مهاجمة أصحاب الوظائف السهلة المربحة في الشركات

مهاجمة أصحاب الوظائف السهلة المربحة في الشركات

أشعل التباطؤ العالمي الغضب بسبب مكافآت المديرين التنفيذيين. وبعضها فقط مبرر.

في وقت سابق من هذا الشهر، قام Iain Coucher بأمر غير اعتيادي بالنسبة لمدير تنفيذي. فقد أعلن Coucher، رئيس شركة Network Rail، المسؤولة عن البنية التحتية للسكك الحديدية في بريطانيا، أنه لا يريد علاوة سنوية هذا العام، مع أنه حصل على علاوة بقيمة 306 آلاف جنيه استرليني (614 ألف دولار) عام 2008. وعن سبب هذا الإيثار، يقول Coucher إنه "يدرك المشاعر السائدة حاليا" ويريد تجنب ضجة قد تلقي بظلالها على إنجازات شركته - مع أنه متمسك بخطة علاوات طويلة الأجل قد تكون مربحة. وأغدق وزير النقل البريطاني، Lord Adonis، الثناء على رئيس Network Rail بسبب "استجابته للمزاج العام في هذا الوقت من الصعوبات الاقتصادية".
وقد أصبح المزاج العام عكرا جدا في الواقع، وليس فقط في بريطانيا. ففي العديد من الدول، أثارت مشاعر الاستياء الشعبي من رزم الأجور المرتفعة للمديرين التنفيذيين عناوين صحف لاذعة وضجة عالية من الشكاوى من السياسيين. وعلى الرغم من أن المصرفيين هم هدف لأشد الانتقادات حدة، إلا أن الكثير من رؤساء الشركات في صناعات أخرى يتعرضون أيضا لانتقادات قاسية. فحين منحت شركة Valeo، وهي شركة فرنسية لتزويد قطع السيارات تعاني حاليا من المشاكل، مكافأة بقيمة 3.2 مليون يورو (4.4 مليون دولار) إلى مديرها التنفيذي المتنحي في آذار (مارس)، انتقد رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا فيلون، هذا القرار. وقال غاضبا: "لقد حان الوقت لإظهار المسؤولية. فأولئك الذين لا يتحملون المسؤولية يعرضون نظامنا الاجتماعي والاقتصادي بأكمله للخطر".
وليس السياسيون وحدهم هم من يشعر بالغضب، فهناك أيضا بعض كبار المستثمرين الغاضبين. وفي التاسع عشر من أيار (مايو)، تلقى مديرو Royal Dutch Shell انتقادات لاذعة حين رفض 59 في المائة من المساهمين الذين يملكون حق التصويت صفقة أجور لكبار المديرين التنفيذيين في شركة النفط العملاقة. ولم تكن نتيجة التصويت ملزمة، ولكنها كانت محرجة للغاية بالنسبة لمجلس إدارة Shell، التي قررت منح أسهم كمكافآت للمديرين مع أن الشركة لم تحقق أهداف الأداء.
ويعد عديد من الحكومات التي تواجه الغضب الشعبي بسبب ما يعتبرونه جشع المديرين التنفيذيين المفرط قواعد جديدة للسيطرة على الأجور. وتستهدف معظم هذه التدابير الشركات التي تم إنقاذها على حساب دافعي الضرائب. فعلى سبيل المثال، من المقرر أن يكشف وزير المالية الأمريكي عن المبادئ التوجيهية حول الأجور للشركات التي تلقت المساعدات في إطار برنامج الحكومة المسمّى برنامج إغاثة الأصول المضطربة. إلا أن بعض الخطط تمتد على نطاق أوسع. فقد قدمت الحكومة الألمانية مشروع قانون يستهدف جميع الشركات العامة والذي يتضمن أحكاما تجبر المديرين التنفيذيين على الاحتفاظ بخيارات الأسهم لمدة أربعة أعوام على الأقل بدلا من عامين. وسيلزم الاقتراح الألماني أيضا جميع أعضاء مجلس الإدارة، وليس فقط لجنة فرعية، بالتوقيع على المسائل المتعلقة بالأجور.
