اليد الخفية
أصبح الأمريكيون أكثر تقبلا لفكرة الحكومة النشطة .. فهل سيتقبلون تطلعات أوباما؟
كان المتظاهرون الذين احتشدوا على درجات النصب التذكاري للحرب في وسط أنديانا بولس مجموعة صغيرة ولكن متحمسة للغاية. وعلى بعد خطوات من المقر الرئيسي لإحدى كبريات شركات التأمين الصحي في الدولة، أنشدوا شعارات تدعو إلى خطة صحية تديرها حكومة واحدة ولوحوا بلافتات كتبت عليها شعارات مثل "خطة واحدة أمة واحدة" و"المرضى لا الأرباح". وينصح أحدهم بالقول: "تقبل مسؤوليتك الشخصية وافحص قولونك بالمنظار بنفسك". وبعد سنوات من الدعوة لقضيتهم، شعر دعاة وضع خطة رعاية صحية شاملة بطاقة متجددة حين تولى باراك أوباما منصبه. وخطب أحد المغنين في الحشود قبل أن يبدأ بالغناء: "حدث شيء ما في كانون الثاني (يناير) غير قصتنا الثقافية للأبد. وإذا لم يكن الآن قل لي متى".
واندلع نقاش آخر على الجانب الآخر من الشارع. ويتفق Dennis Majewski، محامي الدفاع العام، مع المتظاهرين، حيث يقول: "لن ننتعش أبدا إلا إذا كان لدينا تأمين رعاية صحية وطنية". لكن هل يجب أن ترعى الحكومة "مدمن مخدرات معروفا يؤدي إدمانه إلى إصابته بمرض خطير؟" كما يقول ابن عمه، Tom Majewski، المدير التنفيذي المتقاعد. ويجيبه Dennis بالإيجاب، ويقول: "هذا الشخص مصاب بمرض خطير". ويرد Tom بسرعة: "ولكنه اختار هذا".
ويمثل النقاش في أنديانا بولس صورة مصغرة من عملية إعادة نظر أوسع من قبل الأمريكيين لدور الحكومة في الاقتصاد. فتحمل المخاطر بصورة متهورة خطرة أغرقت الدولة في أسوأ ركود لها منذ عقود. واستجابة لذلك، يستكشف أوباما والكونجرس طرقا طموحة جديدة لتوسيع نطاق مسؤوليات الحكومة. إلا أن أوباما كان غامضا بشأن الحدود التي يعتقد أنها يجب أن تفصل بين الحكومة والسوق. فقد قال في خطاب تنصيبه: "إن السؤال الذي نطرحه اليوم ليس ما إذا كانت حكومتنا كبيرة جدا أو صغيرة جدا، بل ما إذا كانت ناجحة أم لا". إلا أن أفعاله تتناقض وهذا التشكك. فمعظم المبادرات المحلية الكبيرة التي تم إطلاقها منذ أن أصبح رئيسا تشمل زيادة نشاط الحكومة الفيدرالية، إما بشكل مؤقت وإما دائم. وتشمل رقابة أكبر على النظام المالي ورواتب المسؤولين التنفيذيين، وتوسيع نطاق التأمين الصحي إلى الأمريكيين الذين يفتقرون إليه البالغة نسبتهم 15 في المائة، وتحويل استهلاك الطاقة من الوقود الأحفوري إلى المصادر المتجددة، وإعادة توزيع الدخل من الطبقة الغنية إلى الطبقة الوسطى.
وقد أصبح الكونجرس أكثر نشاطا بصورة جريئة. ففي الثاني والعشرين من أيار (مايو)، أقر بأغلبية ساحقة أكبر حملة شاملة لفرض إجراءات صارمة على صناعة البطاقات الائتمانية منذ عقود. ويوحي اسمها "قانون حقوق حاملي بطاقات الائتمان" بأنها ليست مجرد مجموعة قواعد، بل معاهدة بين قطاع الأعمال والمواطنين. وبما أن بطاقات الائتمان أصبحت مهمة جدا بقدر الهاتف أو الكهرباء، فسيتم تنظيمها على هذا النحو.
