بعد انتخابات الهند .. أخبار جيدة: لا تفسدوها
إن الهند أرض الوعود المتفائلة، وهي أيضا فقيرة للغاية؛ نحو 27 مليون هندي سيولدون هذا العام. وما لم تتحسن الأمور، سيموت مليونا شخص منهم تقريبا قبل الانتخابات العامة المقبلة. ومن بين الأطفال الذي سيظلون على قيد الحياة، سيتوقف النمو البدني لأكثر من 40 في المائة منهم نتيجة سوء التغذية. وسيسجل معظمهم في المدارس، إلا أن المعلمين قد لا يأتون إلى المدرسة. وبعد خمس سنوات من المدرسة، سيتمكن أقل من 60 في المائة منهم من قراءة قصة قصيرة، وسيعاني أكثر من 60 في المائة منهم مشكلات في حل أبسط المسائل الحسابية.
وقد تنافس نحو 300 حزب وكثير من المرشحين المستقلين في الانتخابات التي انتهت للتو. وقد اختاروا مجموعة محيرة من الرموز: زهرة اللوتس، القوس والسهام، مروحة معلقة في السقف، لاعب كريكيت يسحب الكرة. ومن بين الأشخاص الذين أدلوا بأصواتهم، البالغ عددهم 417 مليون شخص (نسبة إقبال بلغت 58 في المائة)، ضغط نحو 119 منهم الزر الموجود بالقرب من رمز على شكل يد مفتوحة، وهو رمز حزب المؤتمر. وكان العدد كافيا لمنح الحزب 206 مقاعد برلمانية من أصل 545. وفي دولة حجمها أكبر بنسبة الضعف من حجم الاتحاد الأوروبي، ويتحدث سكانها لغات أكثر، فإن هذه ولاية واضحة أكثر مما يمكن أن يأمل أي حزب بالفوز بها - إذا استخدم حزب المؤتمر هذه الولاية بحكمة - وهي أيضا فرصة رائعة لزيادة رفاهية الجيل الجديد من الهنود.
حر أخيرا...
والخبر الجيد هو أنه كان من السهل على حزب المؤتمر تشكيل تحالف بما أن لديه ما يبدو أنه أغلبية برلمانية مستقرة. وبالتالي سيجنب الدولة تكرار ما حدث خلال السنوات الخمس الماضية، التي أهدر الحزب طاقاته خلالها في استرضاء حلفائه في تحالف غير عملي. كما كانت الانتخابات مشجعة لأنها كشفت حدود السياسة المنقسمة. ولا تزال جذور الحزب الثاني في الهند، حزب بهاراتيا جاناتا، راسخة في حركة Hindutva، التي تؤمن كما يبدو أن مسلمي الهند البالغ عددهم 160 مليون شخص يعيشون هناك على مضض. وقد تخلف حزب بهاراتيا جاناتا هذه المرة، مما يدل مرة أخرى على أن القومية الهندية كافية لدعم حزب ما، ولكن ليس حكومة.
ومع ذلك، يجب ألا يقع حزب المؤتمر الآن فريسة للشعور بالرضا عن النفس. فالحزب بمثابة خيمة كبيرة لا شكل لها، ويرتبط بسلالة نهرو- غاندي التي قدمت ثلاثة من رؤساء الوزراء. وقد حوّلت الأوساط الآن اهتمامها للشخص الآخر الذي يأتي بعدهم في الصف، وهو راؤول غاندي، نجل سونيا غاندي زعيمة الحزب. ولكنه، على غرار والدته، ليس على عجلة من أمره ليصبح رئيسا للوزراء. وهذا جدير بالثناء. فلا يزال أمام مانموهان سينج، الاقتصادي الذي تلقى تعليمه في أكسفورد والذي يشغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2004، أعمال لم ينهها بعد.
ويأمل الليبراليون أن يطلق سينج العنان لنزعاته الإصلاحية الآن بما أن حزب المؤتمر لم يعد مقيدا بالأحزاب الشيوعية التي انسحبت من الحكومة الصيف الماضي والتي عانت خسارة كبيرة في انتخابات هذا الربيع. ولكن لا يوجد في الهند كثير من المؤيدين لتحرير التدابير، مثل إزالة الحد الأعلى اللازم على الاستثمار الأجنبي المباشر في التأمين. فنسبة العائلات التي تمتلك أيا من الأسهم التي قفزت بنسبة 17 في المائة في اليوم الأول من التداول بعد الإعلان عن فوز سينج لا تتجاوز 0.7 في المائة فقط.