ويثير هذا التدخل السياسي في القرارات التي تتخذها الشركات لدفع أجور مديريها التنفيذيين سؤالين مهمين. هل عملية تحديد رواتب الرؤساء فاشلة؟ وإذا كانت كذلك، ماذا يجب فعله حيال ذلك؟

من الأجور العالية إلى نداءات الاستغاثة

من المؤكد الآن تقريبا أن الأجور كانت أحد العوامل المساهمة في انهيار الصناعة المصرفية. فبعد أن اعتادوا علاوات سنوية سخية تمثل مضاعفات رواتبهم الأساسية، لا يوجد لدى العديد من المصرفيين أسباب وجيهة للتفكير بالمخاطر المرتبطة بالصفقات التي يوقعونها. وقد اعترفت حتى بعض أبرز الشخصيات في الصناعة، مثل Lloyd Blankfein، رئيس Goldman Sachs، علانية أن الحوافز التي توجدها مثل هذه المخططات ساعدت على سقوط الصناعة في الهاوية.
وتعيد البنوك ترتيب خطط مكافآتها استجابة لذلك لجعل الرواتب الأساسية نسبة مئوية أكبر من المكافأة الإجمالية. وفي الثاني والعشرين من أيار (مايو)، وافق مجلس إدارة Morgan Stanley على زيادة كبيرة في الراتب الأساسي للعديد من كبار المديرين التنفيذيين، بمن فيهم رئيسيه المشتركين، اللذين ستزيد رواتبهما من نحو 300 ألف دولار إلى 800 ألف دولار سنويا. وقالت الشركة أيضا أنها ستزيد الرواتب الأساسية للعديد من الفئات الأخرى للمديرين التنفيذيين. ومن المرجح أن تحذو بنوك أخرى حذوها. كما أنهم سيضعون أنظمة استرجاع المال التي ستسمح لهم باستعادة بعض أو جميع العلاوات إذا فشلت الصفقات التي تستند إليها هذه العلاوات في وقت لاحق.
وهناك شخص واحد في Morgan Stanley لم يحصل على زيادة راتب، وهو رئيسها، John Mack، الذي سيظل راتبه الأساسي عند 800 ألف دولار سنويا. ومثل الكثير غيره من الرؤساء التنفيذيين، يملك Mack الكثير من الحوافز المرتبطة بالأسهم التي من المفترض أن تضمن أن يتبنى رؤية طويلة الأمد للفرص التي تحصل عليها شركته. ولكن على الرغم من مثل هذه المقتنيات، سمح بعض الرؤساء التنفيذيين، مثل Dick Fuld في Lehman Brothers وJimmy Cayne في Bear Stearns، لشركاتهم بتحمل مخاطر هائلة ثم دفعوا الثمن حين تبخرت قيمة أسهمهم.
أين حدث الخطأ؟ من الواضح الآن، بعد فوات الأوان، أن قادة الصناعة لم يفهموا طبيعة المخاطر التي كانت شركاتهم تتحملها. إلا أن Lucian Bebchuk، خبير الأجور في كلية هارفارد للحقوق، يعتقد أن هناك مشكلة أخرى. فهو يشير إلى أن خطط العلاوات القائمة على الأسهم تربط مصالح المصرفيين فقط بمصالح المساهمين. ويشجعهم هذا على المخاطرة بمغامرات كبيرة قد تزيد قيمة أسهم البنك بصورة كبيرة. ولكن إذا فشلت هذه الرهانات، فلن يتحمل المساهمون فقط الخسائر الكارثية، بل سيتحملها أيضا حملة السندات ودافعو الضرائب. ولحل هذه المشكلة، يوصي Bebchuk بربط مصالح المصرفيين ليس فقط بأسعار الأسهم بل أيضا بسعر الضمانات المتبادلة في حال التقصير الائتماني مثلا على سندات البنك.