ولكن هل أوباما والكونجرس متفقان مع أمريكا؟ من الواضح أن سياسة عدم التدخل الحكومي فقدت بعض بريقها منذ أن كان رونالد ريجان رئيسا. إلا أن المسح الذي أجراه مركز بيو للأبحاث، والذي تم نشره في 21 من أيار (مايو)، يظهر أن الأمريكيين لا يزالون يحبون الأعمال. وقد وجد أن 76 في المائة من قوة الدولة "تعتمد إلى حد كبير على نجاح الأعمال في أمريكا"، وأن 90 في المائة يحترمون الأشخاص "الذين يحققون الثراء عن طريق العمل الشاق"، وهي نسب تغيرت قليلا على مدى عقدين. إلا أن الناس منهكون من تجاوزات الأعمال: 37 في المائة من المستجيبين فقط يعتقدون أن الأعمال تحقق التوازن الصحيح بين الأرباح والمصلحة العامة، وهي أدنى نسبة منذ أن بدأ مركز بيو توجيه هذا السؤال عام 1987.
ولا شك أن هذا ساعد على تحفيز تحول الدولة إلى الديمقراطيين خلال فترتي الانتخابات الأخيرة. وقد أصبحت ولاية أنديانا، التي كانت موالية بقوة للجمهوريين منذ سنوات، ولاية لا يمكن التنبؤ بنتيجة الانتخابات فيها. وفي عام 2006، تغير توازن مقاعدها التسعة في الكونجرس من 7 - 2 لصالح الجمهوريين إلى 5 - 4 لصالح الديمقراطيين. وقد فاز بها أوباما في الانتخابات الرئاسية لعام 2008، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها ديمقراطي منذ عام 1964.
ومن جهة أخرى، تمت إعادة انتخاب Mitch Daniels، حاكم ولاية أنديانا الجمهوري، بأغلبية كبيرة. ويشير Daniels إلى أنه لا يزال من السابق لأوانه القول إن الأمريكيين يريدون حكومة أكبر. فقد صوّتت أنديانا لصالح أوباما لأنه كان يريد التغيير. ويعترف Daniels بالقول: "لقد حصل على عدد كبير من أصوات الحزب الآخر في الضواحي الجمهورية". ولكنه أضاف: "لم يصبح هؤلاء الناس فرنسيين خلال الأشهر الخمسة الماضية". وهو يقول إن أوباما سيخسر الولاية عام 2012 إذا مضى قدما في تنفيذ ما يصفه الحاكم ساخرا بأنه "تدخل الدولة المسبب للصدمة والرعب"، مثل وضع حد أعلى على انبعاثات الكربون التي لا تحظى مطلقا بالشعبية في أنديانا التي تعتمد على الفحم.
وتؤيد الاستطلاعات وجهة نظره: وجد مركز بيو أن الأمريكيين لا يزالون يعتقدون أن الحكومة الفيدرالية تسيطر كثيرا على حياتهم. ويرى Andrew Kohut، رئيس مركز بيو للأبحاث، أن هناك أوجه شبه مع عام 1981، حين أظهرت الاستطلاعات مستويات تأييد مرتفعة لريجان مقرونة بالشعور بالقلق من سياساته، مثل تخفيضات الضمان الاجتماعي (المعاشات التقاعدية الممولة من قبل الحكومة) والرعاية الاجتماعية. وربما كان ريجان يريد دفع الدولة إلى اليمين بصورة أكبر مما أرادت. وفي عام 1982، حين غرق الاقتصاد في الركود، عاقب الناخبون الجمهوريين في الانتخابات.
وتظهر الاستطلاعات أن تزايد الثقة بالحكومة يقتصر تماما تقريبا على الديمقراطيين. فالجمهوريون أكثر تشككا، فيما لم تتغير آراء المستقلين كثيرا. ويبدو أن هذا يوحي بأن ما يبدو أنه ثقة متزايدة بالحكومة هو في الحقيقة ثقة بأوباما. إلا أن التاريخ يشير إلى أن عديدا من الخطوات المتوقعة لأوباما نحو الحكومة الكبيرة، بغض النظر عن مدى كونها مثيرة للجدل، سيتبين في النهاية أنها دائمة.
