيرانيين بمناسبة عيد الربيع (النيروز) لديهم، وتحدث في مؤتمر عن التسامح الديني في إسطنبول. إلا أن خطابه كان وفاء لوعده قبل التنصيب بالقيام بمحاولة جريئة لاستعادة الهيبة الأمريكية عن طريق خطاب عام مباشر في عاصمة إسلامية.
هل سيؤتي خطاب أوباما المثير ثماره؟ لا يزال الكثير من المسلمين يشعرون بالغضب من تراث سنوات بوش، الذي زاد اشتعالا بفعل تراكمات تتراوح من غزو العراق عام 2003 إلى المعاملة الشائنة للسجناء المسلمين والتحيز الأمريكي المتزايد لإسرائيل العدائية. وقد أظهرت استطلاعات الرأي زيادة للهيبة الأمريكية في ظل رئاسة أوباما بعد التراجع الحاد الذي أظهرته في السابق، وأظهرت أن شعبيته كشخص أكبر بكثير من شعبية الأمة التي يمثلها.
إلا أن المقولة التي تتردد باستمرار، في شوارع القاهرة وأيضا من قبل النقاد الإعلاميين، هي أن العرب والمسلمين يرغبون أن تكون كلمات أوباما مقرونة بأفعال. وفي غمرة الموجة المندفعة من المقالات الافتتاحية والأعمدة والرسائل المفتوحة من جميع أنحاء المنطقة التي تم نشرها قبل خطاب أوباما، جاء في أحدها: "لكسب قلوبنا، عليك أن تكسب عقولنا أولا، وعقولنا تستهدف حماية مصالحنا".
وبشكل عام، وعلى الرغم من الظهور المكثف على الإنترنت لأسامة بن لادن، يدرك معظم المسلمين صدق جهود أوباما لإخراج أمريكا من العراق - وتعقيدات ذلك. ويتفهمون أيضا بمرارة بالغة مأزقه في أفغانستان. والقضية الوحيدة التي تتقارب فيها آراء المسلمين ومطالبهم بتغيير النهج الأمريكي هي فلسطين. ويمكن القول إنه لا يمكن في هذا المجال توقع أن تكون هناك أية خطوة أمريكية تعالج شكاوى المسلمين والعرب بسرعة وبصورة كاملة، ويعود ذلك جزئيا إلى ما وصفه أوباما بوصفه "علاقة أمريكا التي لا تنفصم عراها" مع إسرائيل، وجزئيا لأن نصف المجتمع المنقسم للفلسطينيين تديره حماس، الجماعة الإسلامية التي لا تزال تعتبر لعنة على أمريكا. إلا أن المسلمين مبتهجون جدا لأن الإسرائيليين، كما هو واضح، منزعجون من ضغوط أوباما بشأن قضية المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة.
وسيثير عزم أوباما على وضع علاقات أمريكا مع المسلمين على أساس جديد الأمل في جميع أنحاء الشرق الأوسط ومناطق أبعد. وتكمن الصعوبة الآن في ترجمة النوايا الحسنة الجديدة إلى أفعال، ليس فقط من قبل أمريكا، بل أيضا من قبل حلفائها العرب والمسلمين.