وعلى الرغم من أن هذا النهج القائم على السوق مغر، إلا أنه يبدو أن الحكومة الأمريكية مصممة على تنظيم أجور القطاع المصرفي بصورة أكثر صرامة. والأخبار الجيدة هي أنها تخلت، كما يبدو، عن الفكرة السخيفة المتمثلة بفرض حدود عليا على الأجور في البنوك، الأمر الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى إبعاد المواهب عن الصناعة. ولكن لا تزال هناك أسباب تدعو للقلق. ويبدو أن قواعد برنامج إغاثة الأصول المضطربة تعني أن المديرين التنفيذيين في الشركات التي تتلقى أموالا من الحكومة لن يسمح لهم بالحصول على حوافز طويلة الأجل إلى أن تسدد شركاتهم هذه الأموال. وقد يؤدي هذا إلى انسحاب بعض البنوك من البرنامج قبل أن تصبح في وضع جيد بما فيه الكفاية لفعل ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، قد تضر القيود الصارمة على الأجور المرتبطة بالأداء في البنوك أكثر مما تنفع. فأحد أسباب نجاح الشركات الأمريكية لفترة طويلة هو أنه كان لدى قادتها حوافز أقوى من الحوافز في دول أخرى بحيث دفعتهم لتحسين أدائهم. والحد من قدرة المؤسسات المالية على دفع علاوات كبيرة لن يؤدي إلا إلى إطالة فترة محنتها. وأخيراً، حذّر Edward Liddy، الذي تم جلبه لإدارة المجموعة الأمريكية الدولية، شركة التأمين الأمريكية، بعد أن أنقذتها الحكومة، أنه لا يمكن أن يتوقع من المديرين التنفيذيين أن يعملوا 24 ساعة يوميا دون الحصول على أجور تتناسب مع الجهد الشاق الذي يبذلونه. وقد خفض Liddy، الذي ينوي مغادرة المجموعة الأمريكية الدولية بعد أن يتم إيجاد خليفة له، راتبه الأساسي إلى دولار سنويا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 بعد الاحتجاجات على أجور مديري الشركات التي تم إنقاذها.

الأتباع في الشركات

يزعم بعض النقاد أن الصناعة المصرفية ليست الصناعة الوحيدة التي تعاني مشاكل فيما يتعلق بالأجور. وهم يقولون إن الكثير من المديرين في صناعات أخرى يتلقون أجورا كبيرة لأن مجالس الإدارة الضعيفة سمحت لهم بإملاء شروط أجورهم. ونتيجة لذلك، لا ترتبط الأجور كثيرا بالأداء وتميل للارتفاع لا محالة. ويعتبر وارن بافيت أحد كبار المنتقدين للوظائف السهلة المربحة في الشركات. ففي الاجتماع السنوي لشركته القابضة، Berkshire Hathaway، في الثاني من أيار (مايو)، هاجم المستثمر الأسطوري النظام الذي يسمح للمديرين التنفيذيين باختيار أعضاء لجان الأجور. وقال إن هذا يسمح لهم باختيار مديرين مطواعين مستعدين للموافقة على اقتراحات الأجور. ويقول: "هؤلاء الأشخاص لا يبحثون عن أشخاص أقوياء، بل عن أتباع لهم".
ويبدو أن احتجاجات المستثمرين، مثلما حدث في Shell، تؤيد النظرية القائلة إن مجالس الإدارة ضعيفة ومن السهل إخضاعها. ومن الدلائل أيضا انتشار الامتيازات التي يتمتع بها بعض الرؤساء، خاصة الأمريكيين. وأحد الامتيازات الأكثر إثارة للجدل هي التي تسمى التابوت الذهبي، التي يمكن بموجبها لورثة المدير التنفيذي الحصول على استحقاقات الوفاة على طراز مكافأة نهاية الخدمة، مثل خيارات الأسهم غير المكتسبة، إذا توفي المدير فجأة. ويحاول المساهمين الناشطين في أمريكا دفن مثل هذه التوابيت للأبد هذا العام، ولكنهم لم يحققوا نجاحا كبيرا.
ويقولون إن المشكلة الكبيرة هي أن الكثير جدا من المستثمرين المؤسسيون مستعدون للموافقة على خطط الأجور دون مناقشة. وتستعرض دراسة حديثة أجرتها شركة Corporate Library للأبحاث اتجاهات التصويت بالوكالة لـ 26 صندوقا استثماريا أمريكيا كبيرا حول مسائل مرتبطة بالأجور. وتظهر الدراسة المعنونة "المتواطئون في الأجور: صناديق الاستثمار والرؤساء التنفيذيون الأمريكيون ذوو الأجور العالية جدا"، أن متوسط مستوى الدعم لاقتراحات الإدارة المتعلقة بالأجور ارتفع من 75.8 في المائة عام 2006 إلى 84 في المائة العام الماضي. وتقول شركة Manifest الأوروبية التي تقدم المشورة للمساهمين، إن 97 في المائة من جميع أصوات المساهمين في أوروبا العام الماضي كانت مؤيدة للإدارة.