درس من التاريخ
يعود عدم ثقة الأمريكيين بالحكومة إلى جذورهم. فقد تأسست الدولة من قبل لاجئين فارين من ملاحقتهم ومعاقبتهم من قبل الدولة بسبب الديانة، وقد تمرد هؤلاء اللاجئون في وقت لاحق ضد الضرائب التي فرضها الإنجليز. ويقول Thomas Jefferson: "يقود التقدم الطبيعي للأمور إلى استسلام الحريات واكتساب الحكومة القوة". وفي كتاباته بعد بضع سنوات، تفكر Henry David Thoreau: "أوافق من كل قلبي على الشعار القائل إن "الحكومة الأفضل هي التي تحكم بصورة أقل".. وأعتقد أيضا أن الحكومة الأفضل هي التي لا تحكم على الإطلاق".
ولكن لطالما كانت هذه الصورة الذاتية أسطورة بقدر كونها حقيقة. فقد فرض الدستور، الذي غالبا ما يتم تصويره على أنه يهدف إلى تكبيل الحكومة، هيكل كان يفتقر إلى بنود اتفاقية الاتحاد الكونفيدرالي السابقة، كما يشير المؤرخ Garry Wills. فقد كتب في كتاب A Necessary Evil: "نحن نؤمن بتاريخنا لكي نتشكك في حكومتنا". وحملات Thoreau على الحكومة والضرائب تعبر عن مشاعر الأمريكيين، ولكن لم يكن له أبدا الكثير من الأتباع.
لقد كانت الحكومة الفيدرالية صغيرة للغاية في معظم أوقات القرن الأول من وجود الدولة، ثم توسعت بصورة مطردة. وأدى التصنيع وظهور النقابات إلى عصر بين التسعينيات من القرن الثامن عشر والعشرينيات من القرن التاسع عشر ظهرت فيه قوانين مكافحة الاحتكار وتنظيم التجارة بين الولايات وضريبة الدخل وتنظيم نوعية الغذاء والأدوية. وقد كتب Price Fishback، الاقتصادي في جامعة أريزونا، أن التحيز الأيديولوجي ضد الحكومة بدأ يتراجع بصورة كبيرة في مواجهة فترة الكساد العظيم والحربين العالميتين، بحيث أنه "بحلول الخمسينيات لجأت غالبية النخب والشعب بشكل عام إلى الحكومة حين رأوا أن هناك مشكلة يجب حلها".
وتثير الأزمات عادة الأصوات الصاخبة الداعية لتدخل الحكومة بشكل أكبر. وأحيانا تتقلص الحكومة بعد الأزمات، ولكنها لا تعود أبدا إلى حجمها الأصلي. وقد أصدرت الحكومة الفيدرالية في البداية عملة وطنية لتمويل الحرب الأهلية. وأدى الذعر المالي عام 1907 إلى إنشاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي عام 1913. وأدت فترة الكساد العظيم إلى إنشاء هيئة الأوراق والأسواق المالية وشركة تأمين الودائع الفيدرالية للحفاظ على النظام المالي، ومؤسسة القروض العقارية الوطنية الفيدرالية Fannie Mae لإيجاد سوق قروض عقارية وطنية. ونشأت شبكة الأمان الفيدرالية مع مؤسسة الضمان الاجتماعي والتأمين ضد البطالة. وعززت الحرب العالمية الثانية القناعة القائلة إن هناك حاجة للحكومة النشطة للحفاظ على العمالة الكاملة، وهو اعتقاد تم تدوينه في قانون العمل لعام 1946.
وبدأت أول محاولة منسقة لتقليص هذه السلطة في عهد جيمي كارتر حين رفع القيود عن شركات الطيران والنقل والقطاع المصرفي. وحوّل ريجان هذا الاتجاه إلى فلسفة حكم، معلنا حين أصبح رئيسا عام 1981 أن: "الحكومة ليست الحل لمشكلتنا؛ فالحكومة هي المشكلة". وفي عام 1986، وجد استطلاع لـ CBS News أن 41 في المائة من المستجيبين يعتقدون أن الحكومة فرضت قوانين أكثر من اللازم على الأعمال، في حين كان 22 في المائة يعتقدون أنها فرضت قوانين أقل من اللازم (انعكست وجهة النظر هذه الآن). وكان تراث ريجان الدائم هو ترسيخ الضرائب المنخفضة في إطار فلسفة الحكومة الصغيرة. واستولت الضرائب المنخفضة على ذهن الشعب بطريقة لم يحققها رفع القيود. ومع ذلك، لم تتقلص الحكومة فعليا في عهد ريجان؛ بل توقفت عن النمو فقط. وزاد الإنفاق الفيدرالي، باستثناء الدفاع، من أقل من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في بداية فترة الكساد العظيم إلى نحو 16 في المائة في أواخر السبعينيات، وظل عند نسبته هذه حتى الآن.