ويقول سينج إنه يهدف إلى تحقيق النمو "الشامل". فقد أظهر هو وغاندي نزعة لإعادة توزيع عائدات النمو إلى الدوائر الانتخابية المفضلة، التي يصادف أن بعضها من الفقراء جدا. وزادت الحكومة رواتب موظفي القطاع العام، وعفت عن قروض صغار المزارعين، ووسعت خطتها للأشغال العامة إلى فقراء الريف.
وسيصعب على حزب المؤتمر تكرار هذه الحيلة في فترة ولايته الثانية. وعلى الرغم من أن الأصوات الانتخابية في مصلحته الآن، إلا أن الحسابات المالية أقل تسامحا. فقد يتجاوز العجز في ميزانية الحكومة (بما في ذلك عجز ميزانيات الولايات) 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وإذا انتعش الاقتصاد- يبدو أن الهند والصين بعيدتان عن التباطؤ في الغرب - سيفرض اقتراض الحكومة ضغوطا على أسعار الفائدة.
ولتقليل العجز، قد تميل الحكومة إلى المراوغة في الإنفاق على البنية التحتية، وهو استثمار يؤتي ثماره ببطء. ولكنه سيكون اقتصادا زائفا. ولكي تنمو الهند بنسبة 9 في المائة سنويا، تحتاج إلى إضافة ما لا يقل عن 25.000 ميجاواط من الطاقة سنويا. كما أنه أيضا سياسة سيئة: في ولاية Bihar و Orissa، أثبت الناخبون في الانتخابات أنهم سيكافئون إدارات الدولة التي تبدي اهتماما بتحسين وضعهم. وأمام الحكومة التي لديها فترة ولاية مضمونة لمدة خمس سنوات فرصة لكسب الأصوات، ليس فقط لشرائها.
وهناك طريقة أفضل لتوفير المال، وهي الحد من الإعانات الحكومية للوقود والأسمدة. فهذه الإعانات مبذرة وتفيد عادة الأشخاص الأثرياء الذين يمتلكون سيارات أو يزرعون مساحات كبيرة من الأرض. وإعانات الوقود على وجه الخصوص تجعل المالية العامة رهن بسعر النفط العالمي، وقد كاد يؤدي إلى الفوضى المالية حين تجاوز 140 دولارا للبرميل الصيف الماضي. وتلوح في الأفق أزمة أخرى إذا انتعش الاقتصاد العالمي.
ومن السهل إداريا إصلاح الإعانات، ولكنه أمر صعب من الناحية السياسية. وللأسف، ينطبق الشيء نفسه على قوانين العمالة المرهقة في الهند. فمن السهل إداريا إلغاء هذه القواعد، التي تجعل نسبة ضئيلة من قوة العمل فقط محصنين ضد الطرد من العمل على حساب الجميع. ولكن مع تراجع الصادرات وتقلص الصناعة، فإن الحكومة التي تسهّل طرد العمال الهنود ستكون حكومة شجاعة جدا.
وللأسف، ليس لدى حزب المؤتمر الشجاعة أو الصلاحية لفعل ذلك. إلا أن هناك بعض الإصلاحات العاجلة التي ستحظى بالشعبية على الصعيد السياسي. فعلى سبيل المثال، فإنه لإصلاح التعليم أو مكافحة سوء التغذية، يجب على الحكومة توظيف وتحفيز ومراقبة ملايين المعلمين والعاملين في دور الحضانة. وهذا لسوء الحظ يتطلب كثيرا من النظام البيروقراطي المهترئ في الهند، الذي يشتهر بميله "للتسريب"، أي الفساد. ويفسر فشل سينج في إصلاح هذا النظام الكثير من فشل حكومته في تحقيق الكثير غير ذلك. فقد ماطلت مثلا في القانون الذي من المفترض أن يطبق حق التعليم، لأنها تخشى من التطبيقات العملية. وفي الهند، قد يستغرق توظيف معلم في وظيفة شاغرة أربع سنوات.
... ولكن لا مزيد من الأعذار
وخلال السنوات الخمس الماضية، كان حزب المؤتمر يلقي بمسؤولية أوجه القصور هذه على تقلبات سياسة التحالف. ولكنه فقد هذا العذر. ولديه الآن ولاية واضحة لتوفير التعليم والطعام والري والكهرباء دون انقطاع للدولة بما أنه لم يعد مقيدا الآن بحلفائه السابقين غير المجديين. وكان للوعود بتنفيذ ذلك مكانة بارزة في بيان الحزب، تماما كما حدث في انتخابات عام 2004. وإذا لم يتمكن من الوفاء بهذه الوعود مرة أخرى، سيضغط الناخبون الهنود زر شخص آخر في المرة المقبلة.