ويزعم الناشطون أن مثل هذه الدراسات تثبت أن المساهمين غافلون تماما. إلا أن التفسير الآخر لهذه النتائج هو أن النظام الحالي لتحديد أجور الرؤساء في وضع أفضل مما يعتقد بافيت وغيره، وأن المساهمين راضون تقريبا بدعمه. وعلى الرغم من إتمام بعض صفقات الأجور الشائنة، إلا أن هناك دلائل تشير إلى أن نموذج الأجور المرتبطة بالأداء يعمل بصورة جيدة، وأن مجالس الإدارة لديها نفوذ أكبر مما يعتقد بافيت.
ولنبدأ بالعلاقة بين الأجور والربحية. فإذا كانت مجالس الإدارة خاضعة بالفعل للمديرين التنفيذيين، من غير المحتمل إذن أن يسمح لها المديرون بتقليل رواتبهم. ومع ذلك، خفضت الكثير من الشركات الأوروبية رواتب المديرين التنفيذيين مع انخفاض أرباحها. وفي نيسان (أبريل) مثلا، قالت شركة Bosch الألمانية العملاقة للهندسة إن أجور أفضل عشرة من كبار مديريها انخفضت من 18 مليون يورو عام 2007 إلى 13 مليون يورو العام الماضي، وأنه تم تجميد أجورهم لعام 2009. ويشعر المديرون الأمريكيون أيضا بتأثير ذلك. فوفقا لشركة Towers Perrin الاستشارية، تظهر البيانات من الشركات الأمريكية التي قدمت بيانات الوكالة لعام 2008 بحلول نهاية آذار (مارس) أنه على الرغم من أن متوسط الأجور الأساسية ارتفع قليلا، إلا أن متوسط العلاوات السنوية انخفض بنسبة 19 في المائة. وهناك دلالة أخرى على حقيقة الأجور المرتبطة بالأداء، وهي أن العلاوات انخفضت بأسرع معدل لها في الصناعات التي عانت من أشد تراجع في أرباحها. وفي دراسة منفصلة لـ 135 تقريرا أجورا لشركات عامة، استنتجت الشركة الاستشارية أن أكثر من نصفها تخطط إما لتجميد أو تخفيض الرواتب عام 2009.
وبدأت أيضا المكافآت طويلة الأجل بالانخفاض. فقد درست شركة استشارية أخرى، هي Hewitt، خيارات السهم ومكافآت أخرى منحتها الشركات الأمريكية للمديرين التنفيذيين بين كانون الأول (ديسمبر) 2008 والأول من نيسان (أبريل) 2009. واستنتجت أن متوسط الانخفاض في قيمتها مقارنة مع مجموعة المنح التي تم تقديمها في العام الماضي بلغ 20 في المائة. وأشارت إلى أن الشركات التي قدمت أكبر التخفيضات هي تلك التي كان الانخفاض في أسعار أسهمها هو الأشد.
وهناك علامات أخرى على السوق أثناء العمل. ويقول Stephen Fackler من شركة Gibson, Dunn & Crutcher الأمريكية للمحاماة إن "مجالس الإدارة مسؤولة بصورة أكبر أكثر مما يعتقد الناس". ويشير إلى أن عددا أكبر من الشركات بدأ بالابتعاد عن منح خيارات الأسهم ونحو إصدار أسهم مقيدة قائمة على الأداء. ويتم اكتسابها عادة بعد فترة زمنية معينة فقط إذا زادت الشركة القيمة لمساهميها وكان أداؤها جيدا مقارنة بنظرائها.