وطوال العقدين التاليين، ظلت الحكومة الصغيرة هي التفضيل المعلن للرؤساء، بمن فيهم بيل كلينتون، الذي أعلن عام 1996 أن "عصر الحكومة الكبيرة قد انتهى". وعلى الرغم من أنه لم يتم رفع كثير من القيود فعليا في هذه الفترة، إلا أن الابتكار المالي زاد بصورة أكبر في المجالات التي كانت فيها القوانين أقل. فعلى سبيل المثال، لم تكن المشتقات الأسرع نموا مشمولة في قوانين السلع الآجلة، ولم يكن المقرضون لمقترضين ذوي سجل ائتماني سيئ من البنوك، وبالتالي لم يكونوا خاضعين للتنظيم الفيدرالي.
وبدأ التحول نحو الحكومة الأكثر نشاطا تحت رئاسة جورج بوش، وكان ذلك جزئيا استجابة للأزمات الجديدة. فقد أدت الهجمات الإرهابية عام 2001 إلى إنشاء وزارة الأمن القومي، وقانون مكافحة الإرهاب، وإخضاع الأمن في المطارات للسلطة الفيدرالية، وتوسيع قوانين غسيل الأموال والتأمين ضد الإرهاب المدعوم فيدراليا. وأدى انهيار سوق الأوراق المالية إلى إقرار قانون ساربينز - أوكسلي للإشراف على حوكمة الشركات ومعايير المحاسبة. ووسع بوش نطاق الحكومة من أجل الحفاظ على هيمنة الجمهوريين طالما أنه يستطيع أيضا تخفيض الضرائب؛ ولم يكن كون هذا يعني عجزا أكبر في الميزانية أولوية بالنسبة له. وبالتالي أدخل برنامجا مكلفا لدعم تكلفة الأدوية للمسنين.
ولم يتغير دخل الأسر مع ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية ومع ذهاب مزيد من مكاسب الدخل إلى الأثرياء. وإحدى نتائج ذلك هي أن الأمريكيين، الذين يشتهرون بولعهم بالسوق الحرة أكثر من بقية العالم، أصبحوا أقل ولعا بها. وفي عام 2007، وجد مسح دولي لمركز بيو أن الدعم الأمريكي للأسواق الحرة انخفض منذ خمس سنوات. ولكنه ارتفع في معظم الدول، خاصة في العالم النامي. وأصبحت العولمة التي استفادوا منها كثيرا تثير قلق الأمريكيين، الذين ألقى كثير منهم اللوم على المنافسة من الدول الأكثر فقرا بوصفها سبب ركود الأجور.
وهكذا، حدثت الأزمة المالية في وقت أصبح فيه الأمريكيون يكرهون الرأسمالية غير المقيدة. ويعتقد Luke Kenley، السيناتور المؤثر عن أنديانا، أن هناك انقساما فلسفيا على طول خطوط الأجيال. فالأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 عاما، مثله، "يشعرون براحة كبيرة في ظل نظام الاقتصاد الحر الأمريكي"، ويصفون الاضطرابات الحالية بوصفها تصحيحا من قبل السوق لتجاوزاتها السابقة.
إلا أن أولاده الكبار لا يشاركونه هذه القناعة. فابنه John، المحامي الذي يبلغ من العمر 38 عاما، يشير إلى أن "لريجان وقته ومكانه، ولكن لا صدى لتلك الرسائل الآن". وتظهر كارثة أسواق الإسكان والقروض العقارية أن الأسواق الحرة لا تفهم الحوافز جيدا دائما أو تنتج المعلومات التي يحتاج إليها الناس لاتخاذ قرارات حكيمة. ويضيف أنه قد تكون الحكومة في بعض الأحيان في وضع جيد لمنح الناس المعلومات التي يحتاجون إليها.
