هل سيصمد التوازن الهش؟
على الرغم من تاريخها المليء بالاضطرابات، إلا أن السلام الهش في لبنان قد يصمد لبعض الوقت على الأقل.
مع اقتراب الانتخابات العامة في السابع من حزيران (يونيو)، تجتاح العواطف المتأججة لبنان. وتزين الملصقات الجريئة كل الأماكن العامة، وترمز لمناطق الأحزاب بحسب اللون: الأزرق لحزب المستقبل، والبرتقالي لحزب التغيير، والأصفر لحزب الله، إلى جانب الكثير من الألوان الأخرى. ويتردد صدى الخطابات الصاخبة في المشاحنات في الشوارع والمنازل.
إن لبنان ليست مجرد دولة صغيرة قابلة للاشتعال في حوض البحر المتوسط يسكنها أربعة ملايين شخص، بل لديها أيضا شكل غير معتاد من أشكال الديمقراطية القائم على الحصص لكل طائفة معترف بها من طوائف الدولة البالغ عددها 16 في البرلمان المكون من 128 مقعدا. وهذا الخليط من الأقليات، التي تتميز بالانقسامات بين طوائفها والتحالفات المتغيرة دائما داخلها وبينها، قابل للانفجار، كما حدث خلال الحرب الأهلية الشعواء في لبنان في الأعوام من 1975 إلى 1990. كما أن هذه الدولة مسرح قتال لصراعات أوسع نطاقا. فهناك جهات خارجية مثل إيران، أمريكا، وسورية تمارس نفوذها بدعم فصائل متنافسة، لذا ستعتبر نتيجة الانتخابات اختبارا لنقاط قوتها النسبية.
وتريد أمريكا وحلفاؤها أن تحتفظ الأغلبية البرلمانية الحالية، وهي تحالف هش من المسلمين السنة والدروز والمسيحيين المختلطين، بالسلطة التي اكتسبتها في الانتخابات الأخيرة عام 2005، حين وصلت إلى السلطة بسبب الغضب الشعبي في أعقاب اغتيال رفيق الحريري، القائد السني الذي شغل منصب رئيس الوزراء خمس مرات.
وتسعى إيران وسورية، اللتان كان جيش حفظ السلام التابع لهما يسيطر على لبنان إلى أن انسحب على عجالة بعد اغتيال الحريري، إلى انتصار المنافسين، وهم تحالف من الفصائل المسيحية الساخطة بقيادة ميشيل عون، الجنرال القومي السابق، وحزبين شيعيين، هما حزب أمل وحزب الله، اللذان قدما ميليشيات أقضت مضجع إسرائيل خلال احتلالها جنوب لبنان في الأعوام بين 1978 و2000، والتي اشتبكت ثانية مع الإسرائيليين في حرب قصيرة عام 2006 وتغلبت عليها.
والقوى الخارجية لا تخفي استخدام نفوذها. فقد أرسلت أمريكا أخيرا نائب الرئيس، جو بيدن، في زيارة سريعة للبنان. وفي حين أنه أعرب عن أمله بإجراء انتخابات نزيهة، عقد اجتماع خاص مع قادة الأغلبية الحالية، التي تعرف في لبنان اختصارا باسم جماعة الرابع عشر من آذار، وألمح أن فوز خصومهم قد يعرض للخطر المساعدة التي تنفقها أمريكا أخيرا على الجيش اللبناني لتقويته في مواجهة ميليشيات حزب الله، التي لا تزال متفوقة في مجال التدريب والمعدات والمعنويات. من جانبه، يتوقع الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي أنفق مبالغ ضخمة أيضا على الجهات اللبنانية التي يدعمها، أن نصرهم سيعزز "المقاومة"- مقاومة إسرائيل والغرب - ويغير موازين القوى في المنطقة.
ولكن على الرغم من أن بعض استطلاعات الرأي تشير إلى أن المعارضة متقدمة بفارق ضئيل، إلا أن النتيجة قد تكون متقاربة. ويعتقد أسامة صفا، المستشار السياسي، أنه بالنظر إلى الولاءات داخل الخليط الطائفي لمناطق الاقتراع، من المضمون أن يحصل كل من التحالفين الرئيسيين على ثلث المقاعد تقريبا، ما يترك ثلثا واحدا فقط للتنافس عليه.
وفي الدوائر الانتخابية اللبنانية المكونة من عدة مقاعد، تشجع الأحزاب الكتل الانتخابية عن طريق توزيع بطاقات اقتراع مطبوعة مع قائمة المرشحين الخاصة بهم، ولكن يمكن للناخبين إزالة بعض الأسماء وكتابة أسماء أخرى. وإعادة توزيع المناطق أخيرا تمنح الأصوات الصامتة سابقا رأيا أكبر. فعلى سبيل المثال، لم يتكبد عناء التصويت عام 2005 سوى 4 في المائة من العدد الكبير من الناخبين الأرمن في العاصمة، بيروت، على الرغم من تخصيص أربعة مقاعد لهم. وقد اشتكوا أن المقاعد المخصصة لهم هي في دوائر انتخابية يهيمن عليها الناخبون السنة، لذا لم يكن الأرمن الذين تم انتخابهم يمثلون جاليتهم. إلا أن لأصواتهم أهمية أكبر هذه المرة. ويقول صفا إنه في بعض المناطق، قد تحدث 50 صوتا فرقا كبيرا.