ويوحي كل هذا إلى أنه حتى في أمريكا، أرض المديرين التنفيذيين النجوم، لا تعتبر مجالس الإدارة خاضعة للرؤساء. وفي بحث بعنوان "المديرون التنفيذيون المحاصرون" تم نشره في تشرين الأول (أكتوبر) 2008، يقول Marcel Kahan من كلية الحقوق في جامعة نيويورك وEdward Rock من كلية الحقوق في جامعة بينسيلفانيا، إن الرؤساء يفقدون سلطتهم بصورة مطردة لصالح مجالس الإدارة والمساهمين منذ عدة سنوات. وأحد أسباب هذا هو زيادة صناديق التحوّط الناشطة، التي تستهدف الشركات ذات الأداء السيئ وتضغط على المديرين لتحسين عائداتهم. والسبب الآخر هو نمو المؤسسات المؤثرة التي تقدم المشورة للمساهمين، مثل RiskMetrics وGlass Lewis، اللتين تفحصان نشاطات الشركات، بما في ذلك خطط الأجور، وتقدمان توصيات للزبائن حول كيفية التصويت لأسهمهم.
وشجعت الخطوات التنظيمية أيضا مجالس الإدارة على أن تصبح أكثر صرامة فيما يتعلق بالأجور. فعلى سبيل المثال، يشير Kahan وRock إلى أن لوائح أسواق الأوراق المالية الجديدة عام 2006 تلزم الشركات بنشر المكونات المختلفة لأجور المديرين التنفيذيين وتبريرها. وقد يفسر هذا التغيير وتغييرات أخرى السبب في كون Steven Kaplan، الأستاذ في كلية Booth للأعمال في جامعة شيكاغو، وجد أن متوسط مكافآت الأجور للرؤساء في أمريكا - التي تشمل الراتب الأساسي والعلاوات والأسهم المقيدة والقيمة المتوقعة لخيارات الأسهم- ظلت ثابتة تقريبا بين الأعوام 2000 و2007، عند نحو ثمانية ملايين دولار سنويا. ولعل الرؤساء حصلوا على أكثر من ذلك بفضل الأسواق المنتعشة، ولكن يبدو أن مجالس الإدارة لم تتعمد تضخيم إيراداتهم المحتملة.
وعلى الرغم من أن نظام الأجور سليم، إلا أن بعض أجزائه بحاجة ماسة إلى الإصلاح. وأحد الأمثلة على ذلك هو مكافآت نهاية الخدمة التي يبدو أنها تكافئ المديرين التنفيذيين على فشلهم. وعلى الرغم من غرابة ذلك، إلا أن المبدأ الكامن وراءها سليم: إذا تمت إدارتها على نحو سليم، تمنح الرؤساء حافزا للاعتراف بمشاكل خطيرة بدلا من محاولة إخفائها لأطول فترة ممكنة. وهذا في النهاية يفيد المساهمين. إلا أن بعض المبالغ المدفوعة أكثر سخاء بكثير من اللازم. وينبغي أن تدرس مجالس الإدارة العديد من الامتيازات بدقة أكبر، مثل التوابيت الذهبية، التي تسللت إلى العقود في الأوقات المزدهرة، ولكن التي لا علاقة لها أبدا بالأداء.
ويحذّر بعض الخبراء من أنه يجب أن يتم تنفيذ الإصلاحات بسرعة لكي يتم الحفاظ على نظام الأجور المرتبطة بالأداء. ويقول Sean O'Hare، الشريك في Pricewaterhouse Coopers: "هناك خطر حقيقي أن نفقد حرية استخدام الأجور كقوة للخير". ولم يستوعب بعد جميع أصحاب المناصب العليا هذا الخطر. ويقول Ira Kay، رئيس قسم المكافآت في Watson Wyatt الاستشارية، إنه على الرغم من أن العديد من مجالس الإدارة تتقبل ضرورة التغيير، إلا أن بعض المديرين التنفيذيين لا يزالون يعارضون ذلك لأنهم يعتقدون أن الضجة المتعلقة بالأجور ستهدأ قريبا.