وقد أوصلت الأزمة المالية أوباما إلى البيت الأبيض واستفاد بدوره من هذه الفرصة جيدا. وبعض الطرق واضحة، فهو يستخدم حصص ملكية الحكومة في البنوك لتغيير الطريقة التي تدفع بها رواتب مديريها التنفيذيين، ويستخدم سيطرتها على "جنرال موتورز" و"كرايسلر" لزيادة إنتاجهما من السيارات التي تستخدم الوقود البديل.
وقد أوضح أوباما أفكاره في الثاني والعشرين من أيار (مايو) على قناة C-Span، حيث قال: "نريد الانتهاء من عملية مساعدة شركات السيارات بأسرع ما بوسعنا.. وبالطريقة نفسها، أريد الانتهاء من عملية مساعدة البنوك. ولكن علينا اتخاذ بعض القرارات الاستراتيجية بشأن الصناعات الاستراتيجية".
وهناك طرق أخرى أكثر دقة. فمعظم أموال رزمة الحوافز الفيدرالية البالغة 787 مليار دولار، التي تم إقرارها في شباط (فبراير)، تذهب إلى الولايات، ولكن فقط إذا التزمت بالتوجيهات الفيدرالية حول كيفية إنفاق المال. فعلى سبيل المثال، للحصول على مساعدة فيدرالية إضافية للتأمين ضد البطالة، على الولايات أن تجعل عددا أكبر من العمال مؤهلين للحصول على الاستحقاقات، خاصة العاملين بدوام جزئي.
وقد تمرد عديد من الولايات ضد مثل هذه الشروط، حيث تقول إنها ستقيد الولايات وأصحاب العمل بتكاليف إضافية بعد وقت طويل من نفاد أموال الحوافز. ورفض الحكام الجمهوريون لولايات كارولينا الجنوبية وألاسكا ولويزيانا والمسيسيبي وتكساس بعض أموال الحوافز.
وقد رفضت أنديانا حتى الآن أموال التأمين ضد البطالة، ولكنها أخذت معظم الأموال الباقية، ولكن بفتور. ولدى Kenley كومة كبيرة من الأوراق التي تتضمن التوجيهات الفيدرالية التي يجب أن تنفذها الولايات للحصول على أموال الحوافز المخصصة للتعليم، مثل ضمان ألا يتم تعليم أطفال الفقراء والأقليات بصورة غير متناسبة من قبل معلمين غير أكفاء. ويجب أن يتم توجيه الأموال الفيدرالية لمنازل الأسر الفقيرة المحصنة ضد تسرب المياه في الشتاء عبر جماعات غير ربحية. وما يعترض عليه Kenley هو الإدارة بأسلوب الإشراف على أدق التفاصيل، وليس الأهداف، ويقول: "سيسيطرون على سلوكك بمواصفات ولوائح معينة. ولا يمكن تحمّل هذا، ولكن علينا أن نأخذ المال ونبذل قصارى جهدنا".
ولدى الحاكم Daniels، الذي كان مدير الميزانية في ظل بوش ويعد من المحافظين المخلصين، رأي أكثر دقة، فهو يقول: "يبحث الناس في أوقات الشدة والذعر عن الطاقة، وعن الحكومة النشطة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن تدخل الحكومة. فالناس.. لا يزالون متشككين، على الرغم من أنهم أصبحوا أقل تشككا، بالحكومة".
وتبعا لذلك، رفع Daniels عام 2007 الضرائب على السجائر لدفع تكاليف التأمين الصحي للعائلات الفقيرة التي لا تستطيع دفع تكاليفه. وعارضه Kenley، قائلا إنه من الملائم أكثر تشجيع الناس، من خلال النظام الضريبي، على توفير تكاليف رعايتهم. وكان رد Daniels هو: "علينا أن نفعل ذلك وإلا سينتهي بنا الأمر بنظام واحد فقط يدفع التكاليف (المخطط الواحد الذي كان المتظاهرون في أنديانا بولس يطالبون به)". وهو يقول إن تقليل أعداد الأشخاص غير المشمولين بالتأمين عن طريق عدم التشجيع على التدخين لا يتعارض مع المبادئ الجمهورية: "إذا لم يكن هذا محافظا بما فيه الكفاية بالنسبة للبعض، فهو أحد بدعي النادرة".