ومع ذلك، ربما لا تسفر النتائج عن تغيير جذري. فمنذ حرب عام 2006 مع إسرائيل، أصبح التحالفان الرئيسيان أكثر استقطابا. ويقول التحالف بقيادة حزب الله إنه حقق "نصرا إلهيا" على الدولة اليهودية في الحرب التي دامت خمسة أسابيع، في حين لا يزال مناصرو جماعة الرابع عشر من آذار يقولون إنه يجب نزع سلاح الجماعة الشيعية، ويلقون عليها اللوم لأنها استفزت الهجوم الإسرائيلي الذي تسبب بدمار واسع النطاق وبمقتل 1.200 لبناني، معظمهم من المدنيين.
وفي العام الماضي، قام حزب الله وحلفاؤه، الذين شعروا بالإحباط بسبب رفض جماعة الرابع عشر من آذار الإذعان لطلبهم بالحصول على حصة من المقاعد في مجلس الوزراء، بإذلال خصومهم عن طريق الاستيلاء على معاقل سنية في بيروت. ودفعت هذه الخطوة جماعة الرابع عشر من آذار إلى التراجع عن مؤتمر المصالحة في قطر. إلا أن القتال أغضب السنة، وأثار خوف بعض شركاء حزب الله المسيحيين، وترك الأحزاب المتنازعة معلقة في توازن غير مستقر.
ويبدو أن هذا الوضع، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، سيستمر، على المدى القصير على أية حال. وحتى لو احتفظت جماعة الرابع عشر من آذار بأغلبية ضئيلة، فلا يمكنها مواجهة قوة حزب الله في الشارع بقيادة قائدها ذي الشخصية الساحرة، حسن نصر الله، رجل الدين الملتحي الذي يجتذب الولاء الشديد. ولا يمكنها أيضا منع تسلل حزب الله بنجاح وسرية إلى المؤسسات الرئيسية، مثل الجيش. وفي الواقع، يبدو أن بعض قادة جماعة الرابع عشر من آذار مستعدون لاحتواء خصومهم. وقد أصبح قائد الدروز، وليد جنبلاط، الذي كان حتى وقت قريب ينتقد علنا إيران وسورية، يتبادل المجاملات مع نصر الله. وفي تسجيل تم تسريبه لجنبلاط في اجتماع سري كشف جنبلاط وهو يحط من قدر حلفاء تحالفه.
ومع ذلك، يعاني تحالف المعارضة من نقاط ضعف أيضا. فالأنصار المسيحيون للجنرال عون يشعرون بالإهانة من تحالف الرابع عشر من آذار ويقولون إنه فاسد، ولكنهم يعتبرون تحالفهم مع حزب الله تكتيكيا أكثر منه استراتيجي. وعلى الرغم من الدعم اللفظي للحركة الشيعية، لا يشعر الكثير من المسيحيين، الذين تم نزع سلاح ميليشياتهم من حقبة الحرب الأهلية، بالارتياح من تنامي القوة العسكرية لحزب الله. كما أن حزب الله يشعر بالقلق من السياسة البرلمانية. وخوفا من أن يتم إلقاء اللوم عليه عن أي فشل للحكومة في المستقبل، بما في ذلك توقف الدعم الدولي المحتمل للاقتصاد المثقل بالديون، لم يقدم سوى 11 مرشحا فقط مقارنة بـ 14 عام 2005، وقد يتخلى عن حقائبه الوزارية.
ولبنان معتاد على السياسة الصعبة المنقسمة. وعلى الرغم من سنوات الاضطراب، إلا أن اقتصاده يسير بشكل جيد. وقد يتحمل فترة أخرى من البلبلة وربما يخرج منها بوسط أقوى، بحيث ينضم إلى الأجزاء المعتدلة من كلا التحالفين الحاليين. ولكن من المحتوم أن يستمر التقلب. وحين تم نشر تقرير في صحيفة Der Spiegel الألمانية الأسبوعية يورط عملاء من حزب الله في مقتل الحريري وتسعة أشخاص آخرين مرتبطين بتحالف الرابع عشر من آذار، سعى حتى قادة تحالف الرابع عشر من آذار إلى نزع فتيل القنبلة، خوفا من تداعيات ذلك في جميع أنحاء المنطقة. ولا يجب أبدا أن يتم اعتبار الاستقرار في لبنان أمرا مفروغا منه.