دفع الأجور سواء عملت أم لا

وقد يمنح هذا الحكومات ذريعة لاتخاذ إجراءات. فقد طرحت أستراليا مثلا خطط لإجبار الشركات على الحصول على موافقة المساهمين على أي رزمة نهاية خدمة أكبر من الراتب الأساسي السنوي للمدير التنفيذي. إلا أن محاولات السياسيين للتدخل بالأجور كانت تأتي بنتائج عكسية غالبا. وتوفر أمريكا قصة يجب الاتعاظ منها. ففي عام 1984، حاولت الحكومة وضع حد أقصى على مكافآت نهاية الخدمة عند ثلاثة أضعاف الراتب الأساسي عن طريق فرض ضريبة خاصة على أي دفعات أعلى من هذا المستوى. ولكن سرعان ما أصبح مضاعف الراتب نقطة انطلاق للصفقات الجديدة ووافقت الشركات على تغطية الضريبة التي تكبدها الرؤساء على الترتيبات الأكثر سخاء. ثم في عام 1993، تم فرض حد أقصى بقيمة مليون دولار على الخصم الضريبي لرواتب المديرين التنفيذيين. وكان لذلك نتيجتان غير مقصودتين: سرعان ما ارتفعت الرواتب الأدنى من مليون دولار إلى هذا المستوى وأمطرت الشركات على الفور مديريها بخيارات الأسهم وأشكال أخرى من الأجور غير المشمولة في هذه الحدود العليا.
ماذا يجب أن تفعل الحكومة الآن إذن، إن فعلت شيئا، لمعالجة قضية الأجور؟ الخطوة الرئيسية هي تقوية قدرة المساهمين على المراقبة والتأثير في صفقات المكافآت قبل أن يتم توقيعها. ويمكن بهذه الطريقة معالجة قضايا الانتهاك بسرعة، وقد أخذت هيئة الأوراق والأسواق المالية الأمريكية خطوة في الاتجاه الصحيح أخيرا، حيث فرضت قاعدة جديدة تسهّل على المستثمرين تعيين المديرين في مجالس إدارة الشركات.
ويجب على أمريكا أيضا أن تجعل أصوات "الرأي الأكبر فيما يتعلق بالأجور" من قبل المساهمين إلزامية في الشركات العامة. ومع أن تلك الأصوات غير ملزمة، إلا أنها تجبر مجالس الإدارة على تبرير سياسات المكافآت بصورة منتظمة، وقد تكون وسيلة مفيدة للتعبير عن الاستياء إذا كان هناك شيء مريب، كما اكتشفت Shell. ومثل هذه الأصوات الشائعة في أوروبا ليست مطلوبة في أمريكا في الوقت الحالي، إلا في الشركات التي استفادت من برنامج إغاثة الأصول المضطربة. ومع ذلك، يمكن للمستثمرين هناك الضغط للحصول على الأصوات التي يمكن الاحتفاظ بها في أي شركة عامة، كما أن عدد طلبات التصويت على الرأي الأكبر على الأجور في أمريكا يرتفع بصورة مطردة.
وقد قدم Charles Schumer، السيناتور الديمقراطي، أخيرا قانونا إلى الكونجرس سيجبر الشركات العامة، من بين أمور أخرى، على إخضاع سياسات الأجور التي تتبعها للتصويت. وتعتقد بعض الشركات أن هذا سيكون مصدر إلهاء مزعجا. وتخشى أيضا أن تنتهك جماعات المصالح الخاصة، مثل المعاشات التقاعدية في القطاع العام، هذا النظام لتوسيع أجنداتها السياسية. إلا أن سجل أوروبا يظهر أن الرأي الأكبر على الأجور يشجع عادة الحوار الأفضل بين المساهمين والمديرين ومجالس الإدارة حول المسائل المتعلقة بالأجور قبل التصويت.
ومن المتوقع ظهور أمثلة أخرى على جشع الشركات في الأشهر المقبلة. ومع أنها ستكون استثناءات وليس القاعدة، إلا أنها ستزيد بلا شك الضغوط الشعبية على الحكومات للتدخل في سوق مكافآت كبار المديرين التنفيذيين. وإذا استجاب السياسيون عن طريق إصدار قواعد غير مدروسة فيما يتعلق بالأجور تؤدي إلى خنق روح المبادرة في الأعمال، فإن الشيء الوحيد الذي سيخرج عن مساره هو الانتعاش الاقتصادي العالمي.

الأكثر قراءة