ويقول Robert Stone، الطبيب الملتحي الودود المقيم في غرفة الطوارئ الذي نظّم مظاهرة أخيرا في أنديانا بولس، إنه من المشجع أن هناك حاكما محافظا مثل Daniels مستعد لرفع الضرائب لدفع تكاليف توسيع نظام الرعاية الصحية. ولكنه يضيف، ولكن لن يكون الأمر مشجعا إذا كان هذا مجرد بديل لقدرة الجميع على الحصول على التأمين.
وقد حقق Stone انتصارات صغيرة خلال العام الماضي. ففي كانون الثاني (يناير)، أقر مجلس مدينة نيو ألباني، في الجزء الجنوبي المحافظ من الولاية، قرار يدعم خطة الرعاية الصحية التي تدفع تكاليفها جهة واحدة. إلا أن Stone لم يتمكن من إقناع الكثيرين من كبار السياسيين الديمقراطيين في الولاية بتأييد هذه الفكرة. وكان Baron Hill، عضو الكونجرس الديمقراطي الذي يمثل الجزء الجنوبي من الولاية، متعاطفا، بل ودعا Stone لإلقاء خطاب في مؤتمر Blue Dogs لأعضاء الكونجرس الديمقراطيين المحافظين ماليا. ولكن ما أحبط Stone هو أنه لم يحدد موعدا بعد. ولا تزال الرعاية الصحية التي تديرها الحكومة لعنة على الكثير من الأمريكيين. وقد تلقى Stone تذكيرا بذلك قبل يوم من التجمع؛ رسالة لاذعة تشجب "الكثير جدا من الاشتراكيين إذا لم يكونوا شيوعيين يعملون ضد أفضل نظام اجتماعي اقتصادي تقدمي في العالم، وهو الرأسمالية".
هل يمكن أن ينجو بفعلته؟
ويدرك أوباما أيضا المعارضة العاطفية التي قد تثيرها الملكية الحكومية. فقد كان يدعو في السابق إلى نظام دفع التكاليف من قبل جهة واحدة، ولكنه ظل يقول منذ ذلك الحين أن هذا لن يكون منطقيا إلا إذا بدأ من الصفر؛ يتعهد الآن بالعمل في إطار النظام الحالي للرعاية الصحية القائم على أصحاب العمل. وهو يؤيد خطة عامة مماثلة لخطة Medicare الممولة فيدراليا (المخصصة فقط للمتقاعدين) للتنافس مع خطط القطاع الخاص، ولكن حتى هذا قابل للتفاوض.
ويواجه هذا الهدف المتقلص، مثل جميع تطلعات أوباما، عقبة هائلة، هي المال. فقد تبين أن الاقتصاد أضعف مما كان الرئيس يتوقع، مما حرمه من الإيرادات الضريبية التي كان يأمل في الحصول عليها. ويميل الكونجرس إلى منح، وليس بيع، تراخيص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في برنامج الاتجار بالانبعاثات ضمن حدود قصوى. ومن ناحية أخرى، تظهر الاستطلاعات وجود قلق كبير بين الناخبين بشأن حالات العجز الكبيرة وتزايد الديون.
إلا أن هذه القيود المالية لا تنطبق على اللوائح الجديدة. وسيكون من الصعب تحديد التكاليف، كما يشير Robert Litan، الباحث في مؤسسة كوفمان الفكرية. فقد قال أوباما مثلا إن إدارته ستكون أقل ميلا من الإدارة السابقة للجوء لقواعد فيدرالية لحماية الشركات من قوانين حماية المستهلك. وهذا يعني أن الشركات تواجه تزايد خطر رفع الدعاوى المتعلقة بالمسؤولية القانونية للمنتجات، الأمر الذي قد يحبط الابتكار ويقيد النمو.
إلا أن الشعب لن يرى هذه التكاليف، وبالتالي لن يهتم على الأرجح. ويقول Litan: "إن الشعب ليس في مزاج تمييزي حين يتعلق الأمر بالتنظيم. فإذا تناول التنظيم أمر يغضبهم، مثل مكافآت المديرين التنفيذيين، فلا بأس بذلك. أما بالنسبة لأي شيء آخر، فإن الشعب يريد قدرا أكبر من اليقين وقدرا أقل من القلق في حياته". وفي غضون سنوات قليلة، سيكون السؤال هو: "هل أخرجنا أوباما من القبو؟ إذا كان الجواب نعم، فلن يهتموا بالتفاصيل".